مع التغير الجيوسياسي، الذي يلف العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط، آن الأوان أن ننظر بموضوعية فيما نملك من مواطن القوة التي في جعبتنا، ونكثف جهودنا بعيدا عن النظرة الضيقة إلى معالجة مواطن الضعف، ليصبح لنا ثقل في تقرير مصير المنطقة في القريب العاجل. كان لابد من كتابة تلك الكلمات، قبل الحديث في مقال اليوم. ففي العدد الماضي، تناولت الحديث عن ضرورة تطوير منظومة الأممالمتحدة، واليوم اتبعها بمنظمتنا العربية التي تأسست في 22 من مارس 1945 بهدف تحقيق التعاون السياسي، الاقتصادي، والثقافي بين الدول العربية، فضلا عن الدفاع ودعم القضايا ومصالح الدول العربية. ورغم مرور كل تلك السنين، كان المتوقع أن تزدهر وتعلو لتمثل قوة فاعلة في قرارات المنطقة، شأنها شأن الاتحاد الأوروبي. لكن بالنظر إلى ما حل بالمنظمة العربية العريقة. نجد أنه مع الأسف، فشلت في تحقيق التكامل السياسي والعسكري بين الدول الأعضاء، ولم تتمكن من حل النزاعات الكبرى بين الدول العربية مثل الصراعات في سوريا واليمن وليبيا والسودان فضلا عن القضية الأزلية القضية الفلسطينية. أو التأثير بشكل فعال في القضايا الدولية، كما تعاني من انقسامات سياسية عميقة بين أعضائها. والغريب أن أسباب هذا الفشل جلي كضوء الشمس، فالجامعة التي تتألف من عدة أجهزة مثل مجلس الجامعة، الأمانة العامة، ومجالس وزارية مختلفة. يأتي صنع القرار بها معتمدا على إجماع الآراء بين الدول الأعضاء، وهو ما يعرقل في كثير من الأحيان اتخاذ قرارات حاسمة. كما يصعب اتخاذ قرارات ملزمة أو تنفيذية بسبب انقسام المواقف. في حين نجد أن الاتحاد الأوربي، الذي تأسس الذي تأسس: في البداية كجماعة الاقتصادية الأوروبية عام 1957 ثم تحول إلى الاتحاد الأوروبي في 1993 بعد توقيع معاهدة ماستريخت. يتألف من عدة مؤسسات، مثل المفوضية الأوروبية، البرلمان الأوروبي، مجلس الاتحاد الأوروبي، ومحكمة العدل الأوروبية. وتلك الأخيرة تضمن الالتزام بالقوانين المشتركة. كل هذه المؤسسات تتيح اتخاذ قرارات جماعية ملزمة. في الوقت الذي حقق فيه الاتحاد الأوربي، رغم قصر عمره، سوقا مشتركة قوية، تشمل حرية حركة البضائع والخدمات ورأس المال والأفراد بين الدول الأعضاء. ويتمتع الاتحاد بعملة موحدة اليورو، ويُعد واحدًا من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم. حتى بعد خروج إنجلترا من الاتحاد، الذي لم يتأثر كثيرا. في حين تضررت إنجلترا من جراد هذا الخروج اقتصاديا. صحيح أن الجامعة العربية نجحت في تأسيس بعض المبادرات الاقتصادية مثل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، لتعزيز التجارة بين الدول العربية. لكنها في نفس الوقت، لم تتمكن من تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود. فما تزال التجارة بين الدول الأعضاء منخفضة مقارنة بالتجارة مع العالم الخارجي. فضلا عن التفاوت في مستويات التنمية الاقتصادية بين الدول العربية، مما يعوق تحقيق أهداف التكامل. أما فيما يتعلق بالتعاون السياسي والأمني لدي الجامعة العربية، فحدث ولا حرج، المنظمة العربية العريقة، لم تستطع تقديم تعاون فعّال في مواجهة التحديات السياسية والأمنية الكبرى. وفشلت في حل العديد من الصراعات الداخلية في العالم العربي ولم تتمكن من تشكيل قوة عسكرية مشتركة فعّالة. في حين أن الاتحاد الأوروبي، نجح في أن يمتلك سياسة خارجية وأمنية مشتركة، تعتمد على آليات دبلوماسية وأمنية قوية، مثل السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة (CSDP)، التي تسمح بتنسيق الردود على الأزمات العالمية. والسؤال الآن، أليس المنطقة العربية اليوم وليس غدا، في حاجة إلى منظمة قوية ذات مؤسسات تتيح اتخاذ قرارات جماعية ملزمة، ذات تأثير فعال في القضايا الدولية. ألا يكفي ما مضى من وقت في هدر قوانا في خلافات جانبية تشتتنا عن الهدف الحقيقي. ألم يحثنا ديننا الحنيف على أن في الاتحاد قوة. ففي الوقت الذي توحدت فيه ألمانيا بشقيها الشرقي والغربي، نجد أن دولنا العربية تقسم إما في الواقع مثل السودان، إما من الداخل مثل معظم الدول العربية.