لا شك أن الحديث المتزايد حول صراعات وحروب المستقبل يستدعى من الجيوش العالمية الاستعداد لمتطلباتها وفهم أدواتها، لتمكينها من مواجهة التحديات والتهديدات التى قد تمس الأمن القومى والمصالح الاستراتيجية للدول. ويرى العديد من الخبراء أن جيوش المستقبل ستختلف فى هيئتها ومهامها عن الجيوش التقليدية، سواء من حيث العنصر البشرى أو التسليح، وستقترب أكثر من نظرية «الجيش الذكي الصغير» الذى يتمتع بقوة شاملة مصغرة، قادرة على هزيمة جيوش تقليدية ضخمة بفضل عدد كافٍ من الأفراد المؤهلين والمعدات العسكرية المتقدمة. حسب «صحيفة الأخبار». ◄ صراع مستقبلى وقد أشار وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في مايو 2021 إلى استعداد بلاده لصراع مستقبلى لا يشبه الحروب القديمة، مشيرًا إلى أن العالم قد يتجه نحو نمط جديد من الحروب يعتمد بشكل أساسى على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، الذى أحدث ثورة فى الصناعات الدفاعية والعسكرية، حتى وصفه البعض بأنه أقرب إلى الخيال العلمى، ومن هذه الابتكارات أجهزة الرؤية الليلية المتطورة، والنظارات الذكية التى تتميز بقدرات مثل التعرف على الوجوه وعرض البيانات المأخوذة من طائرات الدرون. كما جاء فى تقرير لمجلة «ناشونال إنترست» الأمريكية فى أغسطس 2020، أن الذكاء الاصطناعى وأجهزة الكمبيوتر سيجعلان الجيش أكثر فتكاً، وأنه من المتوقع أن تخوض بعض الدول حروبًا مستقبلية دون الحاجة للأسلحة التقليدية، معتمدةً على الأنظمة الذكية والمركبات والطائرات المسيّرة. ◄ أنظمة القتال الهجومية وأوضح التقرير أن جنود المستقبل قد لا يكونون محملين بالأسلحة بقدر ما ستكون معداتهم مزودة بأجهزة استشعار توفر المعلومات لمراكز المراقبة التى تتولى تنفيذ المهام الهجومية عن بُعد،وتوقعت المجلة أن تُدار أنظمة القتال الهجومية عبر الإنترنت، مع التأكيد على أهمية تعزيز حماية الشبكات وأنظمة الاتصالات، خاصة فى ظل التهديدات المتزايدة من القرصنة الإلكترونية، ولم يعد الحسم فى المعارك يعتمد فقط على القدرة الهجومية، بل على مرونة الأنظمة القتالية فى مواجهة الأعطال والاختراقات. وفى تقرير نشرته «الجارديان» أبريل 2018، أُشير إلى أن استخدام الروبوتات فى الحروب سيصبح أكثر انتشارًا خلال السنوات القليلة المقبلة، وأكد التقرير على وجود أكثر من 381 نظام روبوت وأجهزة عسكرية مستقلة قيد التطوير أو الانتشار فى 12 دولة من بينها الصين وفرنسا والولاياتالمتحدة، وأشار تقرير آخر صادر عن معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولية فى نوفمبر 2017 إلى أن سباق إنتاج الأسلحة الذكية أصبح محور اهتمام رئيسى للشركات المصنعة للأسلحة، وفى مايو الماضى، اعتبر رجل الأعمال الأمريكى إيلون ماسك أن الأسلحة التقليدية أصبحت غير ملائمة للحروب الحديثة ووصفها بأنها «عفا عنها الزمن»، وحذر فى تدوينة له على منصة «إكس» من أن حاملات الطائرات والتقنيات التى يقودها البشر ستفقد أهميتها، محذراً من أن توازن القوى العالمى قد يشهد تغييرات جذرية إذا لم تدرك الولاياتالمتحدة ذلك قريباً. ◄ الحروب السرية أحد أنماط التغير فى الحروب الذى أصبح شائعاً حالياً ومن المتوقع أن يزداد انتشاراً فى المستقبل، هو ما يعرف ب»الحروب السرية»، والتى تتم إلى جانب استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعى، فى هذا النوع من الحروب، تلجأ الدول إلى استخدام المرتزقة أو الأفراد المستأجرين بدلاً من جيوشها النظامية، وذلك من خلال الاستعانة بشركات عسكرية خاصة، لتجنب