قبل نحو 61 عامًا، بدأ تنفيذ فكرة لتطوير السجون بحيث يكون «الليمان» بمثابة خطوة نحو المستقبل، واستثمار طاقات ومهارات السجناء وتعليمهم بعض الحرف تعينهم على بدء حياة جديدة بعد مغادرة الأسوار، فقد تغيرت الأوضاع القديمة كقطع الأحجار لأنها أعمال بعيدة عن الإنسانية، وأصبح عصر التصنيع بالنسبة للمسجون مفتاحًا كبيرًا يساعده على أبواب الرزق الحلال، وهى الاستراتيجية التي لا تزال تعتمدها السجون المصرية حتى يومنا هذا انطلاقًا من مبادئ حقوق الإنسان.. التجربة رصدتها «آخرساعة» فى تقرير نعيد نشره بتصرف محدود فى السطور التالية: ◄ التجربة تكلف 2 مليون جنيه لخلق إنسان جديد وراء الأسوار تجربة جديدة أخذت طريقها إلى التنفيذ وراء أسوار السجون.. تجربة لخلق إنسان جديد يواجه الحياة بروح جديدة وبفكر جديد خالٍ من العُقد، وقد تم رصد 2 مليون جنيه من أجل هذه التجربة، ولم تعد السجون مجرد قضبان وقيود حديدية وإنما أصبحت طريقا للمستقبل. لقد تقرر أن تبدأ السجون خطة صناعية مدروسة حتى يمكنها مسايرة التطور الصناعي بصورته الحالية فى الجمهورية وللاستفادة من الطاقات البشرية الضخمة بها. وقد وُضع فى الاعتبار أن إنتاج السجون لم يكن للاستهلاك المحلى بها ولكن سيمثل جزءًا هامًا من الإنتاج العام للدولة. وسيشمل التصنيع تزويد السجون بمراكز للتدريب المهنى يبلغ عددها 18 مركزًا جديدًا، حيث يتم رفع الكفاءات الإنتاجية بها، وبحيث تمنح لهم شهادات تثبت ذلك عند خروجهم، إلى جانب تعزيز الصناعات القائمة حاليًا، ووضع مشروعات جديدة تعم سجون الجمهورية كلها. صاحب هذه الفكرة هو اللواء محمود صاحب المشرف على هذا الميدان، لقد وضع الرجل اقتراحه على الورق ووافق عليه المسئولون فى وزارتي الداخلية والصناعة، ثم صدر قرار الدكتور عزيز صدقى وزير الصناعة بتشكيل لجنة لدراسة مشروعه، وبعدها صدر (فى أوائل عام 1962) قرار جمهورى باعتماد ميزانية لهذا الغرض. ◄ اقرأ أيضًا | السجن المؤبد لعامل دليفري بالإسكندرية لاتجاره فى مخدر الحشيش ◄ مكافآت تشجيعية ولتسهيل العمل وتذليل العقبات فى المشروع تكلم صاحب الفكرة عن أبرز القرارات التى اتخذت فيه قائلا: سيكون هناك لجنة عليا من وزارات الداخلية والخزانة والصناعة، ولهذه اللجنة سلطة وزير الخزانة، حيث يتم عن طريقها عمليات شراء الخامات والآلات بالسرعة المطلوبة، وسيودع ثمن المبيعات من هذا الإنتاج فى خزينة أحد البنوك لحساب إدارة التصنيع، والغرض من هذا هو استثمار الأرباح على مدار السنة والانتفاع منها باستمرار فيما يعود على العمل بالفائدة، وسيكون من حق هذه اللجنة رفع أجور المسجونين العاملين فى الصناعة، بحيث يكون هذا الأجر قريبًا من أجر العامل المماثل خارج السجن، وحصيلة هذا الأجر ستقسم على ثلاثة أجزاء: جزء سيسمح للسجين بالتصرف فيه كمصروف يد، وجزء يرسله لأسرته لمعاونتها، والجزء الثالث يحفظ له ليحصل عليه عند الخروج من السجن.. وكما هو متبع فى أنظمة الصناعة خارج السجن سيطبق نظام منح مكافآت تشجيعية للعمال الممتازين تساعدهم للعمل الشريف بعد صدور قرار العفو عنهم. ◄ مصنع نسيج ولم يكتف المسئولون بهذه الخطوط العريضة للتصنيع ولكن وضع نظام لتنسيق إقامة الصناعات تبعا للبيئة التى يوجد بها السجن.. مثلا: يتم الآن إعداد مصنع نسيج ميكانيكى ضخم فى سجن منطقة القناطر الخيرية تبلغ نفقات إقامته 140 ألف جنيه، وتعاقدت المصلحة على استيراد معداته من إنجلترا وسويسرا وألمانيا الغربية على أن يكون مجهزا للعمل فى منتصف العام المقبل، وفى سجن مزرعة طرة سيقام مصنع ميكانيكى لأدوات التنظيف يتكلف 25 ألف جنيه وسيتم فى نفس الوقت تجهيز سجن أسيوط بوحدة ضخمة لإنتاج السجاد آليًا، وفى سجن الإسكندرية تقرر تعزيز ورشة النجارة الضخمة به. ◄ جولة في الليمانات وقامت «آخرساعة» بجولة فى سجن القناطر والقاهرة وليمان طرة، والتقت بالسجين «ع. حميدة» نزيل منطقة القناطر.. إنه الوحيد الذى يعمل فى قسم تحنيط الطيور، وقد أمضى 9 سنوات متنقلًا بين ليمان أبوزعبل وسجن الواحات وبعدها استقر فى سجن القناطر. ويقول المسجون الفنان إنه سعى لإدخال هذا القسم فى سجن الواحات لكثرة الطيور الغريبة النادرة فى المنطقة، ودرّب ثلاثة سجناء عليه، وعندما انتقل إلى القناطر سمحت له المصلحة بعمل هذا القسم، وجاويش السجن هو الذى يصطاد له زوجًا من كل نوع من الطيور، ويتولى السجين عملية التحنيط.. يأخذ الجاويش واحدًا نظير قيامه بعملية الصيد ويباع الثانى لحساب السجين. («آخرساعة» 7 أغسطس 1963)