خليل الجيزاوى طويلا كفرع شجرة الكافور، صلباً ناشفاً كفرع شجرة السنط، نظرة عينيه حادة كصقر، صموتاً عميقاً كبئر منغلق على أسراره، لا بد أن تنكشه حتى يتكلم، عزيز النفس شامخ الأنفة دوماً، متى لا تعجبه القعدة تراه يقف مُغادراً دون كلمة، ويسير مرفوع الرأس شامخاً كعسكرى الدرك، عندما تقترب منه ويتعرف عليك وتتعرف عليه تجده رقيقاً حانياً كطفل، نحيلاً ضامر البطن كفرس السباق، يكفيه باكو بسكويت للإفطار، ورغيف بحجم كف اليد للغداء. والده كان يعمل سائق قطار بسكك حديد مصر، كان كثير التنقل، استقر أخيراً فى طنطاً بحكم عمله، وسكن فى شقة متوسطة فى 67 شارع الصارى الأحمدى، من سكة سيجر، قريباً من محطة قطار طنطا، وعندما اقترب موعد الولادة عادت أمه لبيت أسرتها فى مدينة قنا لتنجبه، وهكذا وُلِد سعد الدين حسن عبد العزيز يوم 22 يناير عام 1948، فى مدينة قنا بصعيد مصر، لأم وأب صعيدين، وبعد عدة أشهر رجعت أمه به طفلاً إلى طنطا، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بطنطا عام 1954، التى حصل منها على أول شهادة تعليمية عام 1960. وبعد حصوله على الشهادة الإعدادية عام 1963، التحق بمدرسة طنطا الثانوية الصناعية الميكانيكية بحسب رغبة والده وحصل منها على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية الميكانيكية عام 1966؛ وتوسط والده؛ ليعمل معه بالسكة الحديد، كمساعد سائق قطار، ثم انتقل سعد مع أسرته للسكن فى قرية شبشير الحصة القريبة من مدينة طنطا، وبدأ حبه للقراءة وكتابة ونشر قصائد الشعر، خلال الفترة من 1967، إلى 1969، متأثراً بنكسة يونيه عام، ومع بداية عام 1971 اتجه لكتابة القصة القصيرة بروح الشعر؛ ليمزج الوصف السردى بمعجمه الشعرى، وهذه خاصية سوف تلازمه طيلة حياته مع كتابة القصة، ثم لاحقاً مع كتابة الرواية، الجمل القصيرة التلغرافية المكثفة، ومع بداية عام 1975 أصدر مع مجموعة الأدباء والشعراء الذين يعيشون فى مدينة طنطا، وهم القاص صالح الصياد، الشاعر حسن النجار، الشاعر على عبيد، القاص والناقد محمود حنفى كساب، مجلة أدبية بالجهود الذاتية وبالقروش القليلة التى فى أيديهم، تحت عنوان "الشرنقة"، وكانت تلك المجلة تُطبَع كل فترة، وتُوزَّع فى طنطا، وصدرت منها عدة أعداد، تولى فيها سعد الدين حسن مهمتى مدير وسكرتير التحرير، ومثلَّت "الشرنقة" بروفة للتدريب على العمل بالمجلات الثقافية. استمر سعد فى العمل بالسكة الحديدة لمدة خمس سنوات، لكن بعد أن بدأ ينشر قصصه القصيرة ويسمع مديح المقربين منه فيما ينشره تمرد على عمله، وصار يذهب إليه متأخراً، كما كان يتغيب بدون عذر، وصفة التمرد خاصية ثانية ستلازم سعد الدين حسن حتى بقية حياة، وتجعله لا يستقر فى عمل دائم. ثم أصدر سعد مجموعته القصصية الأولى "احترس القاهرة"، عن مطبوعات الرافعى التى تصدر من طنطا عام 1984، وقد كانت علامة فارقة فى مسيرته الأدبية، ودشنت حضوره الأدبى ورسخت قدميه وجعلته يجلس مع أدباء الصف الأول. ثم توالت مجموعاته، أول الجنة أول الجحيم، العدد رقم 7 سلسلة أصوات أدبية، الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1989، وعد الحر، دار المدينة عام 1997، المدينة المهجورة، دار المدينة عام 1998، عطر هارب، دار ميريت عام 2006، كما أصدر روايتين: سيرة عزبة الجسر، مركز الحضارة العربية عام 1998، من قتل حبيبة؟ النقابة العامة لاتحاد كُتّاب مصر عام 2019. ثم بدأ يتردَّد على القاهرة، ويعرف الجلوس على مقاهيها؛ ويحضر ندوة أتيليه القاهرة مساء الثلاثاء من كل أسبوع، وندوة جمعية دار الأدباء مساء كل الأربعاء، وخلال هذه الندوات تعرَّف على الشاعر أمل دنقل وعرف معه السهر فى مقاهى وسط البلد أول الليل، وبعد منتصف الليل يسهر معه فى بار ستيلا، القريب من ميدان التحرير وسط القاهرة، وفى سهرات بار ستيلا عرَّفه أمل على أصدقائه يحيى الطاهر عبد الله، محمد مستجاب، فاروق عبد القادر، والدكتور سمير سرحان، وعن طريق أمل دنقل تعرَّف سعد كذلك على صلاح عبد الصبور، والدكتور عز الدين