إن ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعى من عشوائية وعدم إدراك، لأمر يدعو للخوف والحذر.. فعلينا أن ننتبه جيداً.. ونتحرك من أجل المجتمع. نعيش عصر الفضاء الإلكترونى.. هذا العصر السريع والمتسارع الرهيب والمخيف.. نفاجأ كل يوم بجديد.. حتى أننا أصبحنا لا ندرى كيف سنكون بعد وقت قريب أو بعيد؟!.. وكيف سنتعامل مع هذا التطور وخطورته؟!.. وإلى أى مدى سيأخذنا، وكيف سنواجه خطره المحدق؟!.. خاصة ونحن تركنا أنفسنا، بل واستسلمنا لهذا الغول، سواء بإرادتنا أو بدون إرادة.. الكل وقع فى الفخ.. وتركنا أنفسنا فريسة له. إن ما يحدث الآن على وسائل التواصل الاجتماعى من عشوائية وعدم إدراك لأمر يدعو للخوف والقلق من المستقبل القريب.. فإذا كانت هناك مواقع أو روابط تشجع على القتل، وألعاب تهدف إلى تخريب العقول وموت القلوب.. فإن هناك مواقع وروابط أخرى أشد خطورة.. لأنه من السهل الوصول لها، فهى متاحة للجميع، وتكمن خطورتها فى أنها تسمح للجميع بالمشاركة.. وهذه المواقع أو الروابط تعمل على ضرب المجتمع فى مقتل، وتغتصب أهم ما يملك من قيم وعادات وتقاليد وشرف، بل وتقضى دون أن نشعر على المعتقدات الدينية. هذه المواقع والروابط الرهيبة التى تسهل لنا تدمير أنفسنا بأنفسنا دون تدخل منها.. فنحن من نصنع الفيديوهات والمحتوى، ونحن من نشاهدها ونمدها بالمتابعات والأموال واللايكات وغيرها. وتحول البعض إلى ما يعرف أو يسمى «بلوجر»، أى صانع محتوى، وأصبحوا من المشاهير.. وهؤلاء نوعان ردىء وجيد.. إلا أن الريادة والانتشار كانت من حظ الردىء.. والذى تحول بقدرة قادر إلى مثل أعلى للأطفال وقدوة للشباب.. رغم أنها نماذج معظمها ضال لا تجيد الحديث ومخرجات الألفاظ لديها بعافية، وكأن العبط أصبح موضة.. منها من يتحدث فى أشياء غير جادة أو نافعة.. يطلقون ألفاظا سوقية، وتعبيرات خارجة، وإيحاءات جنسية، وتحرشات لفظية، وتنمرا، وجميعها يعاقب عليها القانون.. وهم لا يعلمون.. وكيف يعلمون ومعظمهم خواء.. وهناك من اتخذ من البلطجة أسلوبا للشهرة وتحقيق الأموال.. ومن المقالب التى تؤذى الناس طريقا للتريند.. وللأسف أن هناك بعض السيدات تخلت عن خجلها وأنوثتها وكرامتها فى أحيان كثيرة، وهناك من هو أصعب من ذلك لكنى لا أستطيع الحديث عنه لأنها أمور تشعرنى بالغثيان، وكل ذلك أيضا من أجل التريند والمال. هذه هى النماذج التى على الساحة، والتى حققت الشهرة فى لمح البصر، وتتم معاملتها كنجوم السينما.. بل أصبحوا فى كثير من الأحيان قادة رأى وأصحاب تجارب نعاملها على أنها ناجحة.. يظهرون بالحراس.. ويسكنون فى أفخم المنازل ويركبون أحدث السيارات.. وللأسف يتم استضافتهم فى المؤتمرات، ويحصلون على الأموال وبالدولار.. رغم أن منهم من لا يقرأ ولا يكتب، ومنهم من لا يعلم أو يفقه شيئا ورغم كل ذلك تعاملنا معهم على أنهم نجوم يتم استضافتهم والاستماع إليهم.. فهم رغم جهلهم الذى هو سبب فى شهرتهم، هذا الجهل الذى يصل إلى حد العبط أحيانا، هو من قدمهم للمجتمع.. وأصبحوا محط أنظار الشباب والأطفال.. لدرجة أنك إذا سألت طفلا تحب تطلع إيه، هذا السؤال المعتاد، يرد بكل ثقة «بلوجر، صانع محتوى» أى محتوى.. ولم يعد يجيب عليك كما كان فى الماضى دكتور أو مهندس أو مدرس أو ضابط أو صحفى أو غيرها من المهن المرموقة.. وهنا لا تستطيع أن تلوم الطفل فهو يرى أمامه نموذجا من البشر رغم عدم امتلاكه لأى