span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"لم أكن أبدا أتوقع أن يحدث ما حدث، آه يا لها من مفاجأة سارة وصدفة سعيدة! أربعون عاما مضت منذ فراقنا وباعد بيننا الزمن، وظل لقاؤنا حلما يعيش بأعماق وجداني حينما أخلو بنفسي وأسترجع ذكرياتي يطفو على سطح الذاكرة مجرد حلم بعيد المنال ما دار بخلدي أن يتحول يوما ما إلى واقع أعيشه. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"كنا زميلين في الجامعة، تعارفنا وتقاربنا، وتلاقت أفكارنا ومشاعرنا، وصرح لي بمكنون عواطفه. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"لم أنس ذلك اليوم حين فاجأني قائلا: أحبك يا شهيرة، كدت أطير فرحا رغم علمي بحبه لي دون أن يصرح، من نظراته ولهجة حديثه وابتسامته حين يراني. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"ملأ الحب قلبينا. كانت مرحلة التعليم الجامعي أجمل سنوات عمري. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"رفضت جميع المتقدمين لخطبتي في انتظار أن يتقدم مهدي. أغلب أسباب رفضي كانت واهية لم تقنع العائلة. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"وحينما تقدم لي شاب وجيه وذو مركز مرموق ومن عائلة كبيرة لم أجد سببا للرفض، وأصرت العائلة على قبوله، أخبرت مهدي فسارع بالحضور إلى منزل عائلتي مع أبويه. رفض والدي وعائلتي جميعا الارتباط بشاب لا يزال طالبا لم يتحدد مستقبله بعد، ولبس في مقدوره تحمل نفقات وأعباء أسرة، ورفض الطلب، بكيت كثيرا وحزنت كثيرا، وتمت الموافقة على الخطيب الآخر الذي ترضى عنه العائلة. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"تم الزواج في نفس عام تخرجي، وانقطعت الصلة بيني وبين حبيبي ومضى كل منا في طريقه. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"تنقلت مع زوجي في عدة مدن طبقا لظروف عمله وعملي، وأنجبت ثلاثة أبناء: ولدين وبنتا، وتمضي السنون. كانت علا قتي بزوجي خالية من العاطفة وتفتقد إلى المشاعر، وكأننا مجرد معارف أو أقارب جمعنا منزل واحد. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"صار افتقادي للحب يؤثر في نفسي ويشعرني بالحسرة، وإن ظهرت أمام الناس بمظهر آخر، فكان الجميع يمتدحون شخصيتي المرحة وإقبالي على الحياة ولا يعرفون ما أخفيه من مرارة وأسى. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"أربعون عاما مضت على هذا الحال. أقنعت نفسي أن رسالتي الحقيقية هي الأمومة، ورضيت بما قسم الله لي. كنت أرى سعادتي في أبنائي وهم يكبرون أمامي ويواصلون تعليمهم بتفوق، ويتزوجون بمن يحبون . span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"1 span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"يشهد الجميع بأنني أحسنت تربيتهم، ويشهد أهلي ومعارفي بحسن علاقتي مع أزواج أبنائي يحبونني وأحبهم، وأصبحت جدة أسعد بأحفادي. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"ولكن.. بعد زواج آخر أبنائي واستقلالهم عنّي وانشغالهم بحياتهم الخاصة، وجدت نفسي وزوجي وجها لوجه، ساعتها فقط شعرت أن رسالتي التي نذرت لها حياتي قد انتهت، ولم أعد أطيق البقاء مع من أجبرت على الزواج به، فتحطمت أحلامي وضاعت أمنياتي في السعادة والحياة مع من أحب. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"طلبت الطلاق، حاول الأبناء والأهل التدخل لإثنائي عن رغبتي، وأمام إصراري وافق زوجي وتم الانفصال في هدوء. شعرت بقدر من الحرية والراحة النفسية، ثم توفي طليقي بعد فترة. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"مرت الأيام وجاءت الصدفة الغريبة، حين توفي زوج أختي الكبرى وهو عميد العائلة وذو حيثية ومكانة رفيعة في المجتمع. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"أثناء وقوفي في مأتم الفقيد لتلقي العزاء، إذا بشخص يتقدم مني برفقة أحد أقاربي الذي قدمه لي قائلا: السيد / مهدي جاء لتقديم واجب العزاء ويسأل عنك وعن زوجة المرحوم. نظرت إليه في ذهول دون أن أنطق، أشرت إلى قريبي بالانصراف، لأقوم أنا بمهمة توصيله إلى أختي. