تتعدد الأقوال المأثورة المتداولة فى بيوت المصريين. أشهرها تلك الصيحة الخالدة، التى تطلقها الأم فى وجه أحد أبنائها: «إطفى الزفت». توارثتها الأجيال مع اختلاف طبيعة الجهاز المستهدف ب«الشتيمة»، بدءا من التليفزيون وانتهاءً بالمحمول. فى المرتبة الثانية من حيث كثافة معدلات الاستخدام، تحلّ عبارة: «خد كيس الزبالة فإيدك»، الموجهة عادة لأى شخصٍ يستعد للخروج من المنزل. مع تداولها المتكرر، لا ننتبه إلى أهمية هذه العبارة السحرية، التى تُخلّصنا من مشكلة كبيرة، أصبحت مصدر قلق فى العالم كله. في أعقاب ثورة يناير تجمّدت الخدمات، وتراكمت المخلفات فى الشوارع، لأن الشركات المختصة توقفتْ عن جمعها. وقبل سنوات صدّرت لنا نشرات الأخبار، صور القمامة المتراكمة فى شوارع بيروت، وغالبا عانت دول أخرى من الأزمة نفسها، مما جعلنا نُدرك أننا صنعنا بمخلفاتنا وحشا، قد يخرج عن سيطرتنا يوما ما، لهذا خصّص الكوكب مليارات الدولارات، بهدف التخلص من فضلات سكانه. فى العصور القديمة كان عدد البشر أقل بكثير، والفراغ المحيط أكثر امتدادا، يكفى لاستيعاب قمامة أجدادنا، ومع التطور الهائل استحدثنا أنواعا جديدة، مثل المخلفات الصلبة والإلكترونية والذرية، قبل أن ننتقل لتلويث الفضاء الخارجي، حتى أن وكالة «ناسا» أعلنتْ قبل أيام، رصد 3 ملايين دولار، لمن يطرح حلولا مبتكرة لإدارة نفايات بعثات الفضاء! هتك الإنسان براءة البيئة على الأرض، ونقل ممارساته إلى خارج مجالها الجوي، ولم يرحم الفضاء البديل، فملأ العالم الإلكترونى بمُخلفات أفكاره، وكانت النتيجة أكبر مقلب لقمامة الكلام الفارغ فى التاريخ. فهم الكثيرون خطأ معنى «إعادة التدوير»، وظنوا أنه مجرد تداول لأفكار الغير دون تفكير، والنتيجة ملء مساحات شاسعة من الفراغ بنفايات، تنتصر للتعصب وتمنحنا الإحساس بانتصارات وهمية. المحصلة أن القمامة مُنتجٌ إنساني، نسعى للتعامل معه بأقل الخسائر، لكن هناك بشرا يُعتبر وجودهم فى حياتنا أحيانا، أكثر ضررا من أية مُخلّفات!