مقومات، ولم يعان من التعليم كما يعانى هو، إلا أنه أصبح مشهورا ويمتلك من المال الملايين التى يحقق بها كل أحلامه ورغباته، بل ورغبات من حوله.. وأصبح يعامل معاملة الفاتحين.. وكأنه قدم للمجتمع وللبلد ما لم يقدمه أحد.. رغم أنه فى الحقيقة يهدم المجتمع، ويحطم قيمه، ويدوس على عاداته وتقاليده. وإذا سألت طفلا أو شابا عن أسماء المشاهير سوف يحدثك عن أسماء البلوجرز ويذكر لك أمثلة عديدة لأسماء صانعى المحتوى الغث والردىء.. وإذا سألته عن أحمد زويل أو جمال حمدان أو طه حسين أو نجيب محفوظ أو فاروق الباز أو الدكتور مجدى يعقوب أو غيرهم من الأسماء التى أعطت الكثير فى مختلف المجالات من المثقفين والعلماء والفلاسفة.. سوف ينظر لك بتعجب واستغراب وكأنك مجنون ولسان حاله: من هؤلاء وماذا صنعوا؟! رغم أننا بلد الحضارة.. البلد الذى علم العالم وقاد حركات التحرر فى إفريقيا.. وبلد التقدم والتنمية.. إلا أننا نعيش مع هؤلاء عصر التفاهة، ونعلى من شأن التافهين. يا سادة نحن للأسف الشديد من نساعد هؤلاء ونأتى بهم إلى عالم الشهرة والمال، سواء بأموالنا أو بالمتابعات لهم.. مما جعل الكثير منا يستسهل هذا الطريق للحصول على الأموال. ونجد وراء كل هؤلاء فرق عمل سواء بأجر أو من الأهل والأقارب والأبناء والأزواج.. وهناك من يستغل سذاجة وجهل البعض للتربح من ورائه.. فضاعت النخوة والرجولة، فى زمن الكل يبحث فيه عن الأموال والثراء الفاحش والسريع والسهل. هذا الأمر خطير على المجتمع ويهدد أمنه وسلامه الداخلى.. ويجب أن نتصدى له بكل جرأة وحزم.. وهنا المسئولية تقع على الجميع.. ومشاركة جميع فئات المجتمع فى هذا التصدى واجب وطنى.. فالأسرة لها دور.. والمدرسة عليها دور، ودور العبادة أيضا، هذا بالإضافة إلى مجلسى النواب والشيوخ.. أما الإعلام فدوره أهم ويأتى فى المقدمة باعتباره هو قاطرة وبصر المجتمع.. ويحمل لواء التوعية وبناء العقول المستنيرة.. عليه أن يتحمل مسئولية تكوين رأى عام رافض لهذه النماذج الضالة والشاذة التى لا تمثل سوى نفسها.. وتقدم أى شىء مقابل المال.. على الإعلام أن يوضح حقيقة هؤلاء، وأن يتعامل معهم على أنهم نماذج مشردة، مرضى الشهرة والمال، فاشلة.. لجأوا لهذا الطريق لتحقيق المنافع.. على الإعلام أن يوعى الأهالى بأنهم من يصنعون مثل هؤلاء سواء بأموالهم أو بمتابعتهم، وسواء كانت المتابعة للتسلية أو الضحك أو «تغيير المود».. وعليه أن يمتنع عن استضافة مثل هؤلاء وألا يصورهم على أنهم أصحاب تجارب ناجحة.. أو أنهم نماذج سوية مبشرة. بل على الإعلام أن يركز على النماذج الحقيقية من صانعى المحتوى النافع، والذين يقدمون المعرفة والثقافة والتنوير والتاريخ والأدب وغيرها من المواد النافعة.. يقدم أصحاب المحتوى النافع والجاد.. وأن يمتنع عن هؤلاء وعن مرتادى المطاعم لتذوق الطعام والإشادة بهم.. عليه أن يدعو المجتمع إلى أن يلفظ من يسوِّق العبط والهبل والهطل. يا سادة الأمر خطير.. وأنا هنا أدق جرس الإنذار لنعيد حساباتنا ونقف أمام هذه الموجة قبل أن تصطحب بعدها أمواجا لا نستطيع مقاومتها ونغرق جميعا فى دوامة لا نعلم مداها. الأمر لم يعد مقبولا على الإطلاق.. وليس من العقل أو المنطق أن نتعامل معه باستخفاف.. فهو أشد خطورة على المجتمع لأنه يغسل عقول الأطفال والشباب، ويزين لهم الغث.. وينسف مقومات المجتمع وقواعده. احذروا التفاهة فهى آفة وفيروس يقضى على الدول.