وسط المجازر البشرية، قد يعتقد البعض أن البكاء على الحجر رفاهية، لأن الأولوية فى هذه الحالة ينبغى أن تبقى للأرواح المنهوبة. هذا بالتحديد ما يُريده عدو، يحاول الإيحاء بأن تدمير التراث خطأ غير مقصود، كى يطمس معالم جريمة أخرى يرتكبها فى الخفاء، ولا تقل وحشية عن دماء آلاف الضحايا من شهداء ومصابين. قبل سنوات سرق الاحتلال الجغرافيا، وادعى أنه يعود إلى أرض أجداده، وقام بحفائر هستيرية فى كل أنحاء فلسطين، فى محاولة بائسة للعثور على أدلة وجوده المزعوم، غير أن الاكتشافات ظلت مقبرة لادعاءاته، فكلها تدعم وجود الفلسطينيين القدماء وحدهم فى المنطقة. فشل الكيان المغتصب جعله يتبنى حملة إبادة جماعية وعرقية للتاريخ الحقيقى، بعد أن فشل فى تزييفه. اقرأ أيضًا| جمعية الإغاثة الطبية في غزة: الوضع في مستشفيات القطاع كارثي هذا ما فعله طوال حروبه السابقة منذ نشأته، لكن ممارساته منذ أكتوبر الماضى اتسمت بشكل أكبر من الوحشية، حيث قام بأكبر عملية إبادة جماعية للمواقع والمنشآت الأثرية، رغم أنف كل الاتفاقيات الدولية التى تؤكد على حماياتها فى أوقات النزاعات المسلحة. تقديرات اليونسكو تتحدث عن 69 أثرًا تعرضت لتدمير كلى أو جزئى، غير أن هذه التقديرات متواضعة جدًا مقارنة بالواقع، فهناك أضرار جسيمة أصابت أضعاف هذا العدد، ولم تفرق بين آثارٍ رومانية وبيزنطية ومسيحية وإسلامية. المشكلة الحقيقية أن من بينها متاحف ومخازن أثرية تضم مئات الآلاف من القطع، مما يدل على أننا فى مواجهة كارثة حضارية، لم تستفز العالم الذى تعالت صرخاته فى أزمات أقل وطأة بكثير. «الأخبار» تفتح الملف المنسى وسط شلالات الدماء، والنماذج التى نستعرضها مجرد عينة بالغة البساطة، ترفع شعار «على سبيل المثال لا الحصر»، والهدف هو توثيق الجريمة البشعة، ليدرك الكثيرون أن استهداف التاريخ جزء أساسى من مسلسل السطو على الجغرافيا. شهادة وفاة جماعية| 215 موقعا على «خط النار».. و69 تحوّلت إلى ركام جميع المؤشرات تؤكد أن العدو لا يعرف قانون «الصُدفة». كلّ أمرٍ محسوب بعناية بالغة. الحجر مستهدفٌ تماما كالبشر، لأن التراث دليلٌ على أحقيّة أصحاب الأرض الأصليين، ومحوه ينفى البراهين الملموسة رغم بقائها حاضرة فى الوثائق والكتب والعقول، غير أن الاحتلال يراهن على ضعف ذاكرة العالم، وبعد فترة تطول أو تقصر، يحتاج إثبات الحقوق فى التاريخ إلى معارك أخرى. بدأ المخطط فى أماكن أخرى من أرض فلسطين، وامتد إلى مناطق أخرى ترتبط بتفسيراتٍ توراتية، تدعم أكذوبة الوطن الممتد من النهر إلى البحر. وفق خطة شيطانية يجرى استهداف الحضارة، لتبدو خسائرها نتيجة جانبية لحرب تأكل الأخضر واليابس، المتخصصون فقط يُدركون أن القصف منهجى، بينما ينشغل الغالبية بشلالات دمٍ تتفجر من أجساد الضحايا، وتكون النتيجة انتصار مآسى الحاضر على خسائر التاريخ، حتى لو بلغت حصيلة الخسارة 215 موقعا ومبنى أثريا، منها ما اختفى نهائيا، ومنها ما تعرض لأضرار جزئية بالغة. حسب تقرير رسمى، أجرت بريطانيا مسوحات عام 1944، أسفرت عن إحصاء 130 موقعا أثريا فى قطاع غزة. ومع مرور السنين اندثر العديد من المواقع بتأثير الاعتداءات الإسرائيلية والقصف المتكرر، ليتناقص العدد إلى 83 فقط حسب إحصاء 2020، لم يسلم معظمها من تدمير كلى أو جزئى فى حرب الإبادة التى بدأت بعد أكتوبر 2023. الدلائل كلها تشير إلى أن الحرب الأخيرة قضت على عشرات المواقع، لكن الأمر لا يخلو من مفاجأة، فالمواقع السابقة ليست إحصاءً نهائيا، لأن الواقع على الأرض يكشف أن ما سبق مُجرّد عينة بسيطة! د.