في ظل التصعيد المستمر في الشرق الأوسط وغياب استراتيجية أمريكية واضحة، تتجه الأنظار نحو «كامالا هاريس»، المرشحة الديمقراطية المحتملة للرئاسة، التى لم تحدد بعد سياسة مختلفة عن إدارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن». ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية فى الخامس من نوفمبر، تزداد التساؤلات حول كيفية تعامل هاريس مع الأوضاع فى المنطقة، وما إذا كانت ستتبنى نهجًا جديدًا أم ستظل الإدارة الأمريكية القادمة ترث دور إدارة التوترات فى المنطقة بالنهج ذاته. ■ إسرائيل تشن غارة جوية على حي مكتظ بالسكان في جنوببيروت منذ أن أصبحت المرشحة الرئاسية الديمقراطية، دعت هاريس إلى إيجاد توازن بين إعادة تأكيد دعم الولاياتالمتحدة لإسرائيل والدعوة إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية الفلسطينية؛ مع الإشارة إلى استمرار سياسات الرئيس بايدن بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس، وعلى نطاق أوسع، بالشرق الأوسط، وفقًا لموقع إذاعة «صوت أمريكا». ومع ذلك، فإن دعمها لإسرائيل قد يواجه انتقادات من داخل الحزب الديمقراطى الذى يطالب بموقف أكثر توازنًا. حيث ترى مجلة «التايم» الأمريكية، أنه لا يزال لدى هاريس الوقت لتغيير الاتجاه بشأن السياسة الأمريكية بشأن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى بطريقة يمكن أن تضمن لها الرئاسة، وتقليل المزيد من الضرر الذى يلحق بمكانة واشنطن دوليًا، ووقف ما أسماه كثيرون - بما فى ذلك العديد من اليهود والإسرائيليين - بالإبادة الجماعية فى غزة. ■ أنقاض المباني المدمرة في دير البلح، غزة ◄ الحفرة العميقة ولقد حفر عام من الدعم المالى والسياسى والعسكرى لحرب إسرائيل على غزة والضفة الغربية، التى اندلعت فى 7 أكتوبر 2023، حفرة عميقة فى سياسة ومصداقية الولاياتالمتحدة. فقد منحت واشنطن إسرائيل أكثر من 14 مليار دولار كمساعدات عسكرية منذ ذلك الحين، بما فى ذلك 10 آلاف قنبلة، وآلاف صواريخ هيلفاير. وفى 20 أغسطس، أضافت إدارة بايدن 20 مليار دولار أخرى للكيان الصهيونى، بما فى ذلك 50 طائرة مقاتلة من طراز إف-15، وأكثر من ذلك بكثير. ووفقًا للمجلة الأمريكية، حتى الآن، استخدمت إسرائيل الاستخبارات والأسلحة الأمريكية لتحرير بعض المحتجزين. كما قتلت أكثر من 41 ألف شخص من سكان غزة، أغلبهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية. كما تم استهداف المدارس والمستشفيات وقوافل المساعدات والعاملين فى مجال المساعدات الأجنبية والصحفيين. كما أدت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة فى الضفة الغربيةالمحتلة إلى توسيع نطاق الدمار هناك. كما شنت إسرائيل غارات جوية على لبنانوإيران واليمن وسوريا، مما زاد من خطر الحرب الإقليمية. ■ بايدن ◄ عواقب وخيمة من ناحية أخرى، على الصعيد المحلى، كان هناك عواقب وخيمة لسياسات بايدن تجاه الكيان الصهيونى؛ حيث استقال عدد متزايد من المسئولين الأمريكيين احتجاجًا على الدعم الأمريكى لإسرائيل، بما فى ذلك المسئول فى وزارة الخارجية عن الإشراف على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، واحتج مئات آخرون. وكما كشفت المظاهرات الجامعية على مستوى البلاد، صدعًا عميقًا داخل الحزب الديمقراطى. ووُصِف بايدن بأنه «جو الإبادة الجماعية» وساهم رد الفعل العنيف ضد صهيونيته المعلنة فى عدم قدرته على خوض الانتخابات الرئاسية، لأن الولايات تضم عددًا كبيرًا من السكان العرب والمسلمين، مثل ميشيجان. يواجه بايدن شخصيًا والولاياتالمتحدة دعاوى قضائية بتهمة الإبادة الجماعية، وفقًا لموقع «ذى نيشن» الأمريكى. فى غضون ذلك، تركت الجهود الضعيفة التى تبذلها