أسماء ياسر تشهد منطقة الشرق الأوسط توترات إقليمية متصاعدة، بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، بالإضافة لهجماتها العدائية على الأراضى السورية.. وهو ما يهدد باتساع رقعة النزاع، كما يهدد باندلاع حرب إقليمية.. ووسط هذه الأجواء الملبدة بغيوم الصراع والنزاع والتوترات تضع مصر سيناريوهات متعددة للتعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية التى قد تطرأ نتيجة للتوترات الإقليمية غير المسبوقة، واستمرار الصراعات فى منطقة الشرق الأوسط. تساؤلات كثيرة شغلت العقول بعد تصريحات رئيس مجلس الوزراء د. مصطفى مدبولى عقب اجتماع الحكومة الأسبوعى الذى أكد فيه أن الوضع الدولى والإقليمى يمر بمرحلة حرجة لم يشهدها العالم من قبل، وأن الحكومة تواجه تحديات غير مسبوقة، محذرًا من احتمالية الدخول فى «اقتصاد الحرب» إذا توسعت دائرة الصراع فى المنطقة، وهو ما يضع مصر فى موقف يتطلب حزمة من القرارات لمواجهة التحديات القائمة والمحتملة. ويشير مصطلح «اقتصاد الحرب» إلى الإجراءات الاقتصادية التى تتخذها الدول سواء كانت طرفًا فى الحرب أو متأثرة بتداعياتها، وفى فترة الحروب تتبع تلك الدول عدداً من الإجراءات الاقتصادية التى تهدف إلى السيطرة على أمنها الاقتصادى، حيث تتم إعادة تنظيم الموارد لتأمين الاحتياجات الأساسية وضمان استقرار الاقتصاد، ويتطلب ذلك ترشيد الإنفاق الحكومى، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة، وتقليل الهدر، وتوجيه الموارد نحو الخدمات والسلع الأساسية مثل القمح والأدوية والمستلزمات الطبية، لضمان استمرار توافرها خلال الأزمات. اقرأ أيضًا | خبراء الأممالمتحدة لحقوق الإنسان: النظام الدولى ينهار فى غزة ترى د. نجلاء بكر عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بنى سويف أن تصريحات رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى تحمل رسالة واضحة للشعب المصرى مفادها الاستعداد لأى قرارات حكومية تتعلق بالتعامل مع تبعات الصراع الإقليمى وتداعيات توسعة دائرة الصراع والأحداث المتسارعة التى تهدد اقتصاديات المنطقة.. موضحة أن وجود استراتيجيات وخطط محكمة للدولة للتعامل مع المستجدات اليومية يُعد أمرًا ضروريًا لضمان مرونة الاقتصاد المصرى فى مواجهة التقلبات، مؤكدة أن التحول إلى «اقتصاد الحرب» يعنى اتخاذ إجراءات عديدة من الحكومة تتطلب تضافر جهود المواطنين لتجاوز المرحلة بنجاح. تحقيق الأمن القومى وفى نفس السياق يقول د. أشرف غراب نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية إن مفهوم اقتصاد الحرب يعنى فرض مجموعة من الإجراءات الاستثنائية فى الاقتصاد المصرى بشكل عام، وذلك بتنفيذ مجموعة من الإجراءات الطارئة لتعبئة الاقتصاد خلال فترة الحرب، وذلك فى حالة اتساع الحرب الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط، والتى ستؤدى لنقص شديد فى سلاسل الإمدادات وتأثير ذلك على نقص السلع، وهنا لابد وأن تضع الدولة خطة شاملة لتوفير هذه السلع والاحتياجات الضرورية والأساسية للمواطنين لمواجهة أى تداعيات سلبية لهذه الحرب. وأكد غراب أنه منذ الحرب الروسية الأوكرانية تقوم الحكومة بالفعل بتوفير مخزون احتياطى استراتيجى كبير ليكفى شهورًا طويلة، وذلك استعدادًا لأى توترات جيوسياسية أو تصاعد الحرب بمنطقة الشرق الأوسط، موضحًا أنه فى حالة اتساع دائرة هذه الحرب لابد من وضع العديد من الإجراءات المهمة والضرورية من أهمها ترشيد استهلاك السلع، وضبط الإنفاق العام للدولة، والتركيز والاهتمام على استيراد السلع الرئيسية الضرورية، إضافة لعدم