أحمد محمد البُرش مدير الترميم والحماية والسجل الوطنى بوزارة السياحة والآثار الفلسطينية، وصل إلى القاهرة فى مهمة علمية خلال الربع الأخير من العام الماضى، ومنعته ظروف الحرب من العودة إلى القطاع. وجوده جاء لصالحنا، حيث ساهم بمعلومات مهمة فى هذا الملف. يعود بالتاريخ إلى الوراء، وتحديدا عام 1929، عندما أصدرتْ بريطانيا قانونا لآثار فلسطين الواقعة تحت انتدابها. نص القانون على أن كل ما مرّ عليه مائة عام يُعد أثرا، وأعطى المندوب السامى نفسه حق الحذف والإضافة، وبذلك اقتصر عدد المواقع المُسجلة بعد سنوات من إصدار هذا القانون على 130 موقعا فقط. مرّت الأعوام، وشهدتْ الأرض نكبة ثم نكسة، وبعدهما ممارسات احتلال يستعين بآلات التدمير والنهب والتزييف، حتى جاءت السلطة الفلسطينية فى 1994، وأصدر الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات مرسوما بإعادة العمل بالقانون البريطانى. موشى ديان ينهب آثار القطاع يوضح د.البرش أن الاحتلال الإسرائيلى لم يكُن قد أوقف العمل بالقانون الإنجليزى، غير أن سيطرة الحاكم العسكرى التابع للاحتلال، جعلت القطاع عُرضة لتلاعب الأوامر العسكرية، فتعرضتْ آثار ثابتة فى غزة القديمة للهدم، بدعوى التطوير وإعادة التخطيط. كما صدرت أوامر عسكرية تمنح الاحتلال حرية التنقيب والسرقة ونقل الآثار المكتشفة، خاصة مع وجود موشى ديان، الذى زار بنفسه المواقع الأثرية فى دير البلح، وقام بنقل توابيت تُثبت الوجود المصرى فى منطقة «تل العجول» عقب طرد الهكسوس. كما نقّب عن الآثار فى «تل رفح» على الحدود الفلسطينية المصرية، ومن جديد نقل الآثار المكتشفة إلى متاحف تل أبيب. الحديث عن سرقات ديان يُمكن أن يمتد طويلا، لأنها لم تقتصر على آثار فلسطين فقط، بل امتدت إلى سيناء والجولان. هنا لابد من وقوف اضطرارى، كى لا ننشغل عن استهداف مواقع غزة، التى يؤكد د.البرش أنها تجاوزات أضعاف حصْر الإحصاء البريطانى، يقول:» خلال الأعوام من 1994 إلى 1998، أعدّت السلطة الفلسطينية قائمة أخرى اعتمادا على حصر جديد، فوصل عدد المواقع والمبانى الأثرية إلى 850، خاصة أن هناك منشآت لم يكن عمرها يتجاوز المائة عام وقت الإحصاء البريطانى، وبطبيعة الحال أصبحت آثارا فى تسعينيات القرن الماضى». استهداف متكرر فى بلاد أخرى يجرى التعامل مع مواقع أقل عددا وأهمية، باهتمام يليق بمكانتها كجزء من التراث الإنسانى العالمى، لكن فى القطاع تمضى الأمور فى مسارات أخرى. ضعف الإمكانات ليس المبرر الوحيد، بل يتحول القصف الممنهج إلى متهم أساسي. يؤكد د. أحمد البُرش، أن الاحتلال بدأ فى 2001 سياسة جديدة، تتمثل فى القصف المباشر لمقرات السلطة والمبانى القديمة، وفى 2003 اجتاح جباليا ودمر الكنيسة البيزنطية وأرضياتها من الفسيفساء، التى يعود عمرها إلى 1700سنة. وفى 2008 بدأت الحروب الإسرائيلية الأكثر شراسة، واستهدفت القطاع بالتدمير، وخسرت غزة فى هذا العام ما لا يقل عن 65 موقعا ومبنى أثريا. وتعتبر حرب 2014 هى الأقوى ضد التراث، حيث استهدفت 88 موقعا بشكل مباشر وغير مباشر، وتم تدمير 6 مساجد مملوكية وعدد من المتاحف. وتسببت اهتزازات القصف فى إلحاق أضرار جزئية ببيوت مملوكية وعثمانية، سقط عدد منها رغم عدم تعرضها للقصف المباشر. يتّبع العدو مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، لهذا لا يكتفى بالتدمير، بل يعمد إلى التزييف فى أحيان كثيرة. على مدى 4 سنوات، أشرف د.