يوما بعد يوم يزداد التوجه العالمي لاستخدام التقنيات الزراعية الصديقة للبيئة، كوسيلة فعالة فى مواجهة آثار التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائى بصورة مستدامة، وعلى رأس هذه التقنيات يبرز إنتاج الفحم الحيوى الذي يعرف ب«البيوشار»، الذى بدأ ينتشر استخدامه في مصر مؤخرا لفوائده المتعددة ونتائجه المبهرة. «البيوشار» عبارة عن مادة صلبة يتم الحصول عليها من خلال حرق المخلفات الزراعية مثل بقايا تقليم الأشجار وغيرها، فيتم تجميعها وتقطيعها وضغطها بعد تجفيفها، ثم تمر بعملية حرق كيميائى حرارى، وهذه العملية تتم فى ظروف لا هوائية فى درجة حرارة تصل ل500 مئوية . عملية تصنيع البيوشار قديمة وليست حديثة، فرغم أنها وصلت لمصر مؤخرا فإنها كانت تستخدم من قبل فى مناطق الأمازون لتصنيع ما يعرف بالتربة السوداء (تيرا بيريتا) الثرية بالعناصر المغذية للمحاصيل . وخلال عملية التصنيع يتم الحصول على طن بيوشار أو أقل لكل 10 أطنان من المخلفات النباتية، ويمكن إضافة البيوشار إلى التربة بصورة مباشرة أو خلطه مع الكمبوست (السماد العضوي) بنسبة 10 إلى 15%؛ لتسريع عملية الإنتاج وتوفير حوالي 20 يوما من عمر المحصول، وهى نسبة ممتازة حال استخدامها مع المحاصيل الاقتصادية. ويقدم البيوشار تصورا عمليا لكيفية الاستفادة من متبقيات الإنتاج الزراعي، وتحويلها لفحم حيوي، خاصة أنها تمثل عبئا كبيراً على بعض المزارعين، وقد يلجأ بعضهم للتخلص منها بطرق غير آمنة كالحرق، مما يلوِّث البيئة ويضر بصحة الإنسان والحيوان. ويؤكد المختصون بالشأن الزراعى أن عملية إعادة تدوير هذه المتبقيات الزراعية والاستفادة منها في إنتاج الفحم الحيوي من أهم الطرق الآمنة للحفاظ على البيئة، كما أن «الفحم الحيوي» إذا أضيف للتربة بالمعدلات الموصى بها سيحسن خواصها، بالتالي يؤدي ذلك في النهاية لتعظيم نمو إنتاجية وجودة المحاصيل خاصة في الزراعة العضوية. ◄ محسن التربة وفيما يتعلق بفوائد البيوشار يقول الدكتور خالد غانم أستاذ الزراعة الأورجانك رئيس قسم البيئة والزراعة الحيوية بجامعة الأزهر، إن البيوشار لا يصنف كسماد عضوى لكنه يصنف كمحسن للتربة أو معدل لخصائصها، وهناك أوجه عديدة للاستفادة منه، فعند إضافته للتربة يزيد نسبة المجتمعات الميكروبية المفيدة للنبات أضعاف النسبة الموجودة بها، وهذه الميكروبات لها دور كبير فى تيسير امتصاص العناصر الغذائية من المادة العضوية بالسماد. ◄ توفير المياه ويقوم البيوشار بتنظيم حركة المياه داخل التربة كونه يملأ الفراغات المتواجدة بين حبيباتها ما يتسبب فى إبطاء معدل جريانها، أى أنه يحافظ على كميات المياه لا سيما في التربة الرملية، ما يسهم بدرجة كبيرة فى الحفاظ على بقاء إنتاج المحاصيل الزراعية دون تأثر كبير كنوع من مقاومة آثار التغير المناخي، وبجانب ما سبق يعمل البيوشار على زيادة إنتاجية المحاصيل بصورة ملحوظة من خلال زيادة خصوبة التربة، وفقا لبعض الدراسات التى رصدت ارتفاع حجم الإنتاج بنسبة 10% بعد استخدام البيوشار، بل ووصلت نسبة الزيادة فى بعض الأحيان إلى أربعة عشرة بالمئة فى التربة الحامضية التى تتواجد فى دول أوروبا. ◄ اقرأ أيضًا | تطوير التقنيات الزراعية بأمريكا اللاتينية لتعزيز الاستدامة ◄ المعادن الثقيلة ومن مزايا البيوشار أنه يقيد انتقال المعادن الثقيلة فى التربة فلا تنتشر فى السلسلة الغذائية، وهى ميزة هامة للغاية نظرا لما تسببه تلك العناصر من مشاكل على صحة الإنسان والحيوان وتلوث للبيئة بصورة عامة، فهى تمر عبر السلسلة الغذائية دون تغيير لتتركز فى جسد من يتناولها، وتظل كذلك فى التربة دون أن تتحطم عناصرها لفترة طويلة، ويمكن أيضا استخدام البيوشار ضمن تقنية حيوية واعدة فى معالجة المياه الناتجة من مخلفات المصانع وإعادة تدويرها مرة أخرى. ◄ العوامل الاقتصادية عند دراسة جدوى تصنيع الفحم الحيوى أو البيوشار لا بد من الأخذ بعين الاعتبار تحديد سعر بيع مناسب للمزارعين وحجم السوق المصرى ومدى استيعابه لهذا المنتج الجديد، علاوة على دراسة المواد الثانوية التى يمكن استخراجها منه خلال عملية إنتاجه، مثل خل الخشب الذى يستخدم للقضاء على بعض الأمراض الموجودة فى التربة. ويقول الدكتور خالد إن هناك إحصائيات قديمة تشير لوجود 40 مليون طن من المخلفات الزراعية فى مصر سنويا، ويمكن الاستفادة منها حسب القيمة الاقتصادية لكل نوع، وإذا تطرقنا لإنتاج البيوشار من بعض أنواع هذه المخلفات فيجب أن يخضع ذلك لضوابط علمية محددة، فالتربة المصرية قلوية ولا بد من تحويل البيوشار للطابع الحمضى قبل استخدامه على التربة في عملية تصنيع دقيقة، يشرف عليها مهندس زراعى متخصص. ◄ زراعة الأسطح فيما يوضح الدكتور هشام حجاج، الخبير بمجال زراعة الهيدروبونيك، أن فحم «البيوشار» مهم جدا في الزراعة خاصة زراعة الأسطح - الزراعة بدون تربة - حيث يعتبر البيوشار مكونا ذا تركيبة مثالية، فهو خفيف الوزن منخفض التكلفة ويعطي إنتاجية وجودة عالية، بالإضافة للحصول على نباتات نظيفة خالية من المبيدات، كما أن المناطق المزروعة في تربة تحتوي على «البيوشار» أظهرت احتباسا كبيرا للمياه وانخفاضا في تصريف النيتروجين والفوسفور، ما انعكس بصورة إيجابية على الإنتاجية والنمو . وأضاف: «البيوشار يعد طريقة مستدامة للاحتفاظ بالمغذيات في التربة مثل المعادن الهامة كالنحاس والزنك والألومنيوم، وهي معادن ترتبط غالبا بالأسطح الخضراء». ومن فوائد الأسطح الخضراء القدرة في التعامل مع مياه الأمطار والحفاظ على الطاقة ومواجهة تلوث الهواء بالإضافة الى الفوائد البيئية والاقتصادية، فيمكن تطبيقها على مدن مثل القاهرة التي تعاني مستويات عالية من التلوث .