القوانين الدولية، وتقوم الدول التى تتبنى هذا الأسلوب بتوظيف تلك الشركات لمساعدتها فى مواجهة التهديدات سواء داخل أراضيها أو خارجها، سواء كان ذلك لمكافحة تمرد أو مواجهة منظمة إرهابية أو أى تهديد آخر، على سبيل المثال، فى أفريقيا الوسطى، قدمت مجموعة «فاجنر» الروسية دعمها للحكومة الجديدة بقيادة فاوستين أرشانج تواديرا وساهمت فى إيقاف تمرد سيليكا، كما أنها توفر حالياً الحماية للدولة، وفى بداية عام 2022 استعانت دولة مالى بمجموعة «فاجنر» لتوفير الأمن لها.. اقرأ أيضا| الحرب النفسية.. المدنيون في مرمى الاستهداف المباشر وفى السياق نفسه، دعا الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى فى عام 2022 المتطوعين من مختلف أنحاء العالم للمشاركة فى القتال ضد روسيا، ووفقًا لتقارير، شاركت أكثر من 70 شركة عسكرية خاصة مرتبطة بموسكو فى الحرب على أوكرانيا، من بينها شركة «باتريوت» التى يُعتقد أن لها صلة بوزير الدفاع الروسى، وتعمل منذ عام 2018، وهناك العديد من الشركات الأخرى مثل «إينوت»، «أنتى تيرور»، «أوريل»، «ريدوت أنتى تيرور»، و»آر إس بي»، وتضم هذه الشركات أفرادًا ليسوا فقط من الضباط السابقين، بل تقوم بعضها بتجنيد أفراد من خلفيات متنوعة عبر الإنترنت. ◄ الجندي الخارق فى عام 2018، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية تقريرًا بعنوان «جندى السايبورغ 2050»، حدد أربع حالات تقنية من المتوقع أن تصبح ممكنة بحلول عام 2050 أو قبل ذلك، هذه الحالات تعتمد على دمج التكنولوجيا المتقدمة فى أجساد الجنود بهدف تطوير «جندى خارق» قادر على أداء مهام غير تقليدية فى ساحات المعارك، تقوم فكرة هذا الجندى المتطور، المعروف بجندى السايبورغ، على دمج تقنيات متقدمة داخل الجسم تمنح الجنود ميزات إضافية فى القتال، يمكن تحقيق ذلك من خلال زرع أجهزة مثل الرادارات وأجهزة الاستشعار داخل أجسامهم، مما يتيح لهم اكتشاف الأهداف بسرعة أكبر. كما قد تمنحهم هذه التقنيات قدرات غير عادية، مثل التواصل مع بعضهم البعض عبر التفكير، أو التحكم فى المعدات والأسلحة باستخدام الدماغ، أو القدرة على رؤية أطياف موجية مختلفة لتمكينهم من الرؤية فى الظلام، وتسريع استجابات الدماغ والعضلات، كما ذكرت تقارير أخرى أن الصين تقوم بتجارب تهدف إلى تعديل الجنود بيولوجيًا، سعياً لإنشاء جنود بقدرات محسنة. ◄ الطائرات المسيرة فى الآونة الأخيرة، أصبحت الطائرات بدون طيار سلاحًا فعالًا متعدد المهام، حيث سعت الدول والجماعات المسلحة إلى امتلاكها لما لها من أهمية فى توجيه ضربات قوية للعدو بتكاليف منخفضة، وقد أسهمت هذه الطائرات فى اختصار العديد من المتغيرات فى الحروب، مثل التكاليف البشرية والمادية، والزمن والمكان، ومفهوم القوة. كما قدمت تسهيلات متعددة لكل من يمتلك هذه التقنية، ولعبت دورًا بارزًا ومتنوعًا فى العديد من النزاعات، مما حفز الدول على تصنيعها أو الحصول عليها، وفى العام الماضى، أعلنت شركة «ساكر» الأوكرانية، المتخصصة فى صناعة الطائرات المسيرة، عن تطوير سلاح ذاتى التحكم بالكامل يُسمى «ساكر سكاوت»، والذى يعتمد على الذكاء الاصطناعى فى اتخاذ قراراته بشأن الأهداف التى يجب القضاء عليها فى ميدان المعركة، وأكد مسؤولو «ساكر» أن هذه المسيرة قد نفذت هجمات مستقلة بشكل محدود، وتم تطوير هذه التكنولوجيا مؤخرًا لتشمل الرصد والتجسس ومهاجمة الأهداف، مما جعلها تُستخدم فى مهام انتحارية. ◄ مكافحة الطائرات المسيرة ويشير هذا التطور فى مجال الحرب، والذى يعتمد على مسيرات مصنوعة