هو رجل المفاجآت دائما، فمنذ فوزه فى الانتخابات الرئاسية عام 2016، بدأ الملياردير الأمريكى رحلة من الأحداث السياسية غير المتوقعة التى قادته دفعة واحدة من عالم الأعمال إلى عالم السياسة وبعد 4 سنوات غادر السياسى الجمهورى البيت الأبيض وسط فوضى غير مسبوقة ليعود إليه مجددا بعد حملة مليئة بالتوترات شهدت محاولتين لاغتياله. ورغم سلسلة من المحاكمات القضائية والتهم الجنائية والأحكام والغرامات ومحاولات العزل التى كادت جميعها أن تنهى مسيرته السياسية، نجح ترامب فى كسب بثقة عشرات الملايين الأمريكيين الذين صوتوا له مجددا ليبدو الرجل البالغ من العمر 48 عاما وكأنه لا يُقهر. ويعتمد ترامب على «حدس» سياسى لطالما تباهى به، وبقدرة على تجاوز كل القواعد المعمول بها، الأمر الذى مكنه من النجاح فى تخطى كل الصعوبات، الواحدة تلو الأخرى ويبدو أنه كان صادقا عندما قال فى عام 2016، الجملة التى أصبحت شهيرة فيما بعد «يمكننى أن اقف فى وسط الجادة الخامسة وأطلق النار على أحدهم، من دون أن أخسر مقترعا واحدا».ورغم أنه خسر قبل 4 سنوات دعم العديد من قيادات وأعضاء الحزب الجمهورى الذين تخلوا عنه بعد الهجوم الذى شنّه أنصاره على مبنى الكابيتول رفضا لنتائج انتخابات 2020، إلا أنه نجح خلال هذه المدة فى استعادة السيطرة التامة على حزبه فشاهد خلال مؤتمر الحزب الجمهورى فى يوليو الماضى معارضيه السابقين وهم يتناوبون على المسرح للثناء عليه. وستبقى صورته الأيقونية عقب محاولة اغتياله الأولى فى تجمع انتخابى فى بنسلفانيا وهو ينهض على الأرض والدماء تغطى وجهه بينما يرفع قبضته متحديا واحدة من أكثر اللحظات الخالدة فى حملته الانتخابية الثالثة. الأكيد أن ترامب يملك موهبة خطابية مكنته من النجاح فى تقديم نفسه منذ سبع سنوات، على أنه «المتحدث» باسم الأمريكيين خاصة الرجال البيض وكبار السن الذين استمالهم بحديثه عن المهاجرين الذين «يسمّمون» الولاياتالمتحدة، وسخريته من الديمقراطيين الضعفاء.ولم يستطع أحد أو شى أن يقف فى وجه ترامب صاحب المبدأ البسيط «ما أنّ تكون معي، وإما ضدّي». وُلد دونالد جاى ترامب فى نيويورك فى 14 يونيو 1946 وتلقّى تعليمه فى مدرسة عسكرية وانضمّ إلى شركة العائلة بعدما درس الأعمال. وخلافا للصورة التى يحاول ترويجها عن نفسه، فهو ليس «رجلاً عصامياً» بنى نفسه بنفسه، بل إنه ورث أمبراطورية عقارية بناها والده. فبعد الحرب العالمية الثانية، تمكّن والده فريد ترامب وهو ابن لمهاجر ألماني، من بناء أمبراطورية عقارية فى مدينة نيويورك من خلال تشييده مبان للطبقة الوسطى فى أحياء الطبقة العاملة.وفى سبعينات القرن الماضي، تسلّم دونالد ترامب مسئولية هذه الأمبراطورية، قبل أن يتعرّف إليه الجمهور الأمريكى العريض من خلال برنامج تلفزيون الواقع «ذى أبرانتيس». وصل إلى السلطة فى نوفمبر 2016 فى سيناريو سياسى غير مسبوق وتسلّم مقاليد الرئاسة فى مطلع العام 2017 وخلال سنواته الأربع فى البيت الأبيض شاهد الأمريكيون، بإعجاب أو صدمة أو خوف رئيسا متحررا من كلّ القيود والمعايير. ومع تبنيه شعار «أمريكا أولاً»، كان ترامب دائما أبعد ما يكون عن الدبلوماسية، فلجأ إلى المواقف المتشدّدة حتى مع حلفاء الولايات المتّحدة، وخاض تصعيدا خطرا مع إيران ووجّه ضربة قاسية إلى الجهود العالمية لمكافحة التغيّر المناخي.وخلال فترة حكمه، أعاد تشكيل المحكمة العليا، ومنح بذلك، المحافظين رافضين الإجهاض انتصارا مدويّا ولم يتردّد فى مهاجمة الإعلام وهو الرئيس الأمريكى الوحيد الذى وجّه إليه مجلس النواب مرتين لائحة اتّهام وأحاله إلى مجلس الشيوخ لمحاكمته بقصد عزله.كما رفع ترامب شعار «ماجا» أو «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» الذى تحول إلى تيار سياسى يرتدى أنصاره قبعات حمراء تحمل الحروف الأولى للشعار. وترامب أب لخمسة أبناء ولدوا من ثلاث زوجات، وجدّ لعشرة أحفاد ودائما ما يمدح القيم العائلية، فى مسعى نجح من خلاله فى جذب تأييد الأوساط الإنجيلية.