في أعقاب فوز دونالد ترامب المدوي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وجدت بريطانيا نفسها في موقف دقيق غير مسبوق، إذ كشفت صحيفة الجارديان البريطانية أن المملكة المتحدة تواجه معضلة استراتيجية في التوازن بين علاقاتها مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة مع توجهات ترامب التجارية المتشددة المتوقعة وتأثيراتها على الاقتصاد البريطاني، ما يضع حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر، التي تولت السلطة في يوليو 2024، أمام خيارات صعبة قد تحدد مستقبل العلاقات الدولية للمملكة المتحدة لسنوات قادمة. وأشارت الجارديان، الى ان وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز تستعد لمواجهة مبكرة مع السياسات الأمريكية الجديدة من خلال خطاب مرتقب في مانشن هاوس، المنبر التقليدي للمستشارين الماليين البريطانيين. وتكشف الصحيفة أن ريفز ستدافع بقوة عن التجارة الحرة والمفتوحة بين الدول، في موقف يتعارض مباشرة مع توجهات ترامب التجارية المتشددة المتوقعة. اقرأ أيضًا: صداع بريطاني مزدوج.. عجز الميزانية العسكرية وتحديات استرضاء ترامب المواجهة الاقتصادية والتحديات المرتقبة وتفيد الجارديان أن المخاوف البريطانية تزايدت بشكل كبير بعد قرار ترامب السريع، عقب إعلان فوزه مباشرة، بتعيين روبرت لايتهايزر، المعروف بمواقفه المتشددة ضد التجارة الحرة، كممثل تجاري للولايات المتحدة. وتنقل الصحيفة تصريحات سابقة للايتهايزر يربط فيها بشكل مباشر بين سياسات التجارة الحرة وتراجع القطاع الصناعي الأمريكي، مشيراً إلى العجز التجاري الأمريكي الضخم كدليل على فشل هذه السياسات. وفي تحليل موسع للتداعيات الاقتصادية المحتملة، تكشف الصحيفة البريطانية عن خفض بنك جولدمان ساكس لتوقعات النمو الاقتصادي البريطاني لعام 2025 من 1.6% إلى 1.4%، مستنداً في ذلك إلى المخاوف من فرض تعريفات جمركية أمريكية مرتفعة. كما يشير إلى تحذيرات المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية من أن نشوب حرب تجارية قد يؤدي إلى انخفاض إضافي في النمو البريطاني بنسبة 0.7% و0.5% خلال العامين الأولين من ولاية ترامب الثانية. معضلة السياسة الخارجية والخيارات المصيرية في تحليل عميق للوضع، يقدم السفير البريطاني السابق في واشنطن، كيم داروك، عبر صفحات الجارديان، رؤية شاملة للتحديات التي تواجه بريطانيا. ويؤكد داروك أن المملكة المتحدة ستجد نفسها أمام خيار صعب، وهو إما الانحياز للموقف الأوروبي في فرض تعريفات انتقامية مماثلة على الواردات الأمريكية، أو السعي لاتفاقية تجارة حرة ثنائية مع الولاياتالمتحدة. ويحذر داروك من أن أي اتفاقية تجارة حرة محتملة مع واشنطن ستتضمن حتماً شروطاً صعبة، أبرزها فتح السوق البريطاني بلا قيود أمام المنتجات الزراعية الأمريكية منخفضة التكلفة، بما في ذلك لحوم البقر المعالجة بالهرمونات والدجاج المغسول بالكلور. هذا الوضع، كما تشير الصحيفة، سيضع القطاع الزراعي البريطاني في موقف بالغ الصعوبة ويثير مخاوف جدية حول معايير سلامة الغذاء. تحديات الأمن القومي والسياسة الدولية وتمتد التحديات، وفقاً للجارديان، إلى ما هو أبعد من القضايا الاقتصادية والتجارية، فالموقف من الحرب في أوكرانيا يمثل تحدياً إضافياً للحكومة البريطانية. ويشير داروك إلى أنه في حال دعم ترامب لاتفاقية سلام تبدو كهزيمة للرئيس فولوديمير زيلينسكي، مع احتفاظ روسيا بالأراضي المحتلة وإجبار أوكرانيا على التعهد بعدم الانضمام لحلف الناتو، فإن بريطانيا ستواجه معضلة جديدة، وهي إما محاولة حشد الدعم الأوروبي لرفض المقترحات الأمريكية وزيادة الدعم لأوكرانيا، أو القبول بالهزيمة والتراجع. وفي سياق متصل، يقدم بيتر ريكيتس، السفير البريطاني السابق في باريس والمستشار الأول للأمن القومي البريطاني، نصيحة مهمة للحكومة البريطانية، إذ تنقل عنه الصحيفة تحذيره من الاندفاع نحو التودد السريع للبيت الأبيض، مؤكداً ضرورة اتخاذ مواقف مدروسة تجنب بريطانيا الوقوع في مواقف محرجة عندما يتخذ ترامب قرارات تتعارض بشكل جوهري مع المصالح والقيم البريطانية. رؤية مستقبلية وتحديات متعددة وفي تحليل استشرافي للمستقبل، تنقل الجارديان عن بيتر هايمن، مستشار رئيس الوزراء الأسبق توني بلير والحالي كير ستارمر، تحذيره من تجاهل الدروس المستفادة من فوز ترامب. ويؤكد هايمن أن فوز ترامب قد يكون نقطة تحول تاريخية تشبه فوز مارجريت تاتشر عام 1979، حيث تتغير قواعد اللعبة السياسية بشكل جذري، مما يتطلب إعادة بناء المشروع التقدمي من أساساته.