تمنح الآثار المصرية الحياة للمتاحف في أوروبا وأمريكا، فماذا عنا هنا المنبع والأرض والمصدر، غريب أننا كواجهة سياحية في السنوات الأخيرة أصبحنا واجهة سياحية ترفيهية، حيث يهتم السائح القادم برحلات وعروض السواحل في شرم الشيخوالغردقة ومرسى علم ومؤخرا العلمين، وذلك رغم ما نمتلكه من آثار تفوق متاحف لندن واللوفر وبرلين وغيرها، التي كما قلنا تعيش وتحيا بآثار مصر القديمة.. لكن الوضع سيتغير الآن.. مع افتتاح المتحف المصري الكبير، أمام أكبر آثار العالم، حيث تشهد مصر والعالم ايضا الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير، الذي يضم 100 ألف قطعة آثرية تعرض بأحدث التقنيات في العرض والاضاءة، لكن في المقابل.. كل خبراء الآثار يؤكدون أن وضع مصر على الخريطة السياحية العالمية سيتغير هذا العام، وتعود القاهرة بمطارتها قبلة للسائحيين من أوروبا وأطراف آسيا وحتى أمريكا وأستراليا، بدلا من رحلات الهبوط المباشر في مطارات الغردقةوشرم الشيخ.. في السطور التالية نستعرض أهم حدث في تاريخ الثقافة والآثار في العالم في عام 2024 .. وهو افتتاح المتحف المصري الكبير.. ماذا قال وما المتوقع بعد افتتاحه.. هذا ما يجيب عنه خبراء السياحة والآثار. في البداية يقول أحمد عامر، الخبير الأثري والمتخصص فى علم المصريات: "مع الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير، نجد أنه بالفعل بدأت الكثير من الصفحات السياحية بالإستعداد لذلك الحدث الهام من خلال الترويج للمتحف عن طريق الصفحات الرسمية الخاصة بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى انتشار كثير من الفيديوهات التشويقية للمتحف، حيث سيتم افتتاح تجريبي لأجزاء أخرى في المتحف، وتحديدًا قاعات العرض الرئيسية التي يبلغ عددها 12 قاعة، بخلاف ما تم تشغيله بالفعل وهو الدرج العظيم". ويضيف عامر: "تكمن أهمية المتحف المصري الكبير في أنه يمثل واجهة ثقافية وحضارية قوية للدولة المصرية في الفترات المقبلة، وما بها من أسرار تحكي عن الحضارة المصرية القديمة، حيث براعة المصريين وتقدمهم في الكثير المجالات، كما أن المتحف سيمثل نقلة حضارية وثقافية غير مسبوقة من حيث أساليب العرض المتحفي والإضاءة ووجود أحدث التقنيات به". وأكد عامر: "يعزز هذا الحدث مكانة مصر سياحيا وثقافيا، ويروج لنا عالميا دون الحاجة لميزانيات ضخمة للدعاية، لأن المتحف سيعرض قطع أثرية تقدم لأول مرة للجمهور، بالإضافة إلى عرض كاملة للمجموعة الذهبية للملك توت عنخ آمون". فيما أوضح عامر: "المتحف المصري الكبير سيكون له دور كبير في توعية وتثقيف الشباب، ويساهم في زيادة معرفتهم للآثار، والإنتماء لبلدهم، والحفاظ على الهوية المصرية، ويلعب المتحف دورا محوريا لتعليم الأطفال والشباب أهمية الحفاظ على آثارهم، وتوعيتهم بأهمية السياحة بشكل عام، والسياحة الثقافية بشكل خاص". ويستطرد عامر حديثه بالقول: "بشكلٍ عام تتمثل أهداف المتحف في عرض المجموعات الآثرية المتعلقة بالتاريخ والحضارة المصرية، وإستخدام أحدث أساليب وتقنيات العرض المتحفي لتحقيق ذلك، بالإضافة إلى التوثيق الرقمي وتسجيل القطع الأثرية، بما يضمن حفظها، وتأمينها، وتسهيل عملية دراستها وصيانتها وترميمها، كما يعتبر