إنفاق أى عملة صعبة على أى رفاهيات أو سلع غير ضرورية.. مضيفاً أن اقتصاد الحرب يستلزم ترشيد الإنفاق الاستهلاكى وتقليل الاستيراد والإنفاق العام الحكومى وتوجيه الإنفاق للمجالات الأكثر أهمية ووضع القيود على كثير من الأنشطة غير الضرورية وبعض الأساسية، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة مع تقليل الهدر، مضيفًا أن تطبيق اقتصاد الحرب لا يعنى بالضرورة أن تكون مصر طرفًا فى هذه الحرب، لكن مع اتساع دائرة الصراع فى الدول المحيطة بمصر فإن الاقتصاد المصرى يتأثر بشدة، خاصة أن الاقتصاد المصرى يعانى من آثار اقتصادية سلبية منذ جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية ثم الحرب على غزةولبنان واتساع دائرة الصراع بالشرق الأوسط، وقد تسبب هذا كله فى تراجع إيرادات قناة السويس، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه. وعن أهمية تطبيق اقتصاد الحرب بالنسبة للأمن القومى أوضح غراب أنها تكمن فى أن أى تهديدات أو مخاطر للأمن القومى المصرى يدفع الدولة للتحرك لحماية مصالحها الحيوية على المستويين الداخلى والخارجى وتحقيق أهدافها التنموية الشاملة ومجالاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية وغيرها، بما يوفر الحماية والاستقرار الاجتماعى ويوفر الأمن والأمان للمواطن، مضيفًا أن التحديات الخارجية التى تواجهها مصر فى الوقت الحالى تؤثر وبشدة على مصر، خاصة أن الدولة تسعى لاستكمال تنمية سيناء فى أسرع وقت ممكن لارتباطها بالأمن القومى المصرى، وذلك بالاستمرار فى استكمال التنمية الصناعية والزراعية والعمرانية والمجتمعية بها، مضيفًا أنه سيتم توفير السلع الاستراتيجية والكهرباء والوقود والاحتياجات الضرورية وتأمين احتياجات البلاد، بما يضمن استمرار عجلة الاقتصاد والنمو، وكل ذلك يعد من محددات وعناصر تحقيق الأمن القومى المصرى. ارتفاع أسعار البترول وأوضح د. أحمد سعيد أستاذ القانون التجارى الدولى والتشريعات الاقتصادية أن مفهوم «اقتصاد الحرب» يشير إلى الإجراءات الاقتصادية التى تتبعها الدول فى وقت الحروب أو التوترات الكبيرة، بهدف التعامل مع تداعيات الأزمات التى تنجم عنها، لافتًا إلى أن الآثار الاقتصادية للحرب تبدأ بشكل مباشر بزيادة أسعار البترول، وهى واحدة من أبرز المخاطر التى قد نواجهها فى مصر، حيث يعتمد جزء كبير من الموازنة العامة على المحروقات المستوردة، إذا ارتفعت أسعار البترول بشكل كبير نتيجة لأى تصعيد فى المنطقة، ستحتاج مصر إما إلى توفير المزيد من الدولار لاستيراد الكميات المعتادة أو تقليل كمية الواردات، وهو أمر سيضع الدولة فى مأزق، مؤكدًا أن ارتفاع سعر البترول عالميًا يؤثر بشكل مباشر على الموازنة المصرية، فعند بداية العام كان سعر برميل البترول نحو 70 دولارًا، ولكن مع التوترات الجيوسياسية فى المنطقة ارتفع السعر إلى نحو 85 دولارًا بل وصل فى بعض الأحيان إلى 95 دولارًا، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر إذا حدثت ضربة فعلية على إيران، مما قد يرفع السعر إلى مستويات غير مسبوقة. وأضاف سعيد أن الدولة قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات تقشفية تتعلق باستخدام المحروقات، مثل تقنين استخدام السيارات الخاصة ومنح المواطنين كوبونات للوقود، بحيث يتم تحديد حصة معينة من البنزين لكل مواطن شهريًا لا يمكن تجاوزها، ويأتى ذلك فى إطار الاستجابة لتداعيات ارتفاع أسعار المحروقات التى قد تكون غير قابلة للتجنب، موضحًا أن التحدى لا يقتصر على البترول فقط، بل يشمل أيضًا الواردات بشكل عام، فمنذ بداية التوترات فى منطقة البحر