فى عصر وسائل التواصل الاجتماعى وانتشار المنابر الإعلامية التى لا رقابة عليها، لم يعد النقد حكرا على أهل الخبرة وأصحاب التجربة، أصبح بإمكان أى شخص توجيه الاتهامات وطرح الآراء، بغض النظر عن مدى معرفته أو مصداقية دوافعه، هذه الظاهرة، قد تكون من أهم أسباب الانقسام المجتمعى، حيث يظهر جليا أن هناك من يستخدم النقد كأداة لهدم ما هو قائم، دون التفكير فى بناء ما هو أفضل. ما يثير القلق ليس النقد بحد ذاته، فالنقد الموضوعى هو روح التطوير، لكن نوعا من الانتقاد الموجه والساعى إلى تشويه الآخرين هو الذى يشكل خطرا حقيقيا. يتخذ البعض اليوم من النقد ستارا لتحقيق أهداف شخصية، فبدلا من طرح مشكلات موضوعية وحلول فعلية، يتم تسليط الضوء على عيوب شخصية أو أخطاء قد تكون عابرة، وكل ذلك بهدف إضعاف مواقف المسئولين أو الشخصيات العامة. يظهر هؤلاء المنتقدون بمظهر «الشرفاء» أو «المصلحين» فى وقت هم أنفسهم بعيدون عن المبادئ التى يدعون الدفاع عنها، يستخدمون الانتقاد كوسيلة للضغط، وغالبا ما تكون دوافعهم خفية، كتضرر مصالحهم أو عدم تلبية طلباتهم الخاصة، فيقدم المسؤول أو الشخص المعنى وكأنه العدو الأول للحق، بينما الحقيقة تخفى عكس ذلك. واحدة من أهم السمات التى يتميز بها النقد البناء هى اقتراح الحلول لتحسين الأوضاع. أما هؤلاء «المنتقدون الجدد»، فهم يكتفون بتكرار العيوب، ويسلطون الضوء على سلبيات معينة، لكنهم لا يقدمون أى رؤية واضحة لكيفية تجاوز هذه السلبيات، لأن هدفهم الحقيقى ليس الحل، بل استنزاف طاقة المجتمع عبر خلق نزاعات وصداقات ممزقة، ترى كثيرا منهم ينصب انتقادهم على فرد معين أو مجموعة بعينها، فقط لأنهم لم يلبوا طلبا خاصا لهم أو لأحد معارفهم، أولم يستقبلوهم، فيحولون الأمر إلى قضية عامة لإثارة الرأى العام، وإظهار هذا الشخص وكأنه العقبة الوحيدة فى سبيل التقدم. إن محاربة هذا النوع من النقد الهدام يبدأ بنشر الوعى المجتمعى، يجب أن يفهم الناس الفرق بين النقد البناء، الذى يسعى إلى الإصلاح ويقدم حلولا، وبين النقد الهدام الذى يركز على إثارة الجدل وإثارة مشاعر الكراهية.