المتحف المصري الکبير من أهم المشاريع الحضارية في القرن الحالي، من حيث موقعه الفريد ومميزاته وأهميته الثقافية، بالإضافة لإيضاح المنافع الاقتصادية والسياحية التي سيساهم في تحقيقها، وسوف يعزز مكانتها والقيمة التسويقية لها في السياحة الثقافية بشكل كبير". "طفرة سياحية" يقول الدكتور حسام هزاع، عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية، عن المتحف المصري الكبير: "صرح أثري كبير، يضم كنور مصر القديمة على مساحة تصل ل500 ألف متر مربع، له أهمية كبيرة في تسليط الأضواء على تاريخ مصر من خلال كنوزها، ويكفي أنه يتضمن المجموعة الكاملة للملك توت عنخ أمون، والبهو الكبير الذي يوجد به تمثال رمسيس الثاني الذي يستقبل الزوار، ونحن كخبراء سياحة نضع خطة سياحية منذ عام ليوم الافتتاح، والأمر سيتضح حجمه بعد الافتتاح الجزئي، وأنتظروا نقلة في عدد السائحين هذا العام بسبب المتحف، حيث ستتغير البرامج لاضافة يوم اختياري ثقافي في القاهرة بمنطقة الأهرام والمتحف عن طريق مطاري سفنكس والقاهرة". واضاف د. هزاع قائلا: "تأثير الحدث على الأجيال الجديدة سيكون كبيرًا وأرجو أن تنظم المدارس رحلات مستمرة للمتحف، ويكون جزء من مقررات الدراسة للتعرف على أهميته، أيضا سيؤثر على النظر العالمية للسياحة في مصر، وسيتحسن موقف مصر في البورصات السياحية الدولية، حيث ستزداد ليالي الاقامة، وتتغير وجهات الطائرات من شرم الشيخوالغردقة وسواحل البحر الأحمرن لتعود القاهرة على واجهة السياحة العالمية". "زرع الهوية" في نفس السياق، قال د. محمد شاكر، كبير الآثريين بوزارة الثقافة والآثار: "أهمية المتحف في حياة الأمم والشعوب أنه دائما ما يمثل نقطة فارقة في الجانب الثقافي لدى الشعوب، فمثلا العالم دائما يتذكر مصر حربيا بنصر أكتوبر رغم مرور 51 عاما عليه، ويتذكرها رياضيا بانتصارات كأس الأمم الإفريقية لثلاث مرات على التوالي، أيضا افتتاح المتحف الكبير سيكون النقطة الفارقة ثقافيا في تاريخ مصر في القرن الحالي، وهذه ليست توقعات مني، بل ما تردده وسائل الإعلام العالمي التي تصف الافتتاح بأنه حدث القرن ال21 الثقافي، والجيمع في انتظار هذا المشروع منذ كان فكرة عام 1992 لدى الفنان الدكتور فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، ثم انطلاق العمل بالمتحف في 25 أغسطس عام 2006، عندما تم نقل تمثال الملك رمسيس الثاني في احتفالية مهمة وتاريخية، تم بثها على الهواء أمام الجمهور المصري وفي كل أرجاء العالم، لكن للآسف توقف المشروع بأكمله عام 2011 بسبب الأحداث التي شهدتها مصر في تلك الفترة، ثم عاد مرة أخرى باهتمام من الدولة، عندما قال السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إن المتحف سيكون هدية مصر للعالم، وكان ذلك عام 2017، يوم أطلق الرئيس هذا التصريح كان بمثابة العيد الصغير، ونحن في انتظار العيد الكبير يوم افتتاح المتحف بشكل رسمي، وسيكون أهم مبنى يجمع الآثار في مصر، حتى ولو كان لدينا العشرات، فكما لدينا في مصر 126 هرم لكن يبقى الجميع يتذكر أهرامات الجيزة حينما تذكر كلمة الأهرامات، سيكون المتحف الكبير هو الأهم بين كل المتاحف الآثرية في مصر والعالم العربي بل وعالميا، لأننا نتحدث هنا