«فهل يُمكن لتعليمنا أن يجعل الطالب مفعلا ومحاورا للنص ومفجرا لألغازه؟!» الجمعة: «العجز المكتسب» أنت السبب.. فقد صدقت واستسلمت لما قالوه لك وعنك، وخضعت له، واكتأبت، وعطلت قدراتك التى وهبتها لك الطبيعة، ورزقك بها الله، وكففت عن المحاولة بعد أول فشل، وتغافلت أن الفشل مجرد محاولة لم تتحقق، ونسيت أنك تعلمت الكلام والمشى بالمحاولة والخطأ، أى بالفشل وإعادة المحاولة، ولم تعد تذكر أن أى مهارة أو تعلم جديد يحتاج إلى محاولات عديدة، لكنك استسلمت لما يرددون على مسامعك أنك لن تستطيع، وأن قدراتك محدودة، وبت تنظر للناجحين كأنهم يملكون ما لا تملك، وتتغافل أنهم يملكون نفس قدراتك، لكنهم دائبون، وتفشل محاولاتهم ولا يستسلمون، ويعيدون المحاولة حتى يحققوا ما يرغبون، هذا ما قاله وبرهن عليه عالم النفس الكبير «مارتن سيلجمان» مدشن علم النفس الإيجابي، فقد رأى أن الإنسان يملك قوة جبارة وعقلا مبدعا خلاقا، لكن ظروف البيئة من بشر وحجر تتمكن أحيانا من بث عبارات مثبطة يستسلم لها، فتعطل قدراته، وتربكه..! والمثير أنه يستسلم لتلك العبارات والظروف المحيطة به، ويصبح بشرا عاجزا، وهو فى أتم قواه البدنية والعقلية، إنما نتيجة خضوعه واستسلامه لعبارات البعض المثبطة ولظروف محيطه به يتعلم ما أطلق عليه «سيلجمان» العجز المكتسب أو المتعلم «Learned helplessness»، فقد أجرى تجربة على بعض الكلاب بأن تعرضهم لصدمات كهربية وهم داخل قفص كلما حاولوا الخروج منه، ثم عرضهم لمواقف مشابهة دون التعرض للصدمات، فوجد أن الكلاب التى تلقت صدمات كهربائية دون أن يكون لها القدرة على تجنبها، أصبحت غير قادرة على محاولة الخروج من الصندوق، رغم عدم وجود صدمات كهربائية، مما يعنى أنها باتت عاجزة عن المحاولة، فقد اكتسبت عجزا مصطنعا نتيجة الخبرة السابقة، ومن بعد أجرى «سيلجمان» عدة دراسات على أفراد، حيث عرضهم لمواقف عسيرة، أو إلى ضوضاء غير قابلة للتحكم، ولاحظ أنه أصبح لديهم مشاعر من العجز وقلة الحيلة يرافقها حالة انفعالية مربكة، وفقدوا الدافع للمحاولة، وأصبحوا يظنون أنهم لن يستطيعوا السيطرة على مهام حياتهم، وأصيبوا بالاكتئاب، وآمنوا أن جهودهم عديمة الجدوى، ومحاولاتهم عاجزة على أن تحقق ما يريدون، وغالبا يصابون باضطرابات نفسية تستوجب العلاج نتيجة كل ذلك. وللأسف فى بعض الأحيان نكسب أبناءنا هذا «العجز المكتسب»، ونظن أننا نشجعهم، فنقول مثلا لهم: «أنت فاشل ولن تحقق شيئا فى حياتك»، «إيه الكسل اللى أنت فيه دا»، «أنت خايب شوف زميلك أفضل منك»، وعبارات من هذا القبيل كفيلة بزرع اليأس والعجز لديهم، وبعض الأفراد والأصدقاء فى نصائحهم، «يا عم مفيش فايدة»، «ما تحاولش وكان غيرك أشطر»، كلها عبارات لو استسلمنا لها لأصبحنا فعلا من أصحاب «العجز المكتسب». ما عليك حاليا سوى أن تحاول، وإذا فشلت، أعد المحاولة مرات ومرات، وستصل فى النهاية، تحرك ولا تقف حتى لا تكون «أنت السبب»، ولا تستمع لكلمات المحبطين، فدائما هناك أمل مادام هناك عمل. الأحد: لماذا عقولنا لأمواتنا..؟! هل ينشغل كتابنا بعلاقة القارئ بما يكتبه؟