إسماعيل، وبعد فصله من عمله بالسكة الحديد، توسَّط أمل ليعيِّنه صلاح عبد الصبور مُحرِّراً فى مجلة فصول التى يرأس إدارتها، والتى صدر عددها الأول برئاسة الدكتور عز الدين إسماعيل فى أكتوبر عام 1980، وبعد وفاة صلاح عبد الصبور يوم 15 أغسطس عام 1981. انتقل سعد؛ ليعمل مُحرِّراً بإدارة النشر ب الهيئة المصرية للكتاب من عام 1982 حتى عام 1984، مع الدكتور كمال إسماعيل شقيق الفنان محيى إسماعيل والدكتور يسرى عبد الغنى، وكانت طبيعة العمل فى إدارة النشر تختلف عن طبيعة العمل فى مجلة فصول. وبدأ يحدث الصدام بين سعد والمسئولين بالهيئة بشأن الحضور اليومى والتوقيع فى دفتر الحضور والانصراف، وبعد سنتين من تحقيقات الشئون القانونية، انتقل سعد للعمل فى إدارة النشر بالثقافة الجماهيرية، وتكرَّر معه ما حدث فى هيئة الكتاب، لا بد من الحضور اليومى، والتوقيع فى دفتر الحضور والانصراف، ثم انتقل سعد إلى عمل جديد للمرة الثالثة، ليعمل مُحرِّراً بصندوق التنمية الثقافية، وبعد عدة سنوات ترك العمل فى مؤسسات وزارة الثقافة؛ ليتفرغ للقراءة والكُتّابة. اللقاء الأول عرفتُ سعد الدين حسن وتقابلتُ معه اللقاء الأول مُصادفةً فى أتيليه القاهرة مساء ثلاثاء شتوى بارد يناير عام 1990، بعد صدور مجموعته القصصية: أول الجنة أول الجحيم، بعدة أشهر، وقد قرأتها عدة مرات، وأثنيت عليها، فابتسم ثم سألنى متفحصاً: ما القصص التى شدت انتباهك فى المجموعة؟ فقلت على الفور: قصة الدفنة 1، والدفنة 2، وشخصية حسين التربى التى كتبتها بمهارة شديدة، ابتسم وعانقنى فرحاً، وضحك فضحكت معه ومن ساعتها أصبحنا أصدقاء، كان سعد الدين حسن يختفى كثيراً - لمدة سنة أو سنتين - ويظهر قليلا جداً فى ندوات القاهرة بحكم سكنه فى طنطا، وليس له سكن فى القاهرة، وكان من أصدقائه المقربين جداً خلال سنوات التسعينيات من أدباء القاهرة خيرى عبد الجواد، وكان كثيراً ما يدعوه للسهر والمبيت معه ليلة فى دار سندباد للنشر التى أسَّسها فى شقة بولاق الدكرور بالجيزة، وتجددت مقابلاتى بعد ذلك مع سعد على فترات متباعدة، أذكر مثلاً يوم مناقشة روايتى الثالثة "الألاضيش" التى صدرت عن هيئة الكتاب عام 2003، تلقيت دعوة كريمة من إيهاب الوردانى لمناقشتها فى فرع اتحاد الكُتَّاب بطنطا عام 2004، وفوجئت بحضور سعد الدين حسن أثناء المناقشة، وجلس بالصف الأخير، وبعد المناقشة تعانقنا وهمس فى أذنى: عرفت أنك موجود فى طنطا، فحضرت لرؤيتك؛ لكننى لم أقرأ الرواية؛ ولهذا لم أتحدث فى الندوة، ضحكت قائلاً: يكفينى حضورك ورؤيتك صديقى العزيز. اللقاء الأخير بعد نجاحى فى انتخابات مجلس إدارة نقابة اتحاد كُتَّاب مصر مارس عام 2013، رشحنى الكاتب محمد سلماوى رئيس مجلس إدارة نقابة الاتحاد لرئاسة لجنة النشر، لخبرتى الطويلة فى ذلك المجال، فقد عملت سنوات طويلة بإدارة النشر بالمجلس الأعلى للثقافة من 2000 حتى 2010، وفى ظهر أحد الأيام من عام 2019، دخلت مكتب الصديق الراحل إيهاب الوردانى الذى كان يتولى مهمة أمين الصندوق فى اتحاد الكُتَّاب، فسألنى هل تعرف سعد الدين حسن؟ فقلت مازحاً أعرف سعد الدين حسن، من قبل ما أعرف إيهاب الوردانى، ابتسم ثم قال ضاحكاً: طيب سعد عنده رواية بخط اليد، ويريد طباعتها ضمن مشروع النشر بالنقابة العامة لاتحاد الكُتَّاب، فقلت مُندهشاً: رواية بخط اليد، لن نجد ناشراً يقبل طباعة الرواية يا إيهاب يا وردانى، وأضفت قائلاً: كل دور النشر تريد الكتاب مكتوباً بصيغة وورد، لكن الصديق إيهاب الوردانى ساعدنى كثيراً فى تذليل كل العقبات، من كتابة مخطوط الرواية وورد، ثم مراجعتها لغوياً، والبحث عن ناشر متميز، وعندما جاء سعد للتوقيع على عقد النشر قال: عندى شرط واحد وحيد. لا أريد غلاف كتابى أربعة لون، أريد طباعة غلاف الرواية لون واحد وأبيض. ولأنه الكاتب المتفرد سعد الدين حسن وافقت وصدرت روايته "مَنْ قتل حبيبة؟" عن مشروع النشر فى نقابة اتحاد كُتّاب مصر عام 2019. رحم الله الكاتب الكبير سعد الدين حسن برحمته الواسعة، وأسكنه جنة الفردوس الأعلى.