عن 117 فدان، أي أكبر متحف مساحة، بجانب أنه الأكبر من حيث عدد القطع الآثرية التي تعرض للحضارة المصرية القديمة، بأكثر من 50 ألف قطعة، بخلاف القطع التي ستعرض في العرض المتغير، والتي قد تصل إلى 100 ألف قطعة، فالمتحف ليس مجرد قاعات للعرض فقط، لكنه سيغير وجهة نظر العالم لكلمة (متحف)، لأن المتحف في مفهوم البشر مجرد صالات لعرض الآثار والحفاظ عليها، لكن نحن لدينا مؤسسة ثقافية اقتصادية تعليمية ترفيهية، حيث يتضمن المتحف مدرسة ومكتبة وقاعات سينمائية ومسرح أوبرالي ومحلات تجارية وبازارات ومطاعم وكافيهات، أي أننا أمام متحف غير تقليدي، وبالتالي العائد منه سيكون غير تقليدي، لأن من المتوقع أن يزوره يوميا 5 آلاف زائر، أي 5 ملايين زائر سنويا، وهذا العدد قابل للزيادة بالتأكيد، والمتحف لن يكون مجرد مبنى تغلق أبوابه في الخامسة كما المعتاد في المتاحف العالمية، لكن سيكون للمتحف فعاليات ثقافية وفنية مسائية، والتي نراها كل فترة، وأخرها كان حفل أنغام، وقبله حفل النادي (الأهلي) الذي اعلن فيه عن مشروع القرن الخاص بانشاء استاد خاص به، لذلك فهذا المتحف سيغير فكر المتاحف عالميا، والتي ستتحول من مجرد قاعات عرض لمراكز ثقافية وفنية ضخمة، حتى الأطفال لهم مكان هناك، وأيضا ذوي الاحتياجات الخاصة، بجانب حدائق تصل مساحتها إلى 5 آلاف متر مربع، منها حديقة مصر، وحديقة المعبد، وحديقة للنباتات النادرة، وحديقة للرؤية البصرية، ومطاعم عالمية، منها مطعم الأهرام ومطعم المعبد". اقرأ أيضا : زيدان: المتحف المصري الكبير جاهز لافتتاحه الرسمي ويضيف شاكر متحدثا عن حجم الاهتمام العالمي المتوقع بافتتاح المتحف: "تخيل معي كم الاهتمام بحدث مثل موكب المومياوات الملكية، كان عالميا وعشرات القنوات والمراسلين قدموا لمصر لتغطيته، هذا جانب واحد من عشرات الجوانب التي يتضمنها المتحف، فكيف تتوقع حجم التغطية؟.. وأنا أتوقع حفلا عالميا، لأننا أثبتنا قدرتنا على ذلك بعد الموكب الملكي وأيضا افتتاح طريق الكباش، ومؤخرا شهدنا حفلة تخريج طلاب الكليات العسكرية وكان فوق التوقعات، بالفعل نحن قادرون، الأمر هنا سيكون أكبر مع دعوات للزعماء وقادة من مختلف أنحاء العالم لحضور الافتتاح، بجانب احتفال شعبي على المستوى الجماهيري، أتمنى فقط الاهتمام بالتفاصيل، مثل أن تكون الدعوات مرسلة على ورق البردي، وألا نلجأ إلى التنورة والطبل البلدي والموسيقى الشعبية، كما كان يحدث سابقا في احتفالات لأحداث كبيرة لكن يفسدها سواء التنظيم، لذلك يجب أن يستعرض الحفل تاريخ مصر بفنونها على مدار العصور، فالمتحف أيضا يستعرض تاريخ مصر من عصر ما قبل التاريخ وحتى العصر الروماني، لذلك أرجو التركيز على تاريخ مصر خلال هذه الفترة، من ملابس وإكسسوارات، لأن هذا الحدث لن يتكرر، فهو فرصة، ومثلما ترك لنا أجدادنا الهرم الأكبر لكي نفتخر به على مدار قرون من الزمن، نحن أيضا نترك لأبناء مصر في المستقبل هذا الصرح، أتمنى أيضا أن يتم استغلال السوشيال ميديا بأفضل الطرق للترويج عالميا لمحتويات المتحف، ونحن لدينا فرصة من خلال الافتتاح التجريبي، حيث سيتم فيها افتتاح 12 قاعة فقط، تستعرض فيها تاريخ مصر القديم، من أجل تلافي أي أخطأ يمكن أن تحدث في الافتتاح الرسمي، ويجب