أحمد البُرش على أعمال الحفائر فى تل رفح، وتم العثور على عدد كبير من الآثار، من بينها 1000 عملة على أحد وجهيها صورة الإسكندر، وعلى الجانب الآخر شعار البومة، فضلا عن أدوات حرب ومعصرة للزيتون وأنياب فيلة. الغريب أن من بين الاكتشافات حجر من البازلت الأسود مكتوب عليه عبارة: «إسرائيل موجودة هنا». طرح السؤال نفسه بقوة: ماعلاقة اللغة العبرية بكشفٍ يوناني؟ تحرّى عن الموضوع فعرف أن الاحتلال استخدم الموقع بين عامى 1967 و1994، وأن الكتابة مزيفة استغلت حجرا أثريا يسبق نشأة الكيان الصهيونى بآلاف السنين، فى محاولة لتعزيز الأكذوبة. اختفى نحو ثُلثى المواقع والمبانى خلال سنوات قليلة. هذا ما يكشفه البرش، ويوضح:» فى 2019 أعددنا إحصائية سريعة، فلم نجد إلا 355 موقعا ومبنى مما سبق توثيقه»! الصدمة ليست نهائية، فالكوارث لا تتوقف بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، والعدد تضاءل من جديد بدرجة مبالغ فيها منذ أكتوبر الماضى، ووفقا لآخر إحصاء لم تتضمنه الوثائق الرسمية بعد، استهدف الاحتلال 215 موقعا ومبنى بشكل مباشر وغير مباشر، وأدى إلى تدمير 63 منها تدميرا كاملا، بخلاف ما تعرض لأضرار جزئية. العالم لا يسمع ولا يرى ما يجرى إذن تدمير ممنهج، ورغم بشاعته لم يستطع الفلسطينيون تكريسه فى الذاكرة الجمعية البشرية. هذا ما يؤكده المؤرخ الفلسطينى الكبير حمدان طه، فى تقرير أصدره عن «تدمير التراث الثقافى فى غزة»، يستكمل تقريرا سبق أن أصدرته وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، عما تعرض له تراث القطاع بعد أحداث أكتوبر. يتطرق طه إلى الاتفاقيات الدولية التى تحمى فلسطين بوصفها أرضا محتلة. الأكثر حضورا فى هذه الحالات، هى اتفاقية لاهاى لحماية الممتلكات الثقافية خلال النزاعات المسلحة. الاتفاقية التى انطلقت فى 1954، تنص بوضوح على إلزام القوات فى حالة الحصار، باتخاذ كافة الوسائل لضمان عدم المساس بالمبانى المعدة للعبادة والفنون والعلوم والمبانى التاريخية، ورغم ذلك يستمر نهب آثار فلسطين. الأحياء القديمة.. وداعاً أشهر الضحايا: الزيتون والدرج والشجاعية ولأن الإبادة تمضى بسرعة جامحة، فإن مُعدلات الدمار تتزايد، بحيث يُصبح رصد الخسائر بالتفصيل أمرًا بالغ الصعوبة، هنا يُصبح لعبارة «على سبيل المثال لا الحصر» حضورًا ضروريًا، لأن النماذج تعطى تصورًا معقولًا لجريمة أكبر، تعددت الضربات فتنوعت الخسائر، شملت الحمام والسبيل والقلعة، وليس الأمر مُستغربًا إذا وضعنا فى الاعتبار أن أحياءً كاملة تعرضت لتدمير كلىٍ أو جزئى. بعد انتهاء العدوان. سنجد أنفسنا غالبًا أمام جغرافيا جديدة للأحياء التاريخية، فى غزة وحدها تعرضت أحياء الزيتون، الدرج، والشجاعية لعمليات تدمير واسعة، تاريخها الممتد فى أعماق قرونٍ مضت لم يشفع لها، والكارثة تمتد بالتأكيد إلى بقية الأحياء القديمة فى مدن القطاع، التى ضاعت معالمها وفقدت الكثير من منشآتها الأثرية، فى حى الشجاعية مثلًا، التهم الدمار «بيت السقا» العثمانى، كما نال القصف من «دار الطرزي» التى تنتمى أيضًا للفترة العثمانية. وفقد حى الدرج واحدًا من أهم معالمه، وهو «قصر الباشا»، كما أصيب سوق القيسارية العتيق بأضرار بالغة، خسائر الحى لم تتوقف عند هذا الحد، بل انتهت حياة سبيل الرفاعية. الذى يعتبر واحدًا من أقدم منشآت العصر العثمانى، أنشأه بهرام بيك عام 1568، لكنه استمد اسمه الحالى من رفعت بك الجركسى قائم مقام غزة، بعد أن جدده عام 1861، وفى حى الزيتون أصبح «حمام السمرة» المملوكى مجرد أطلال، كثيرا ما زاره خبير الآثار الفلسطينى د.