محمد كمال مر اليوم أكثر من عام على بداية الحرب الغاشمة على فلسطين من الإحتلال الصهيوني، والتي إمتدت لدول عربية أخرى كان أخرها لبنان، ولا تزال الشعوب العربية صامدة في وجه المعتدي الغاشم رغم تساقط الشهداء المستمر واليومي بأرقام كبيرة، ورغم سلسلة الاغتيالات التي طالت بداية من القادة الكبار وصولا إلى الأطفال الصغار، فالحرب أبادت الجميع ولم يسلم منها أحد، حتى على مستوى الفن فالإحتلال استهدف منذ اليوم الأول عدد من الفنانين العرب، وأيضا بعض المواقع الفنية والأثرية المهمة.. في السطور التالية نرصد لكم شهدا الفن على يد الاحتلال الإسرائيلي.. البداية مع استشهاد الممثل الفلسطيني علي نسمان، إثر غارة إسرائيلية على قطاع غزة، وكان آخر مقطع فيديو نشره للسمان، وقبل ساعات من مقتله، حيث كان يرصد منذ بدء الحرب تفاصيل معاناة أهالي غزة، وبث نسمان الفيديو عبر حسابه على "إنستجرام"، حيث أكد أن المعنويات مرتفعة، مشددا على أن "الشعب الفلسطيني صامد حتى النصر أو الشهادة"، بينما لم تغب ابتسامته طوال المقطع المصور. وأعلن في آخر تغريدة له عبر منصة "إكس" أن الشعب الفلسطيني سيظل مرابطا، فيما كان قد ثبت تغريدة سابقة قال فيها إنه "في حال انقطع عن متابعيه، فإنه سيلتقيهم إما في القدس أو الجنة"، ويعد مسلسل "شارع نصر جلبوع"، الذي طرح عام 2022، آخر أعمال نسمان، كما شارك أيضًا في مسلسل "بوابة السماء" عام 2017، ومسلسل "الروح" عام 2014. واستشهد أيضا الفنان والإعلامي الفلسطيني علاء قدوحة برفقة عدد من أفراد عائلته، في قصف إسرائيلي استهدف منزلهم في النصيرات وسط قطاع غزة، وقدوحة من أشهر الفنانين على منصة "تيك توك"، وكان يظهر في مشاهد عدة على أنه "ضابط إسرائيلي"، وله عدد من الأعمال الدرامية الفلسطينية. واستشهد الفنان طارق ضبان وزوجته وعدد من أطفاله جرّاء الهجوم الإسرائيلي، وكان ضبان كتب في آخر منشور له عبر حسابه الرسمي بموقع "فيس بوك": "استشهد الوالد وماتت فرحةُ، البيتِ أين صوتك الشجي يا والدي؟، وأين ابتسامة أمي التي فارقت البيت مع روحك التي فارقتنا.. اللهم ارحمهما". كما استشهدت الممثلة الكبيرة إيناس السقا، وبعدها بساعات ابنها إبراهيم، وتعد إيناس من الرائدات في مجال المسرح بقطاع غزة، وشاركت في العديد من الورش الدرامية مع مسرح "عشتار" في القدس، والأكاديمية السويدية، وقدّمت أكثر من 10 أعمال مسرحية، منها "الدب" و"في شيء عم بيصير"، وشاركت في عروض موجّهة للأطفال. هناك أيضا الممثل الفلسطيني رشاد أبو سخيلة، الذي استشهد عن عمر 23 عاما بقصف إسرائيلي على مركز الإيواء بمدرسة "الفاخورة" بمخيم جباليا في قطاع غزة، وأبو سخيلة كاتب وممثل فلسطيني من مواليد 2001، في مخيم جباليا، درس الصحافة والإعلام في جامعة "الأقصى"، واشتهر بتأدية دور البطولة في المسلسل الدرامي الفلسطيني "قبضة الأحرار" إنتاج عام 2022، والمؤلف من 30 حلقة، والذي تدور أحداثه حول قصص حقيقية عن الصراع بين "المقاومة الفلسطينية" والاستخبارات الإسرائيلية، كما صدر للممثل الفلسطيني ديوان شعري بعنوان "حروف التراب" عام 2020، مؤلف من 27 قصيدة متنوعة في مواضيعها بين قضايا الوطن والمجتمع والقضايا العاطفية، وحتى الروحية والدينية، وحاز بفضله على لقب "أصغر شاعر فلسطيني يصدر ديوانا". وشملت الإبادة أيضا الآثار والمتاحف والأبنية الثقافية العتيقة كأنهم يرغبون في محو التاريخ والهوية الثقافية وليس فقط قتل الإنسان، فقد استهدفت صواريخ الاحتلال الإسرائيلي مباني تابعة لكنيسة "القديس بروفيريوس"، وهي كنيسة للروم الآرثوذكس وسط قطاع غزة، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا والمصابين في صفوف