الأحمر رفعت شركات التأمين العالمية رسوم التأمين على السفن التى تمر من البحر الأحمر وقناة السويس بمقدار ثلاثة أضعاف، ومع تصاعد الصراع من المتوقع أن ترتفع تكاليف الشحن أكثر، مما سيؤدى إلى زيادة فاتورة الواردات المصرية.. موضحًا أن زيادة تكلفة الشحن البحرى تؤثر مباشرة على أسعار المنتجات المستوردة، فالبضائع التى تأتى من الصين أو آسيا ستزيد أسعارها بسبب ارتفاع تكلفة الشحن، بالإضافة إلى زيادة تكلفة البترول التى تؤثر على عمليات النقل والتأمين البحرى، وهذا يعنى أن فاتورة الواردات السنوية التى تبلغ نحو 70 مليار دولار قد ترتفع إلى 100 مليار دولار أو أكثر، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على مصر، وتابع: «أمام هذا الوضع سيكون على الدولة اتخاذ إجراءات إضافية لتقليل الواردات غير الأساسية، مثل السيارات والملابس الجاهزة وغيرهما، حتى تتمكن من تلبية احتياجاتها الأساسية مثل القمح والذرة التى لا يمكن تقليل استيرادها». وأكد سعيد أن هذه القرارات ليست سهلة، لأن تقليص الواردات من بعض السلع سيؤثر على قطاعات اقتصادية واجتماعية عديدة، مثل الشركات التى تعتمد على استيراد تلك السلع أو المواطنين الذين يستخدمونها، مما قد يؤدى إلى تداعيات اجتماعية خطيرة، لذا من المهم أن يتم اتخاذ القرارات بحذر وبعد دراسة دقيقة، وربما من خلال حوار مجتمعى لتحديد السلع التى يمكن الاستغناء عنها أو تقليل استيرادها، مشيرًا إلى أن تآكل القوة الشرائية للدولار يعد أحد التحديات الأخرى التى تواجه الاقتصاد العالمى حاليًا، والسبب فى ذلك يعود إلى الإفراط فى طباعة الدولار من قبل الولاياتالمتحدة خلال الأزمات المتلاحقة مثل جائحة كورونا، وتمويل الحرب الأوكرانية، والآن تمويل الحرب الإسرائيلية.. وشدد سعيد على أن اتخاذ إجراءات لتقليص الواردات واتباع سياسة تقشفية لا يمكن أن يتم بشكل مفاجئ، بل يجب أن يخضع لدراسة مستفيضة وتأخذ بعين الاعتبار التبعات الاجتماعية والاقتصادية، وقال: «يجب أن نفكر فى استراتيجيات اقتصادية طويلة المدى لمواجهة التداعيات الاقتصادية للحرب، وهى خطوات يجب أن تكون مدروسة لتجنب التأثير على السلم الاجتماعى وضمان استقرار الاقتصاد الوطنى». مواجهة الأزمات ويؤكد د. مصطفى أبو زيد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أن مفهوم «اقتصاد الحرب» يرتبط بتعبئة وحشد جميع موارد الدولة للمجهود الحربى لمواجهة المخاطر المحتملة فى حالة نشوب الحرب أو مع طول أمد الحرب ويتطلب تطبيق أقصى درجات التقشف الاقتصادى، من خلال وقف الإنفاق على المشروعات الجديدة أو تحديث القطاعات الاقتصادية لتقليل النفقات العامة، مشيرًا إلى أن الوضع فى مصر مختلف تمامًا، حيث تستمر الدولة فى البناء والتنمية، على الرغم من التوترات الجيوسياسية فى منطقة الشرق الأوسط. وأوضح أبو زيد أن مصر تبذل جهودًا كبيرة لدعم الاقتصاد الوطنى وتعزيزه ليصبح أكثر قدرة على مواجهة الأزمات، وذلك من خلال تأمين المخزون الاستراتيجى للسلع الأساسية، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، بهدف زيادة الإنتاجية والتصدير، وبالتالى رفع حجم الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى، مضيفاً أن التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز قوة الاقتصاد المصرى يُعتبران من الركائز الأساسية للأمن القومى، فكلما توسع الاقتصاد وازداد نموه، ازدادت القدرة المالية لمواجهة التحديات التى قد تطرأ فى المستقبل، مما يعزز من الاستقرار الاقتصادى والسياسى لمصر فى ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.