، وهل يدرك الكاتب أن علاقته بما خطه تنتهى مع إمساك القارئ بما خطه له، ويتحول القارئ وارث وصاحب النص المكتوب، ويصبح الكاتب هو ماضى النص، والقارئ هو حاضر النص ومستقبله، ومهما كانت براعة الكاتب، وقدرته على الإمساك بتلابيب ما يكتب يظل القارئ النشط هو من يحقق براعة الكاتب بفهمه ووعيه بالنص المكتوب. وكما يرى الناقد الكبير د. مصطفى ناصف أن علاقة الكاتب بالقارئ علاقة تصارع لاستيعاب ما تم كتابته، إنها علاقة تتسم بالتوتر، والكاتب من الناحية النظرية منتميا للخاصة، ومع ذلك فإن قوة العامة تشتد يوما بعد يوم، ولا تسمح لكثير من الكتاب بالانفصال التام عنها، أو العلو عليها، وإلا انفصلت عنه وتركته وما يكتب بلا قارئ. فهل يُمكن لتعليمنا أن يجعل الطالب مفعلا ومحاورا للنص ومفجرا لألغازه؟!، وهل يدرك الطالب أنه البطل الحقيقى المنتظر المفسر للمنهج، وما هو مكتوب بين يديه؟، هل يتدرب على نقد النص، وفهم ألغازه، والوصول لما لم يذكره المنهج أو الكاتب إن أخفاه. هنا أظن أن تعليمنا ينتج أفرادا محدودى الفكر أمام النص وهالته، النص يولد فوبيا فى عقول طلابنا، تابو محرم التفكير فيه، يحفظ كما هو، وينقل لأوراق الإجابة، دون تحريف، النص فى حياتنا ننزله منزلة التقديس، مما يفقد النص بريقه، وحياته، وقدرته على خلق حالة من الوعي، ويولد كراهة للنص. خنق عقول صغارنا بمنعهم من التفكير وإكسباهم، طريقة اكتب ما تحفظه عن..، وهى طريقة قاتلة للتفكير، والتفكير كما يذكر «د.نبيل على» هو تنفس العقل، وإن توقف اختنق العقل، والتفكير هو ما يهب ما نتعلمه، ونقرأه معنى، ويجعل له مغزى، فعلا صدق من قال: «ويل لأمة تحارب التفكير وعاشت بتفكير من صنع الآخرين وتبقيهم حاضرين بقوة فى حياتنا وهم غائبون منذ أزمان وأزمان»، عِللنا وأمراضنا الفكرية لا تنتهى، وأزماتنا تتوالد، ولا ينزعج أحد، ونتساءل لماذا نترك عقولنا لأمواتنا ؟!. الثلاثاء: كل إنسان مثل أخيه الديانة المصرية القديمة هى الديانة الوحيدة فى العالم القديم، التى أقرت مبدأ المساواة التامة بين البشر، فجاءت أول إشارة للمساواة التامة بين البشر فى متون الأهرام، إذ يقول النص على لسان الإله رع: «لقد خلقت كل إنسان مثل أخيه»، وكانت الديانة الوحيدة فى العالم القديم التى بنيت على أساس مبدأ العدالة والحق «ماعت» إذ يقول المؤرخ الأمريكى أشهر علماء الآثار والمصريات، هنرى بريستد: تحتوى متون الأهرام على أدلة قاطعة لا تقبل الشك على أن طلبات العدالة والحق «ماعت» كانت قوتهما أهم من سلطان الملك نفسه. كما كان الفرعون مثل أوسر كاف أول ملوك الأسرة الخامسة يلقب نفسه بمقيم العدالة والحق «ماعت». وكان فراعنة الدولة الحديثة يوجهون تعليمات إلى الوزير الأول تنص على ضرورة إقامة العدالة: «فلا تنس أن تحكم بالعدل (ماعت): لأن التحيز يعد طغيانا على الإله». ويقول هنرى بريستد فى موضع آخر «من الواضح أن الفرعون صار منقادا لنفوذ الأخلاقيين.. وأن سياسة العدالة الاجتماعية صارت جزءا من هيكل النظام». كما أن مصر كانت الدولة الوحيدة فى العالم القديم التى كان قانونها يسرى على الجميع رغم التفاوت الطبقى والتفاوت فى المكانة الاجتماعية فيقول بريستد: «إن المنزلة الاجتماعية أو المرتبة العالية لم تعط المصرى القديم أية ميزة فى نظر القانون».