محمد الزرد، يتحدث عن أهميته قائلًا: «هو الحمام الأثرى الوحيد الذى كان باقيًا بالقطاع، يقع فى زقاق خلف الجدار المُتبقى من خان الزيت المندثر. كثيرًا ما كنتُ أزوره، كان أجمل ما يشدنى فى هذا المكان أنه يعمل بالطريقة القديمة الأصلية، بتسخين الماء بالحطب فى (بيت النار) الأصلي»، كلمات تخرج ممزوجة بالشجن، والشجن سيتمدد ليغطى معظم تفاصيل هذه الأحياء، نال الدمار من معالمها الشهيرة، وأخرجها من دائرة خدمة التاريخ، مثلما حدث فى قلعة برقوق فى خان يونس. فما بالنا بمنشآت أخرى أقل شهرة؟ إنها الوحشية عندما تفترس الحضارة. سيناريوهات متكررة للموت العدوان يدمر مقابر من كل العصور حتى المقابر لم تسلم من الوحشية. ولولا بقايا خجلٍ لزعم العدو أن أرواح الموتى تُساهم فى العمليات الفدائية ضده. امتد القصف إليها فى إطار عملية إبادة جماعية للذاكرة، وما نجا من القصف تحوّل إلى مخابئ للدبابات الإسرائيلية. الاستهداف المباشر وغير المباشر لم يكن حدثًا عارضًا، أو من قبيل الحاجة لأماكن تمركز عسكرية، بل خطوة محسوبة على طريق طمس الذاكرة. الإنسان يعيش مرة واحدة، ويموت مرة واحدة، لكن ممارسات الاحتلال كتبت للموت سيناريوهات متكررة! مقابر غزة «مرابض» للدبابات على مدى 3 سنوات، أجرى د. فرج الحسينى مدرس الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة الأقصر، توثيقاً لمقابر مدينة غزة، وقتها كانت لا تزال على قيد الحياة! حتى المقابر المندثرة، رصد شواهد قبورها المحفوظة بالمسجد العمرى الكبير، وهو ما أضفى على كلماته نبرة حُزن. يؤكد أنه تابع عمليات التدمير الأخيرة، وشعر بالأسى بعد أن اكتشف اختفاء المقابر من الوجود، وبطبيعة الحال اختفت الشواهد المحفوظة بالمسجد العمرى عقب تدميره. يشير إلى أن القصف لم يكن وسيلة الاستهداف الوحيدة. فقد قام جنود العدو بتجريف المقابر كلها، واستخدامها ك «مرابض للدبابات»، تختبئ بها فى خنادق حفروها، بمقابر عديدة من بينها: «التفليسي»، «أبو الكاس»، و»باب البحر». ويرى أن ما جرى يأتى فى سياق رؤية أكثر شمولاً، تقوم على إبادة مُتعمدة لمقابر تعود للعصور المملوكية والعثمانية والحديثة، لأن دولة الاحتلال تستهدف تلك الفترة، وتقوم بتدمير تراثها وتزييفه. تجريف «أرض المحاربين» فى جباليا لم يشفع لها عمرها الذى يتجاوز عشرات القرون. أقدم الاحتلال على تجريفها بالكامل، لأنها توثق لتاريخٍ مُستهدفٍ بالمحو. على هذه الأرض يتم تدمير كل ما يستحق الحياة. تحتضن بلدية جباليا مقبرة رومانية، تقع فى مكانٍ يُسمى «أرض المحاربين». يوضح د. أحمد البُرش أن المقبرة ترجع للفترة بين القرنين الثانى والرابع الميلاديين، وقد شهدت عملية تجريف واسعة النطاق، ويضيف: أن أعمال التنقيب أسفرت عن اكتشاف قطع بالغة الأهمية رومانية وبيزنطية، أصبحت كلها فى عداد المفقودين. تماثيل مصرية فى دير البلح هنا دير البلح. إحدى أهم المدن التاريخية فى القطاع. تضم مقبرة ذات أهمية استثنائية، لأنها تعود للعصر البرونزى المتأخر «1550- 1200 قبل الميلاد»، وترصد تاريخ الشعب الفلسطينى على مدار عدة عصور، وتنسف الادعاءات الصهيونية بأن هذه الأرض بلا شعب تمتد جذوره فى أعماق التاريخ.. وتثبت وجود «ملوك الفلسطينيين» القدماء. هل يُمكن اعتبار هذه المقبرة سعيدة الحظ؟ سؤال قد يبدو مستفزاً وسط الحديث عن الدمار الشامل، غير أن سوء الحظ أمر نسبى، حيث نجت المقبرة من التدمير الكامل، وأصيُبت فقط .. بأضرار جسيمة! فى هذا المكان تم الكشف عن مجموعة مهمة من التوابيت الفخارية المصنوعة على شكل إنسان، شكلت أكبر المجموعات التى تم الكشف عنها فى فلسطين، وتحاكى التوابيت المصرية القديمة. اكتُشفت فى قبور محفورة من الحجر الرملى أو الطين الأحمر، موجّهة نحو البحر، كما عُثر على كمياتٍ كبيرة من الأوانى المصنوعة من الألباستر، وتماثيل فرعونية صغيرة وأختام وحلى ذهبية، وخرز من الذهب والأحجار الكريمة، وأشكال كثيرة من الفخار الكنعانى والميسينى والقبرصى والمصرى. كانت تُستخدم كقرابين للدفن. لم تكُن المقبرة بعيدة عن عيون الاحتلال، فبين عامى 1972و1982، قامت مصلحة دائرة الآثار فى الجامعة العبرية بالقدس، وجمعية «استكشاف إسرائيل» بأعمال تنقيب بها، سبقتها فى 1971، حملة لسرقة آثارها تحت رعاية موشيه ديان، وتُعرض هذه المقتنيات المنهوبة حالياً فى متحفى «روكفلر»، و»إسرائيل» بالقدس.. على أنها آثار إسرائيلية غالباً! هدْم الهلال مع الصليب! القذائف «الغبية» تنسف أماكن عبادة أثرية.. وقبْر جد الرسول تحت الأنقاض وسط التراث الفقيد، تظل للأماكن الدينية التاريخية مكانة خاصة، فقصفها لا يكتفى بتدمير التاريخ، بل يستهدف مشاعر تربط أهل الأرض بالسماء. لهذا يحظى استهداف هذه الأماكن بمعدلّات تنديدٍ أكبر، انطلاقًا من أحاسيس دينية وليست تاريخية، رغم أنه يفترض ألا ينفصل الاثنان. شهد القطاع إهدار ذاكرة آلاف السنين، بقذائف غبية تسلب الحجارة حياتها. ولا تُفرق بين منشآت مسيحية وإسلامية. إنها عدالة توزيع الدمار، والمساواة فى الظلم ليست عدلاً بهذه الحالة، بل نموذج لوحشيةٍ تُحيل المساجد والكنائس إلى أنقاض، رغم أنف اتفاقيات دولية منحتها حماية مزدوجة: مرة لأنها دور عبادة، والثانية لأنها اكتسبت صفة «الأثرية». ذات صباحات متتالية، تتابعت أخبار استهداف المسجد العمرى الكبير، أعرق مساجد مدينة غزة، وكنيسة القديس بيرفيريوس التى تُعد من أقدم كنائس العالم، وتقع فى المدينة نفسها. بعدها، رصدت منظمة اليونسكو استهداف عشر دور عبادة فى القطاع، غير أن وزارة الأوقاف الفلسطينية أصدرت تقريرًا فى 22 يناير الماضى، كشف أن 1000 مسجد تعرضت لتدمير كلى أو جزئى، من بين 1200 مسجد فى القطاع. ربما تكون المنظمة الدولية قد اعتمدت فى إحصائها على معلومات أولية، أو اكتفت بالتركيز على دور العبادة الأكثر قدمًا. نماذج عديدة لمساجد وكنائس تعرضت لتخريب كلى أو جزئى، تضمنها تقرير وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، من بينها: محيط دير القديس هيلاريون المسجد العمرى بمدينة جباليا، وهو يختلف عن المسجد الموجود فى غزة وسبقت الإشارة إليه، وسبق أن تعرض «عُمرى جباليا» للقصف فى 2014 وأعيد بناؤه، وفى الاعتداءات الأخيرة تم تدميره بالكامل. فى حى الشجاعية تعرضت مئذنة مسجد الحكمة المملوكى لأضرارٍ بالغة. يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1455، وقد سبق استهدافه فى 2014. القائمة تضم منشآت دينية أخرى، منها: مسجد عثمان قشقار الأثرى شرق غزة. جامع كاتب ولاية فى حى الزيتون، ويعود جزء منه إلى العصر المملوكى، وبه إضافات تنتمى للعصر العثمانى، بناها أحمد بك كاتب الولاية فى 1586، ويقع بجوار كنيسة القديس بيرفيريوس. جامع السيد هاشم المشيد على الطراز العثمانى، وتحت رواقه الغربى يوجد ضريح يُعتقد أنه قبر هاشم بن عبد مناف جد الرسول عليه الصلاة والسلام، الذى حملت المدينة اسمه فى إحدى الفترات وعُرفت ب«غزة هاشم». وسط الاعتداءات المستمرة يُصبح إجراء حصرٍ نهائيٍ مستحيلاً، غير أن إلقاء الضوء على نماذج من الاستهدافات، يُعطى تصورًا مبدئيًا عن همجية العدوان. كنيسة بيرفيريوس.. ملاذٌ غير آمن لم يتعلم المواطنون