التنويه أن دولة اليابان طلبت من الفريق كامل الوزير انشاء فندق ومدينة ترفيهية بجوار الهرم لتكون منطقة سياحية ترفيهية عالمية". ويستكمل شاكر حديثه بالقول: "الحدث فارق، وتأثيره بدأ منذ موكب المومياوات الملكية، حيث زاد وعي الجيل الجديد بتاريخ مصر القديم، وبدأوا في الاهتمام بتاريخ كل ملك في الموكب، من الملكة حتشبسوت والملكة تي ورمسيس الثاني، وسيتكرر الأمر مع المتحف الكبير، فرغم أن التذكرة تصل ل80 جنيه، لكن الكثيرين يحرصون على حجز التذاكر، لأن طرق العرض غير تقليدية، والمعلومات يتم الحصول عليها عبر ال(كيو آر كود)، واحصل على معلومات وعروض تفاعلية واضاءات مختلفة وبالتالي العرض لم يعد تقليديا، أي مجرد صندوق زجاجي عليه لوحة بها بعض ملعومات مختصرة، لكن كل وسيلة الآن تلعب دور في العرض، من التكنولوجيا وحتى الاضاءة، أي أننا هنا لسنا مجرد عارضين للآثار، لكننا نزرع هوية مصرية داخل أجيال قادمة". وعن الدعم الذي يحتاجه المتحف من الدولة والمجتمع، يقول شاكر: "بالتأكيد يحتاج الكثير من الدعم، ليس مادي فقط، فهو بالتأكيد حشد له مليارات الجنيهات لكي يكون صرح بهذا الحجم، لكن أيضا نحتاج من وزارة التعليم التوسع في تدريس تاريخ مصر القديم ولغة مصر القديمة، أيضا الدراما والإعلام نحتاج منهم تركيزا على ملوك وقادة مصر القدماء، والحياة في مصر القديمة، فلا يوجد أعمال تتناول تلك الحقبة، يجب أيضا نقل فكرة المتحف وأهميته لكل المحافظات، ولا نركز على سكان القاهرة الكبرى، فهما ليسوا كل مصر، بل الأحق دائما بتوجيه الارشاد له هم سكان الأقاليم، الذين نشأت الحضارة لديهم، لكنهم يعانون من نقص حاد في معرفة تاريخهم، وأنا سعيد بأن المتحف لديه مجلس أمناء يترأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي بجانب شخصيات أدبية وثقافية وعلمية وإعلامية مصرية وأجنبية يضعوا رؤية للمتحف وخطة لإدارته، فالحدث استثنائي ولن يتكرر، ويكفي أنه حفظ لنا 100 ألف قطعة أثرية من تاريخنا، نحن هنا نتحدث عن قوة مصر الناعمة، التي سببت لقرون ولع مصري في العالم كله وأوروبا تحديدا، نحن نقدم للعالم هدية قيمته الانشائية مليار ونصف دولار، وقيمتها الثقافية لا تقدر بثمن". "الحدث الأهم" د. محمد عثمان، رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية، يرى أن افتتاح المتحف سيكون الحدث الأهم في تاريخ السياحة الثقافية عالميا، لأن المتحف هو الأكبر مساحة في العالم، والأكثر من حيث عدد القطع الآثرية، وطوق النجاة للسياحة الثقافية التي تراجعت لحساب الترفيهية، ليس في مصر فقط، لكن في العالم. ويضيف عثمان: "في كل بورصات السياحة العالمية، كان السؤال الأشهر: (متى يتم افتتاح درة تاج متاحف العالم؟)، وكل شركات السياحة العالمية في انتظار هذه اللحظة التي ستغير البرامج السياحية في مصر". ويختتم عثمان حديثه بالقول: "من المتوقع أن يصاحب افتتاح المتحف ظاهرتين رصدتهما لجنة تسويق السياحة الثقافية، الأول زيادة التدفق السياحي لمصر بنسبة 27%، والثاني زيادة مستوي الإنفاق بنسبة 33%.. واختيار تاريخ الافتتاح يدل على وعي سياسي، حيث أننا نعاني من هجمة شرسة على الهوية المصرية من جماعات وحركات منتشرة في العالم وتحظى بدعم مادي كبير".