من مواد رخيصة ومتاحة بسهولة، إلى انقلاب فى عقود من التخطيط العسكرى الأمريكى والإنفاق والهيمنة، وفقًا لتقرير نشره موقع أكسيوس. وقد صرح وكيل وزارة الجيش الأمريكى، غابى كاماريلو، بأن «التهديد معقد، ويتواجد فى كل مكان، ويغير بالفعل شكل ساحات المعارك»، وقد أثبتت الطائرات المسيرة أنها متعددة الاستخدامات وفعالة بشكل استثنائى، خاصة فى استهداف الأهداف الحيوية مثل مراكز القيادة ومواقع المدفعية، ورغم ذلك، فإن الاستمرار فى تطوير تكتيكات وتقنيات لمكافحة الطائرات المسيرة قد يحد من فاعليتها بشكل عام، إلا أنها ستظل تحتفظ بدور مهم ومستدام فى ساحة المعركة الحديثة. ◄ القرارات العسكرية من جانبه أوضح اللواء دكتور محمد الهمشري، مدير مركز أبحاث ودراسات إدارة الأزمات، أن الحروب فى العالم الآن لا تعتمد فقط على الأسلحة والجيوش التقليدية، بل أصبحت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا فى الصراعات العسكرية،فالدول التى تستثمر فى هذه التقنيات المتقدمة تحقق التفوق والهيمنة على ساحة المعركة،والتقدم التكنولوجى أصبح يعيد تشكيل الديناميكيات العسكرية ويحدد قواعد اللعبة. وأضاف أن إسرائيل استخدمت تقنيات الطائرات بدون طيار «» والذكاء الاصطناعى لتصفية قادة الفصائل المسلحة مثل حماس وحزب الله، بفضل هذه التقنيات، التى تقوم بتحليل البيانات وتحديد الأهداف بدقة عالية، مما يمكنها من تنفيذ ضربات دقيقة دون الحاجة لوجود بشرى على الأرض، هذه الأدوات تعطيها القدرة على شن ضربات استباقية وتقليل المخاطر على جنودها، مستفيدة من تحليل الصور الفضائية والتعرف على الوجوه وجمع البيانات الضخمة، علاوة على ذلك، فإن هذه التقنيات تتيح للدول التى تستخدمها تكوين صورة شاملة عن ساحة المعركة، حيث يمكنها تحليل تحركات العدو وتوقع استراتيجياته، فى الوقت نفسه، تسهم الروبوتات والأنظمة ذاتية القيادة فى تقليل الحاجة إلى الجنود بالميدان، مما يقلل من الخسائر البشرية. ◄ الروبوتات المسلحة وأشار «الهمشري» إلى أنه مع استمرار هذا التطور، نتوقع أن تصبح الحروب مستقبلاً أكثر اعتماداً على الذكاء الاصطناعى، ليس فقط فى جمع وتحليل المعلومات، بل أيضاً فى اتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات العسكرية، وستلعب الروبوتات المسلحة دورًا أكبر فى ساحات القتال، إلى جانب الهجمات الإلكترونية التى تستهدف البنية التحتية للخصوم، مما يجعل الصراع أكثر تعقيدًا، منوهًا أنه مع التقدم التكنولوجى، ظهرت أنظمة دعم القرار العسكرى التى تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحليل البيانات المعقدة وتقديم توصيات استراتيجية، هذه الأنظمة قادرة على جمع المعلومات من مصادر متعددة، بما فى ذلك الصور الجوية، المعلومات الاستخباراتية، والتحليلات البيانية، لتساعد القادة العسكريين فى اتخاذ أفضل القرارات، من خلال نمذجة السيناريوهات المختلفة وتوقع النتائج المحتملة، تُسهم هذه الأنظمة فى تحسين الكفاءة العسكرية وتقليل المخاطر. واختتم اللواء دكتور محمد الهمشري، بأنه فى المستقبل ستصبح الحروب ساحة لاختبار القدرات التكنولوجية المتقدمة، فالدول التى تستثمر فى الابتكار ستعيد تشكيل مفاهيم القوة والتفوق العسكرى، مما يجعل الحروب القادمة تحديًا كبيرًا يتطلب استراتيجيات جديدة وفهمًا أعمق للتكنولوجيا، هذا التطور سيزيد من أهمية التعاون بين الخبراء فى المجالات العسكرية والتقنية، مما يضمن أن يكون القرار العسكرى مبنيًا على بيانات دقيقة وموثوقة، ويحقق النتائج المرغوبة فى سياق معقد ومتغير.