المحليون الدرس، أو ربما ظنوا أن السفاحين اكتسبوا قليلاً من الإنسانية، وكان بعض الظن إثمًا انتهى بفقدان الحياة. فى 2014 فرّ الكثيرون إلى كنيسة القديس بيرفيريوس، بعد أن اعتبروها ملاذًا آمنًا من غدر الاحتلال، الذى قصفها وأصاب مبانيها بالضرر، وحصد أرواح 70 فلسطينيًا. وعقب أحداث أكتوبر الماضى تكرّر المشهد، بعد أن رفض الرهبان والمواطنون تنفيذ أوامر جيش العدو بإخلائها، فتم قصفها ليفقد 16 شخصًا أرواحهم. الكنيسة التى يُعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة فى العالم، فقدتْ أجزاء واسعة من منشآتها، بعد انهيار جدارين فى الطابق العلوي. أقيمت الكنيسة الأصلية عام 407، مكان معبد وثنى خشبى، وفى منتصف القرن الحادى عشر جددها الصليبيون، وأهدوها للقديس الذى حملت اسمه حتى الآن، وشهدت تجديدًا آخر شاملاً سنة 1856، غير أنها تضم بعض الأجزاء التى تعود للفترة الصليبية. قصة القديس شيقة، فقد وُلد فى اليونان عام 347، وانتقل إلى مصر فى الثلاثين من عمره وأقام بها ناسكًا لخمس سنوات، ثم اتجه إلى نهر الأردن والقدس، وفى 395 حاول دخول غزة، ومنعه أهلها لأنهم وثنيون، حتى أنهم ألقوا بالحجارة والقاذورات فى طريقه ليعوقوا دخوله. بعدها بسنوات اتجه إلى القسطنطينية ونجح مع مرافقيه فى إقناع الإمبراطور بهدم أماكن عبادة الأوثان، وعاد ليدخل غزة فى احتفال كبير، ثم وضع حجر أساس الكنيسة التى استغرق بناؤها 5 سنوات، وحملت فى البداية اسم زوجة الإمبراطور، تكريمًا لها لأنها ساعدت القديس ومرافقيه فى إقناع الحاكم القوى بالقضاء على الوثنية. القصة طويلة ومليئة بتفاصيل معاناة القديس مع المرض والاضطهاد، غير أن معاناة أهل غزة وتراثها تُغلق الباب أمام الحكايات.. مؤقتًا. المسجد العمرى.. الموت مرتان! تاريخ من المعاناة عاشه هذا المسجد، إلى أن كتب الاحتلال شهادة وفاة جديدة له، بعد قصفه بدعوى وجود عدد من رجال المقاومة فيه. لم تكن المرة الأولى التى يواجه فيها همجية الاحتلال، لكنه هذه المرة انتهى بالكامل، بمبناه العثمانى ومئذنته التى يبلغ عمرها 1400 سنة. شهد موقعه الكثير من الأحداث والتحولات، فقبل قرون كان معبدًا، ثم حوله البيزنطيون إلى كنيسة فى القرن الخامس الميلادي. حدث ذلك غالبًا بعد نجاح القديس بيرفيريوس فى استصدار قرار إمبراطورى بهدم المعابد الوثنية، وبعد الفتح الإسلامى تحول إلى مسجد حمل اسمه الحالى تكريمًا للخليفة عمر بن الخطاب. ووصفه الرحالة ابن بطوطة بعدما زاره فى القرن العاشر الميلادي. فى القرن الثانى عشر حوّله الصليبيون إلى كاتدرائية، غير أن المماليك أعادوا بناء المسجد فى بدايات القرن الثالث عشر، وبعدها بسنوات دمّره المغول، وأعيد بناؤه لكنه تهدم فى زلزال مع نهاية القرن الثالث عشر. وبعدها بثلاثة قرون أعاد العثمانيون تشييده، وأصيب من جديد بأضرار بالغة فى الحرب العالمية الأولى. كما هى عادة البشر، ارتبط الآلاف بذكريات خاصة مع المكان، من بينهم الباحث د.محمد الزرد، اعتاد زيارته بعد الخروج من قصر الباشا. مسافة قليلة تفصل بين المكانين، ويبدو أن القُرب سبب كافٍ لأن يشملهما دمارٌ واحد. يقول الزرد: «على مقربة من القصر كان أكبر مسجد جامع فى غزة؛ المسجد العمرى الكبير حيث تسافر بالزمن حين تعتبُ بابه، هذه البقعة التى كانت مكان عبادة فى المدينة لعصور قديمة. أستشعر حين أدخل من بابه الغربى بنفحات المسجد القبلى فى الأقصى الشريف. حيث تشابُه البناء بالطراز البازيليكى والأعمدة الرخامية العتيقة فى صَفّين، وبعد أن أصلى فيه أخرج من الباب الشرقى