النازحين الفلسطينيين في الكنيسة، حيث كان هناك أكثر من 400 فلسطيني من المسلمين والمسيحيين يحتمون في الكنيسة، وتعد كنيسة القديس بروفيريوس ثالث أقدم كنيسة في العالم، ويعود تاريخ البناء الأصلي إلى عام 425 ميلاديا، وتم تجديد الكنيسة عام 1856. اقرأ أيضا:«تحيا المقاومة لتحيا فلسطين».. شعار جمعية الفيلم في دورته ال 50 كما قصفت قوات الاحتلال مأذنة المسجد العمري الكبير، والتي يعود تاريخها إلى 1400 سنة، حيث يعد المسجد العمري أقدم وأعرق مسجد في مدينة غزة، كما سمى بالجامع العمري نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبالكبير لأنه أكبر جامع في غزة، بالإضافة إلى استهداف المركز الثقافي الاجتماعي الأرثوذوكسي بمنطقة تل الهوا، ومن بعده أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية أن الاحتلال الاسرائيلي دمر مبنى "سيباط" العلمي في غزة، والذي تم إنشاؤه عام 1806، ويتكون من 3 غرف وإيوانان ومطبخ ودرجان يؤديان إلى الدور الثاني وغرفة السيباط، وتم ترميمه عام 2009، وتحويله إلى مركز رياض العلمي للتراث والثقافة. وقالت الوزارة، إن الحمام كان يعتبر مزارا سياحيا وعلاجيًا في الوقت ذاته، فهو أول من قام بالعمل به هم السامريون ومن هنا بدأ يطلق عليه اسم حمام السمرة. وفي آخر بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي دمّر واستهدف أكثر من 200 موقع تراثيٍ وأثريٍ في قطاع غزة من أصل 325 موقعا في قطاع غزة، ما بين مساجد أثرية وكنائس ومدارس ومتاحف ومنازل أثرية قديمة ومواقع تراثية مختلفة، في محاولة فاشلة لطمس الوجود الثقافي والتراثي الفلسطيني ومحاولة لدثر الشواهد التاريخية والعمق التاريخي الفلسطيني في قطاع غزة، ومن أبرز المواقع التي دمّرها جيش الاحتلال مسجد الشيخ شعبان، ومسجد الظفر دمري في الشجاعية، ومقام الخضر في دير البلح، وموقع البلاخية "ميناء الأنثيدون" شمال غرب مدينة غزة القديمة، ومسجد خليل الرحمن في منطقة عبسان في خان يونس "جنوب قطاع غزة"، ومركز المخطوطات والوثائق القديمة في مدينة غزة، وغيرها من المواقع الأثرية والتراثية المهمة، كما واستهدف الاحتلال كنيسة القديس برفيريوس في حي الزيتون بمدينة غزة، وبيت السقا الأثري في الشجاعية، وتل المنطار في مدينة غزة، وتل السَّكن في الزهراء، وتبة 86 في القرارة، ومسجد السيد هاشم في مدينة غزة. هذه المواقع التراثية والأثرية التي دمرت يعود أصول بعضها إلى العصر الفينيقي، وبعضها إلى العصر الروماني، وبعضها يعود تاريخ بنائه إلى 800 عام قبل الميلاد، وبعضها إلى 1400 عام، وبعضها إلى 400 عام، وتعتبر جريمة دولية واضحة وفقاً للقوانين الدولية، وخاصة للقانون الدولي الإنساني، ولاتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح والبروتوكول الثاني للاتفاقية لعام 1999 الذي يحظر الاستهداف المتعمد في الظروف كافةً للمواقع الثقافية والدينية، وسبق أن أعلنت منظمة "اليونسكو" في أكثر من مرة عن قلقها من استهداف مواقع تراثية وتاريخية في غزة، كما كشفت عن أبرز المناطق الآثرية التي تخشى من تدميرها خلال العدوان الإسرائيلي وطالبت بضرورة حماية تلك المواقع الآثرية، حيث أن قطاع غزة يضم العديد من المواقع الآثرية الهامة، على رأسها تل أم عامر "دير القديس هيلاريون"، حيث تأسست المباني الأولى في الموقع عام 400 ميلادي، وكان أحد أكبر الأديرة المسيحية في الشرق الأوسط، ويحتوي على 5 كنائس متتالية وحمامات ومجمعات مقدسة وفسيفساء هندسية معقدة وسرداب واسع، بجانب كنيسة القديس برفيريوس والتي تعد أقدم كنيسة مسيحية في غزة، وتوجد في حي الزيتون بالمدينة منذ خمسينيات القرن الثاني عشر، وكذلك قلعة برقوق