أداة فعالة فى التنمية.. ونحتاج إلى بنية رقمية لمواجهة التحديات التحول من الدعم العينى إلى النقدى أصبح مثار حديث فى الآونة الأخيرة، ما بين مؤيد ومعارض، ولكن المُؤكد أن الدولة تستهدف وصول الدعم إلى المستحقين وتحديدًا الأولى بالرعاية، ويبقى سؤال مهم: هل هذه تجربة جديدة لم تُطبق من قبل، وهل هناك تحديات تواجه تطبيقها.. العديد من الأسئلة التى تبحث عن إجابة سنتعرض لها خلال هذا الحوار مع د.على الإدريسي، الخبير الاقتصادي. ■ ما أهمية التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدي؟ - التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى هو أحد الإصلاحات الاقتصادية التى تسعى العديد من الدول إلى تبنيها لتحسين كفاءة الإنفاق الحكومى ودعم الفئات المستحقة بطريقة أكثر شفافية وعدالة، وفى مصر يأتى هذا التحول ضمن خطة إصلاحات اقتصادية شاملة تهدف إلى تحسين منظومة الدعم وتوجيهه نحو الفئات الأكثر احتياجًا. تقليل الفجوات ■ هل يمكن التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى فى مصر فى ضوء التجارب الدولية؟ - يُعتبر الدعم إحدى الأدوات الأساسية التى تستخدمها الحكومات لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتقليل الفجوات الاقتصادية بين الفئات المختلفة فى المجتمع، على مدى عقود، اعتمدت مصر بشكل كبيرعلى نظام الدعم العيني، خاصة دعم السلع الأساسية، مثل: الخبز والوقود، ولكن مع مرور الوقت، أظهرت العديد من الدراسات أن هذا النظام قد لا يكون الأكثر كفاءة، إذ يصل الدعم إلى شرائح غير مستحقة ويعانى من إهدار الموارد. ■ ولكن.. ما مفهوم التحول إلى الدعم النقدي؟ - الدعم النقدى يعنى تقديم مبالغ مالية مباشرة إلى الأفراد أو الأسر المستحقة، بدلاً من تقديم سلعٍ أو خدمات معينة بأسعار مدعومة. ■ وماذا يهدف هذا النظام لتحقيقه؟ - يهدف هذا النظام إلى تحقيق عددٍ من الأهداف، منها: تحسين كفاءة توزيع الموارد، ضمان وصول الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجًا، فضلًا عن تقليل الإهدار الناجم عن الدعم العيني بالإضافة إلى زيادة حرية الأفراد فى تحديد كيفية إنفاق المبالغ التى يتلقونها. تحديات! ■ هل سيجد هذا التحول صعوبة نظراً لوضع الدعم الحالي؟ - فى مصر، يعتمد النظام الحالى للدعم بشكل كبير على تقديم الدعم العينى للعديد من السلع الأساسية مثل: الخبز، والسكر، والزيت، والوقود، ويستفيد الملايين من المصريين من هذا النظام، ومع ذلك، فإن الحكومة المصرية تدرك التحديات المرتبطة بهذا النوع من الدعم، بما فى ذلك الإهدار، وصعوبة تحديد الفئات المستحقة بشكلٍ دقيق، والتكاليف المرتفعة، وقد أعلنت الحكومة المصرية فى السنوات الأخيرة عن نيتها فى التحول التدريجى من الدعم العينى إلى الدعم النقدي، وهو جزء من حزمة إصلاحات اقتصادية شاملة، لكن هذا التحول يتطلب دراسة متأنية للتجارب الدولية وتطبيقها بما يتناسب مع الواقع المصري. ■ وما أهم التجارب الدولية فى التحول إلى الدعم النقدى التى يمكن الاستفادة منها؟ - هناك تجارب عديدة من الدول تُظهِر أن التحول من الدعم العينى إلى النقدى يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فنجد تجربة البرازيل التى تُعد من أوائل الدول التى نجحت فى تطبيق نظام الدعم النقدى من خلال برنامج «بولسا فاميليا» الذى يقدم مساعداتٍ نقدية مباشرة للأسر ذات الدخل المنخفض، بشرط أن ترسل أطفالها إلى المدارس وتلتزم برعاية صحية معينة، وقد أسهم هذا البرنامج فى تقليل معدلات الفقر بشكل كبير، كما أنه عزَّز قدرة الأسر على اتخاذ قراراتٍ اقتصادية مستنيرة حول كيفية إنفاق المبالغ التى تتلقاها. وهناك تجربة