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"مد يده ليصافحني هامسا: أنا مهدي يا شهيرة، أرجوك أعطني رقم هاتفك. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"دق قلبي بقوة وانعقد لساني من هول المفاجأة. سجل رقم هاتفي قبل أن أصحبه إلى حيث تجلس أختي في سرادق العزاء. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"قدم لها كلمات المواساة المعتادة وانصرف بعد أن حياني وشد على يدي. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"ما أن عدت إلى البيت حتى دق جرس هاتفي، وإذا بصوت مهدي يخبرني إنه علم بوفاة زوجي حينما قرأ نعي الفقيد في الصحيفة وكان اسمي مقترنا بزوجة المرحوم فلان فعلم أنني أصبحت أرملة، وأضاف أنني جئت للعزاء من أجل أن أراك فمنذ أربعين عاما وأنا أبحث عنك، بعد أن فقدت الاتصال بك بعد زواجك وتغير عنوانك، تركته يتحدث دون مقاطعة وبعد تردد سألته: وأنت ألم تتزوج؟ span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif" تزوجت بعد إلحاح من والديّ، وأنجبت ولدا واحدا تخرج في الجامعة وتزوج واستقل بأسرته، وزوجتي مريضة. كان زواجي بها تقليديا لم يكن بيننا حب أو مشاعر متبادلة ولكنه إرضاء لأهلي. زوجتي طيبة لا أعيب عليها خلقا ولا دينا، لكني لم أشعر يوما بالسعادة معها، ولم أكف يوما عن التفكير فيك . span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"2 span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif" لكن الأعوام التي مرت بنا ربما غيرت فينا أشياء كثيرة! span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif" حين رأيتك شعرت أنك لم تتغيري، كأننا افترقنا بالأمس، لقد محيت من ذاكرتي سنوات الفراق . span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif" هل ما زلت متمسكا بي بعد هذا العمر؟ span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif" لن أدعك تضيعين مني بعد أن وجدتك، لن نفترق بعد الآن، ظللت انتظر هذا اليوم أربعين عاما وكنت واثقا من اللقاء. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif" وأنا كذلك، كنتَ تعيش في مخيلتي دائما، وذكرياتي معك هي الزاد الذي استمد منه الحياة، وأعيش على أمل أن يتحقق هذا الحلم الذي بدا لي أنه المستحيل ذاته. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"أصر على أن نلتقي، والتقينا في مكان محبب إلينا، وتبادلنا حديث الذكريات وما مر بنا من شئون وشجون. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"توقف قليلا عن الكلام وكأنه يتهيأ لأمرٍ هام، وفي جمل محددة عرض عليّ الزواج طالبا منيّ ردا فوريا، span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"أجبت: إن الوقت غير مناسب إذ لابد من التمهيد لأبنائي، فقال: اشرحي لأبنائك كل شيء، وكذلك سأفعل أنا، فنحن لم نعد صغارا، ولم يعد في العمر بقية نضيعها، يجب أن نعيش ما تبقّى لنا من العمر، لقد أدينا رسالتنا تجاه أبنائنا ومن حقنا أن نحقق ما حرمنا منه . span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"عدت إلى بيتي وجمعت أبنائي وأخبرتهم بكل شيء، وأضفت أن مهدي يريد الحضور لمقابلتكم لكي يطلبني للزواج، تردد أبنائي قليلا وراحوا ينظرون لبعضهم ثم أعلنوا موافقتهم. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"تم إعداد ما يلزم، وتم عقد القران في منزلي بحضور أبنائي وإخوتي وانتقلت إلى شقة الزوجية. span lang="AR-EG" style="font-family:" Arial",sans-serif"كان لقاؤنا أشبه بأحلام اليقظة، وعلق مهدي وهو ينظر إليّ: الحمد لله هذا جزاء الصابرين. تنفست بعمق وأجبت: أخيرا تحقق الحلم! تشابكت أيدينا وتعانقنا طويلا ورددنا معا، تحقق الحلم وعاد الحب.