التي تعد حصن يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر، وقد تم تشييده في عهد السلطان المملوكي برقوق. ودمر الاحتلال أيضا موقع البلاخية الأثري وميناء غزة القديم "ميناء الأنثيدون الأثري" في شمال غرب مدينة غزة، والذي يعود بناؤه إلى 800 عام قبل الميلاد، ويعتبر من أهم المعالم الأثرية في غزة ومدرج على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي ولائحة التراث الإسلامي، وتدمير "بيت السقا" الأثري في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، والذي يعود تاريخ بنائه إلى 400 عام على مساحة كانت تبلغ 700 متر. وأكدت أيضًا المؤسسات الفلسطينية الثلاثة "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق"، أن المشاهد الأولية للأماكن التي تمكنت طواقمنا من زيارتها للأحياء المستهدفة في جنوب وادي غزة، إلى جانب ما أمكن الاطلاع عليه من صور ومقاطع فيديو لجانب من التدمير في محافظة غزة وشمالها، يعكس مستوى غير مسبوق في عمليات التدمير الممنهج التي طالت أيضًا العديد من المعالم التاريخية والتراثية في غزة إلى جانب المؤسسات التعليمية، كذلك الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين والأثاريين الفلسطيني أكدت على حزنها على ما يحدث فى عدد المواقع التاريخية المستهدفة من الاحتلال. كما وصل عدد المساجد التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي على غزة إلى 117 مسجداً بشكل كلي، و208 مساجدا هدمها الاحتلال بشكل جزئي، بينهم مساجد تاريخية، كما وصل الأمر إلى قطع أشجار الزيتون، والتي تحمل أهمية تاريخية واقتصادية يصعب إنكارها أو وضع نهاية لها، فإن جرافات الاحتلال اقتلعت نحو 70 شجرة زيتون معمرة، تتراوح أعمارها ما بين 100 إلى 120 عاما في منطقة الصفرة المحاذية لمستعمرة رفافا، خاصة أن قطع الأشجار الزيتون يؤدي إلى تدمير الحقول الزراعية وإلحاق الأذى بالمزارعين الفلسطينيين وتجريف الأراضي الزراعية التي تعود لعائلات فلسطينية منذ أجيال. وسبق أن أدان وأشار المجلس العربى للاتحاد العام للآثاريين العرب، وأعتبر أن هذه الجرائم تعد مخالفة صريحة لسلطة الاحتلال في فلسطين لاتفاقية لاهاي 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، وتتجسّد في المادة 5 من اتفاقية "لاهاي" تحت عنوان "الاحتلال"، ونصها أن على الأطراف السامية المتعاقدة التي تحتل كلًا أو جزءًا من أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة الأخرى تعضيد جهود السلطات الوطنية المختصة في المناطق الواقعة تحت الاحتلال بقدر استطاعتها في سبيل وقاية ممتلكاتها الثقافية والمحافظة عليها، وإذا اقتضت الظروف اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على ممتلكات ثقافية موجودة على أراض محتلة منيت بأضرار نتيجة لعمليات حربية وتعذر على السلطات الوطنية المختصة اتخاذ مثل هذه التدابير، فعلى الدولة المحتلة أن تتخذ بقدر استطاعتها الإجراءات الوقائية الملحة، وذلك بالتعاون الوثيق مع هذه السلطات، كما ويجوز وفقًا لأحكام المادة "6" وضع شعار مميز على الممتلكات الثقافية لتسهيل التعرف عليها، وخالفت سلطة الاحتلال المادة 4 من الاتفاقية تحت عنوان "احترام الممتلكات الثقافية" ونصها، وتتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بتجريم أي سرقة أو نهب أو تبديد للممتلكات الثقافية ووقايتها من هذه الأعمال ووقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها، وبالمثل تجريم أي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات، كما تتعهد بعدم الاستيلاء على ممتلكات ثقافية منقولة كائنة في أراضي أي طرف سام متعاقد آخر.