أو الجنوبى، يتلقانى الرواق الأثرى لسوق القيسارية أو ما يُعرف اليوم بسوق الذهب، بعقوده الحجرية التى صمدت على مر الزمان ودكاكينه الحجرية الصغيرة التى لم يهجرها أهلها جيلاً بعد جيل، لكنها الآن أصبحت مهددة». تراث فى خطر| حماية «شكلية» لمؤسس الرهبنة.. وميناء غزة فى «خبر كان» ذات يوم ابتكرت البشرية «قائمة التراث العالمي»، كى تشمل المواقع الأوْلى بالرعاية على سطح الكوكب، باعتبارها تراثًا إنسانيًا ذا تأثير ثقافى يتجاوز حدود مناطقها الجغرافية، وفى حالة تعرض أى موقع على القائمة للخطر، تقع مسئولية حمايته على كل الدول، يضم قطاع غزة ثلاثة مواقع مُدرجة على اللائحة التمهيدية، فى انتظار الانضمام إلى القائمة الدولية، من بينها موقعان أثريان لم يسلما من حملة الإبادة. دير القديس هيلاريون يذكر تقرير وزارة السياحة والآثار معلومة عابرة عن تدمير محيط دير القديس هيلاريون، غير أن تقرير الباحث الفلسطينى الكبير د.حمدان طه، يقدم معلومات أكثر عن الدير الذى تم تسجيله عام 2005 على اللائحة التمهيدية، اكتشفه الإسرائيليون بالصدفة عام 1993، فى تل أم عامر بالقرب من مدينة النصيرات، ويُعرف أيضًا بموقع «تاباثا» التاريخى، ورغم أهميته الحضارية قام الاحتلال باستخدامه كمنطقة عسكرية، لحُسن الحظ تَسلَّمت السلطة الفلسطينية الموقع بعد عام واحد فقط، لكنه كان كافيًا لنهب ما تيسر من آثار، حيث قام الإسرائيليون بنقل قطع كثيرة منه، وعرضوها فى متحف بروك لوفير بتل أبيب. فى نوفمبر الماضى، تعرض دير مؤسس الرهبنة بفلسطين لضربة جوية، فى إطار هجمة على جنوبغزة، وتقدم وفد فلسطين فى «اليونسكو» بطلب لحماية الموقع، فتم منحه «حماية معززة مؤقتة»، وهو أعلى مستوى من الحصانة حسب اتفاقية لاهاى، وفى يوليو الماضى أدرجت المنظمة الدولية الموقع على قائمة التراث العالمى المُعرض للخطر، غير أن المختصين الفلسطينيين يؤكدون أن كل هذه الإجراءات مجرد حماية شكلية. مزيج حضارى فى «البلاخية» فى نهاية العام الماضى تعرض ميناء غزة الأثرى «البلاخية» لقصف مزدوج، حيث تم استهدافه من الجو والبحر، تحتفظ ذاكرة الموقع بحكايات ممتدة، فقد استخدم فى العصرين اليونانى والرومانى، كما ذكرته الأدبيات الإسلامية باسم «تيدا»، ويستعرض د.حمدان طه فى تقريره معلومات مختصرة عنه، ويشير إلى أن التنقيبات الفلسطينية الفرنسية المشتركة، كشفت أدلة على وجود مزيج من الحضارات المختلفة فيه: الأشورية الحديثة، البابلية، الفارسية، اليونانية، الرومانية، البيزنطية، فضلًا عن العصر الإسلامى المبكر، وتم العثور على أسوار المدينة وأحياء للحرفيين وبيوت للسكن. ومخازن ومبانٍ محصنة، إنه مستودع زاخر بالأسرار، لهذا أدرجت اليونسكو الموقع المعروف أيضًا ب»أنثيدون»، على قائمتها التمهيدية للتراث العالمى، ووصفته بأنه مثال بارز لخليط معمارى مميز. يمكن هنا أن نضيف الفعل «كان»، قبل الحديث عن أية تفاصيل تخص الميناء، فقد تم تدميره بالكامل. استهداف خزائن الأسرار| مصير غامض ل 19 متحفًا.. وآلاف القطع الأثرية ضاعت «بين الأطلال» فى عالمٍ يدّعى التحضر، يُصبح فقْد أى مبنى أثرى مصدر انزعاج دولى بالغ، وينتفض الكثيرون ليصدروا عبارات الشجب، وأحيانًا لا يتوقف الأمر عند حدود التنديد، بل يمتد إلى إصدار عقوبات. فى مارس 2001 ثار المجتمع الدولى بعد هدم حركة طالبان لتمثالى بوذا فى أفغانستان، بينما تحلّى بالصمت أمام مجازر حضارية يرتكبها الاحتلال باستمرار. وإذا كان تدمير موقع أو منشأة أثرية جريمة، فإن استهداف المتاحف يتحول إلى خطيئة أكثر