مازالت حرب السادس من أكتوبر تبوح بأسرارها وبطولاتها الخالدة فى ذاكرة المصريين جيلا بعد جيل، ومازال أبطالها يروون بفخر وعزة حكايات ملحمة النصر العظيم التى حولت محنة النكسة إلى منصة العبور.. وبحسب ما ورد فى العديد من التقارير والتحليلات العسكرية فإن معركة أكتوبر كانت أول حرب تقليدية تستخدم فيها أسلحة ومعدات القتال الحديثة على نطاق واسع وقد تضافرت الكثير من العوامل والعناصر التى حققت نصر أكتوبر، يأتى من بينها خطة الخداع الاستراتيجى التى جرى التخطيط لهامنذ العام 1971 وقد تم تنفيذها بمنتهى السرية، وتضمنت عدة محاور مهمة بداية من إيهام العدو بأن مصر لن تخوض أى حروب فى تلك الفترة إلى استخدام شفرة اللغة النوبية لتكون لغة التواصل بين القادة والجنود فى مواقع العمليات العسكرية ..وفى سطور الملف التالى يستعرض صناع نصر أكتوبر العظيم بعضا من حكايات وبطولات الملحمة المتعلقة بخطة الخداع الاستراتيجى.. وإلى التفاصيل. ومن أبطال أكتوبر اللواء أركان حرب دكتور محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق بأكاديمية ناصر العسكرية وأستاذ العلوم الاستراتيجية، الذى يقول: رفعنا شعار «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، واتخذنا من حرب الاستنزاف منهجًا وطريقًا، وستظل دائمًا هذه الحرب مرجعًا تاريخيًا لكل المجالات، وخاصة الفكر الاستراتيجى والعسكرى والسياسى، لاستخلاص الدروس والخبرات من أحداثها، لإضافتها إلى القدرات الذاتية فى استغلال وتهيئة المسرح السياسى الدولى لتنفيذ الأهداف وتحقيق المصالح. اقرأ أيضًا| «التأمينات الاجتماعية» تنفى خصم 2٪ من معاشات نوفمبر.. وتؤكد صرفها فى مواعيدها وأشار الغبارى إلى أن حرب أكتوبر نالت تقدير وإعجاب العالم بقدرة مصر على تنفيذها وتحقيق الانتصار فيها واسترداد وتحرير الأرض وذلك يرجع إلى سببين، الأول هو التخطيط الاستراتيجى العظيم للحرب الذى أدهش العالم كله وكان بمثابة إعجاز لا مثيل له، والسبب الثانى هو اعتبار حرب أكتوبر معجزة بكل المقاييس وذلك وفقًا لشهادة الأكاديميات العسكرية العالمية والتى قامت بتحليل تفاصيل وأحداث المعركة، وشهدت ببطولة الجنود المصريين الذين استطاعوا عبور قناة السويس بكامل معداتهم وأسلحتهم وتحطيمهم لخط بارليف المنيع. وطالب بضرورة بأن تُدرك الأجيال الحالية مدى براعة رجال القوات المسلحة البواسل الذين استطاعوا تحقيق نصر أكتوبر العظيم ليس فقط بالمعدات العسكرية بل أيضا بفضل خطة الخداع الاستراتيجى التى كانت عنصرا أساسيا فى الحرب والتى تم التخطيط لها منذ عام 1971 بمنتهى السرية حتى لا يستشعر العدو أى خطر يجعله يعلن التعبئة العامة، وتضمنت الخطة عدة خطوات مهمة لخداع العدو وإيهامه بأن مصر لن تخوض أى حروب فى تلك الفترة، لا سيما أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان يعلن دائمًا فى جميع لقاءاته أنه غير قادر على الدخول فى حرب وليس لديه أى أسلحة هجومية. وعن حرب أكتوبر قال اللواء الغبارى: هذه الحرب أحدثت تحولات بالغة الأهمية فى الفكر الاستراتيجى العالمى، والذى يعتمد على النظريات والمفاهيم والدروس المستخلصة من معارك الحرب العالمية الثانية، وبالتالى فإن الأهمية الاستراتيجية لحرب أكتوبر 1973 تتمثل فى أنها كانت أول حرب تقليدية تستخدم فيها أسلحة ومعدات القتال الحديثة على نطاق واسع، حيث لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية أن اصطدمت قوات عسكرية هائلة، مزودة بدبابات قتال رئيسية، وطائرات قتالية من مختلف الأنواع، وآلاف من العربات المدرعة وقطع المدفعية الميدانية، وتقاتلت فى صراع مرير خلال أسبوعين كاملين، وفى منطقة صغيرة من مسرح العمليات، ولذلك كانت حرب أكتوبر مصدر خبرة وتجارب غنية للفكر العسكرى العالمى، فكان لها تأثير على خطط التطوير لتكنولوجيا التسليح، وأسس بناء القوات، وظهرت الحرب المحدودة كمفهوم استراتيجى عسكرى لخدمة الأهداف القومية المحدودة وطبقًا للإمكانيات المتاحة والتقييم الدقيق للقدرات العسكرية للعدو والدعم العسكرى الخارجى له. وأضاف: كان الهجوم المصرى السورى فى وقت واحد على الجبهتين مفاجأة كبرى، وكانت الهزيمة الكبرى لجيش العدو الذى لا يقهر كما يدعون وتحرير جزء من الأراضى المحتلة فى سيناء والجولان، وقد أحدثت الخسائر الضخمة فى قوات العدو انزعاجًا مهولًا للولايات المتحدة التى قامت بالإمداد المباشر له على جبهات القتال بالمعدات والأسلحة لتعويض خسائره وسارع كيسنجر بزيارة القاهرة ودمشق وتل أبيب حتى يتمكن من احتواء الموقف وإنقاذ العدو من الهزيمة الكاملة. وأوضح الغبارى أن العدو حاول شن هجوم مضاد على عدة قطاعات، واشتبك فى معارك ضارية من دون تحقيق نتائج تذكر، ودارت أكبر معارك الدبابات واستخدم العدو فيها أول مرة طائرات هليكوبتر مزودة بالصواريخ الموجهة، فكانت مفاجأة الحرب فى جبهة سيناء، وكان أثرها حاسما فى صد الهجوم المصرى. ووضعت الحكومة الأمريكية كل وسائل الاستطلاع ووسائل التجسس لديها فى خدمة العدو. وكشفت وجود ثغرة غير محمية بين الجيشين الثانى والثالث ووجدت فيها قيادة العدو فرصتها فدفعت عبر البحيرات المرة ثلاث مجموعات قتال، تمكن بعضها من السيطرة على منطقة العبور بعد أن تكبدت خسائر فادحة، ونصب جسر لعبور الدبابات الرئيسية التى تدفقت إلى الغرب وباشرت الانتشار بكل الاتجاهات الممكنة، وسيطرت على منطقة واسعة امتدت إلى تخوم مدينة السويس، واستغلت قوات العدو قرار وقف إطلاق النار لضرب قواعد الصواريخ المصرية وتوسيع الممر الجوى لطائراتها، من أجل دعم قواتها فى الثغرة. وأشار إلى أن مصر قامت باستكمال حجم القوات اللازمة لتصفية الثغرة بعد حصارها وإيقاف النيران طبقًا لقرار مجلس الأمن، ووضعت الخطة اللازمة لذلك وأصدرت تعليمات التنفيذ لقيادة القوات وكان الهدف الأول هو تدمير قوات للعدو فى الثغرة غرب القناة والوصول للضفة الشرقية لها ثم التقدم شرق القناة والوصول إلى الممرات الجبلية كهدف نهائى.