الولاياتالمتحدة للسيطرة على رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» والتفاوض على وقف إطلاق النار الولاياتالمتحدة فى موقف ضعيف وغير قادر على اتخاذ القرارات، وفى نظر الكثير من العالم، على الجانب الخطأ من التاريخ. ويتجلى هذا بشكل واضح فى المحافل الدولية؛ ففى تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فى أبريل الماضى للاعتراف بدولة فلسطين، صوتت الولاياتالمتحدة وحدها بالرفض، مبررة ذلك بأنها «تؤمن بحل الدولتين». وقد اعترفت الغالبية العظمى من الدول الأعضاء فى الأممالمتحدةبفلسطين. إن الدعم الأعمى الذى تقدمه الولاياتالمتحدة لإسرائيل يضر أيضًا بأولويات أخرى. وعلى سبيل المثال، إن رفض تحميل إسرائيل المعايير الدولية يجعل من الصعب الاستفادة من نفس المعايير ضد روسيا. إن دعم واشنطن للاتهامات التى وجهتها المحكمة الجنائية الدولية إلى القيادة الروسية بارتكاب فظائع فى أوكرانيا يتناقض تمامًا مع رفضها الاعتراف باختصاص المحكمة عندما يتعلق الأمر بإصدار أوامر اعتقال محتملة ضد القادة الإسرائيليين بسبب الفظائع فى غزة. وقد أثار هذا اتهامات بالنفاق وشجع الدول التى تتعارض مع الولاياتالمتحدة، مثل روسياوالصين. فقد انخرطت الصين فى السنوات الأخيرة فى مبادرات السلام فى الشرق الأوسط، التى يراها بعض المحللين دليلا على تآكل هيمنة الولاياتالمتحدة فى المنطقة. الفوضى المأساوية في خضم هذه الفوضى المأساوية، تسير هاريس، ولكن لا يزال هناك متسع من الوقت لها لشق طريق أفضل، كل ما يتعين عليها أن تفعله هو تطبيق القوانين والسياسات الأمريكية الحالية على إسرائيل بدلاً من الاستمرار فى إيجاد وخلق الاستثناءات. لقد كان هناك تحليل واسع النطاق للعديد من الطرق التى تتجاوز بها الولاياتالمتحدة قوانينها الخاصة بإسرائيل. كل ما تحتاجه هاريس هو وقف هذا. وهناك أدلة وفيرة على الانتهاكات العسكرية الإسرائيلية. حتى أن إدارة بايدن اعترفت بأن إسرائيل ربما استخدمت أسلحة زودتها بها الولاياتالمتحدة لانتهاك القانون الدولى. وقد أدى هذا إلى ظهور شعور «بالإفلات من العقاب» فى تل أبيب، وفقًا لمسئولين أمريكيين سابقين. فيما تعتبر إيران أحد التحديات الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، وهاريس تدعم العودة إلى الاتفاق النووى الذى انسحب منه الرئيس الأمريكى السابق والمرشح الجمهورى «دونالد ترامب»، مشيرة إلى أن هذا سيكون جزءًا من استراتيجيتها إذا تم انتخابها. ومع ذلك، فإن موقفها قد يتسم بالحذر. ستكون هاريس أمام تحدٍ كبير فى كيفية التعامل مع التهديدات الإيرانية. بعض المحللين يرون أنها قد تتبنى سياسة أكثر حذرًا مقارنة بإدارة بايدن، مما يعنى أنها قد تفضل الدبلوماسية على العمل العسكرى المباشر، وفقًا لموقع «صوت أمريكا». يمكن أن تلعب المساعدات الإنسانية دورًا محوريًا فى تحسين صورة الولاياتالمتحدة. ويمكن لهاريس أن تروج لمبادرات تهدف إلى دعم إعادة إعمار غزة وتعزيز التنمية الاقتصادية فى الضفة الغربية. وبحسب ما ذكرته رويترز، فإن نتائج الانتخابات الأمريكية ستؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط؛ إذا فازت هاريس، فإن استمرارية السياسات الحالية قد تؤدى إلى استقرار نسبى، ولكنها ستواجه ضغوطًا داخل الحزب الديمقراطى لتغيير بعض جوانب هذه السياسات. وعلى الرغم من كل هذه الآراء، تظل استراتيجية هاريس المحتملة تجاه الشرق الأوسط غامضة حتى الآن؛ بينما تشير مواقفها إلى استمرار دعم إسرائيل مع الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، فإن الطريقة التى ستتعامل بها مع القضايا المعقدة مثل إيران وإعادة بناء الثقة الدولية ستحدد نجاحها السياسى وتأثيرها على الاستقرار الإقليمى.