بشاعة، لأن كل متحف يضم آلاف المقتنيات، مما يجعل استهدافه بمثابة إبادة جماعية للآثار. منذ أكتوبر الماضى، استهدف الاحتلال عددًا من المتاحف، يتراوح بين 12 و19 متحفًا حكوميًا وخاصًا، تضم عشرات الآلاف من القطع، أصبح مصيرها غامضًا بين التدمير والسرقة. كما تعرض مخزنان للقصف، يضمان قطعًا تم العثور عليها فى عمليات تنقيب حديثة. المخزن الأول تعرض للتدمير الكامل مع كل ما يحتويه من آثار. والثانى «مخزن الكوثر»، وهو المستودع الأساسى لوزارة السياحة والآثار فى قطاع غزة، ويشرف عليه الفرنسيون مما جعله أسعد حظًا نسبيًا. لم يتعرض لتدمير شامل، لكن جنود الاحتلال دخلوه بعد استهدافه، واستدعوا خبراء آثار إسرائيليين نهبوا جانبًا من مقتنياته. عدد القطع المسروقة وتصنيفها لا يزال مجهولاً بالتأكيد، غير أن الوقائع السابقة تشير إلى أن العدو يدمر ويسرق وفق خطة ممنهجة. فى حى الدرج شرق مدينة غزة، يقع قصر الباشا الذى يعد نموذجاً مهما للمتاحف التى تم تدميرها. ظل صامدًا لمئات السنين، تبدّلت عليه أنظمة الحكم، وأقام به نابليون بونابرت ثلاثة أيام. خلال رحلته إلى الشام وتآكلت مساحته فى عهد الانتداب البريطانى، لكنه احتفظ بمعالمه الأساسية، رغم استخدامه فى أغراض متنوعة، وفى النهاية جرى تأهيله كى يتحول إلى متحف أثرى يضم عشرات الآلاف من المقتنيات، ومع القصف اختفى قصرٌ يُعتبر النموذج الوحيد المتبقى للقصور فى القطاع، حسبما يؤكد تقرير وزارة السياحة والآثار الفلسطينية. يقيم الخبير الأثرى الفلسطينى محمد الزرد فى القاهرة مؤقتًا، يُتابع ما يجرى فى القطاع بجرعة مكثفة من الأسى. مشاعره موزعة بين فقدان بشر قريبين منه، وحجرٍ يتحول إلى أنقاض وأطلال. التقيتُه بأحد المقاهى، فتحدّث مازجًا بين الواقع والذكريات، خرجت الكلمات مُحمّلة بالشجن: «علاقتى بقصر الباشا أو قصر آل رضوان بدأت منذ زمن طويل، حين كانت والدتى طالبة فى مدرسة الزهراء الثانوية التى تشغل القصر خلال زمن الإدارة المصرية للقطاع، اعتادتْ أن تصف لى معالم المبنى فى ذلك الوقت، وهى لم تتغير كثيراً عبر مئات السنين منذ العصر المملوكي». يُعرف المكان باسم قصر آل رضوان، نسبة لصاحبه حاكم غزة منذ 1570، وبعد خضوع القطاع للإدارة المصرية عقب قرار تقسيم فلسطين، أصبح مدرسة للبنات حملت اسم «الأميرة فريال»، ومع قيام ثورة يوليو تغيّر اسم المدرسة إلى «الزهراء الثانوية للبنات». يضم المتحف مقتنيات تنتمى للعصرين البيزنطى والإسلامى، ومخطوطًا عثمانيًا للقرآن الكريم مكتوبًا على ورق البردى، بالإضافة إلى مخطوط نادر ل«مزامير داود»، يزيد عمره على ألفى عام. يكشف د.أحمد البُرش بعض أسراره قائلاً: «كان هذا المخطوط من مقتنيات الرئيس ياسر عرفات، وفى حرب 2008 تعرض منزله للقصف، واستخرج رجال الدفاع المدنى المخطوطة العبرية من تحت الأنقاض، واستلمتُها بنفسى وعرضناها فى قصر الباشا». من جديد استقر المخطوط تحت الأنقاض، مع بقية مقتنيات المتحف، لكن ما ضمانات عدم السطو عليه من جانب جنود الاحتلال.. ولو بعد حين؟ الأخطر من المخطوط قطعة أخرى بالغة الأهمية، تُؤكد حضور الفلسطينيين الأوائل فى المنطقة، يروى البُرش: «خلال أعمال حفائر نقوم بها فى تل رفح، عثرنا على أدوات حرب وفخار وأسنان رماح، غير أن أهم اكتشاف كان جرة مرسوم عليها بجعة، التى اتخذها الكنعانيون رمزًا لهم، والكنعانيون هم الفلسطينيون الأوائل، مما يُثبت أن وجودنا راسخ فى هذه الأرض». حظيت الجرة باهتمام خاص وتم ترميمها، ثم عرضها فى قصر الباشا، ويرجّح البرش أنها انتهت مع القصف.