المكسيك، فبرنامج «أوبورتونييداديس» فى المكسيك يُعتبر مثالًا آخر على التحول الناجح نحو الدعم النقدى المشروط. يركز البرنامج على تقديم مبالغ نقدية للأسر ذات الدخل المنخفض بشرط الالتزام بمعايير صحية وتعليمية. وقد ساعد هذا البرنامج فى تحسين مستوى التعليم والرعاية الصحية للفئات المُستهدفة، مما أدى إلى تحسين فرصهم الاقتصادية على المدى الطويل. أما التجربة الإيرانية فتأتى فى إطار إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدعم العيني، قامت إيران بالتحول إلى نظام الدعم النقدى الشامل، حيث يتم تقديم مبالغ نقدية مباشرة للمواطنين كتعويض عن رفع أسعار الوقود والسلع الأساسية. على الرغم من بعض التحديات التى واجهتها إيران بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، فإن التجربة أثبتت أهمية التحول نحو النقدى لتقليل العبء المالى على الحكومة، وهناك تجربة الهند، فقد قامت الهند بتطبيق نظام «أدهار» الذى يعتمد على تقديم مبالغ نقدية مباشرة إلى حسابات المواطنين المستحقين. هذا النظام يعتمد بشكلٍ كبير على البيانات البيومترية لضمان وصول الدعم إلى المستحقين الفعليين، وقد ساهم فى تقليل التلاعب والهدر المرتبط بأنظمة الدعم التقليدية. التحديات المُتوقعة ■ وماذا عن تحديات التحول إلى الدعم النقدى فى مصر؟ - رغم الفوائد المُتوقعة من التحول إلى الدعم النقدي، فإن مصر ستواجه عددًا من التحديات خلال هذا الانتقال، منها: البنية التحتية المالية، حيث يتطلب التحول إلى الدعم النقدى توافر بنية تحتية مالية قوية تُمكن المواطنين من الحصول على الأموال بشكل آمن وسريع. هذا يتطلب انتشارًا واسعًا للبنوك ومحافظ الهاتف المحمول، بالإضافة إلى تعزيز الثقافة المالية لدى المواطنين، والتضخم، فمن المخاوف الرئيسية المرتبطة بالدعم النقدى تأثيره على التضخم، حيث قد يؤدى تقديم مبالغ نقدية مباشرة إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، وبالتالى ارتفاع الأسعار. يتطلب ذلك وجود سياسات نقدية ومالية متوازنة للحد من هذه الآثار. وهناك تحدى تحديد الفئات الأكثر احتياجًا، حيث يُعد تحديًا كبيرًا، خاصة فى ظل وجود قاعدة بيانات غير دقيقة فى بعض الأحيان، لذلك، يجب تحديث قاعدة البيانات واعتماد معايير شفافة وفعالة لتحديد المستحقين، كما أن الانتقال من نظام الدعم العينى إلى النقدى يحتاج إلى توعيةٍ مجتمعية واسعة لضمان تقبل المواطنين لهذا التغيير وفهم فوائده على المدى الطويل. بنية تحتية مالية ■ وما أبرز الحلول المُقترحة لعمل التحول؟ - لمواجهة هذه التحديات، يمكن للحكومة المصرية النظر فى عددٍ من الحلول، منها: إنشاء بنية تحتية مالية رقمية، تعزيز انتشار المحافظ الإلكترونية، وربط المواطنين بالنظام المصرفى سيسهل عملية توزيع الدعم النقدي، ويقلل من التكاليف الإدارية، وإطلاق حملات توعية للمواطنين بأهمية التحول إلى الدعم النقدى وفوائده لهم وللاقتصاد الوطني، فضلاً عن ضبط التضخم والتنسيق مع البنك المركزى لضبط السياسات النقدية للحد من تأثير الدعم النقدى على التضخم، واستخدام التكنولوجيا، حيث إن تطبيق أنظمة تعتمد على التكنولوجيا مثل البيانات البيومترية يضمن وصول الدعم إلى المستحقين وتقليل التلاعب. ■ هل تؤيد التحول من الدعم العينى إلى النقدي؟ - التحول من الدعم العينى إلى النقدى هو خطوة جريئة نحو تحسين كفاءة الإنفاق الحكومى وتوجيه الموارد بشكل أفضل، على الرغم من التحديات التى قد تواجهها مصر فى هذا الإطار، فإن التجارب الدولية تُظهِر أن التحول الناجح يتطلب بنية تحتية قوية، وإرادة سياسية، وتعاوناً بين كل الجهات المعنية. وجود سياسات نقدية متوازنة ضرورة للحدّ من آثار التحول