بعدما زارت الطبيبة الروائية د. رشا سمير، دولة المغرب عدة مرات، جذبتها الحضارة الأمازيغية؛ ووقعت فى غرامها بعد أن وجدتها حضارة تمتد إلى واحة سيوة المصرية، وقررت أن تكتب عنها، وبالفعل بدأت حتى وصل ما كتبته إلى أكثر من 150 صفحة، بعد ذلك واتتها الفرصة لزيارة واحة سيوة؛ وعادت من هناك بصورة ذهنية مختلفة عما قرأته فى الكتب والمراجع، فمزقت ما كتبته وبدأت من جديد فى كتابة روايتها الأحدث «المسحورة»؛ التى مزجت فيها الكثير من الأساطير والحكايات الواقعية، وقد أصدرت «رشا» من قبل عشرة أعمال، منها: «جوارى العشق»، و» بنات فى حكايات»، وحول روايتها «المسحورة»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، أجريت معها هذا اللقاء. ◄ «المسحورة» ليست رواية ولكنها رحلة إلى مدينة الأساطير، وتمتلئ هذه الرحلة بالكثير والكثير من الحكايات والأسرار، احك لى عن بداية الفكرة؛ والرحلة، والوقت الذى استغرقته كتابتها؟ الرواية بدأت بفكرة، فكرة مختلفة للكتابة عن حضارة لم يكتب عنها الكثيرون وهى الحضارة الأمازيغية، فأنا بالفعل أول روائية مصرية تكتب عن هذه الحضارة، لأنها جذبتنى لمكان لم يذهب إليه أحد من قبل ومساحة كبيرة للإبداع، وقتها كنت بالفعل قد زرت المغرب أكثر من مرة وترسخت فى ذهنى الفكرة، بعد دراسة وقراءة متأنية وجدت أنها حضارة تمتد إلى سيوة، فكان هذا هو الجسر الذى قررت استخدامه للربط بين البلدين ومسار الرواية، بدأت الكتابة وأنا لم أكن قد زرت سيوة بعد، معتمدة فقط على المراجع القليلة التى وجدتها، ثم واتتنى فرصة السفر بعدما انتهيت من حوالى 150 صفحة، لأعود من هناك بصورة ذهنية مختلفة تمًامًا ومراجع وجدتها لم تكن متاحة هنا، فمزقت كل ما كتبت وعدت لأكتب من جديد عن أشخاص تعرفت عليهم؛ وأماكن بدت لى بشكل آخر بعد رؤية العين، وقد استغرقت فى كتابة الرواية أربع سنوات وخمسة أشهر فى المراجعة وأربع زيارات لسيوة. ◄ اقرأ أيضًا | من «المعلقة» إلى «رمسيس الثاني».. أبرز 13 مسلة أثرية في مصر ◄ «حين يحشر الروائى نفسه بين شخصياته يعلق داخل الرواية إلى الأبد»، وأنت تعايشت مع أهل واحة سيوة أربع سنوات واندمجت معهم: سلامة، حبوب، جبريل، رحيم، بكرين، الشيخ سليمان، الطيب تواتى، جيرى، عبد الله اشول، وغيرهم، وقام هؤلاء بإمدادك ودعمك بأشكال كثيرة، هل ما زلت عالقة داخل «المسحورة» أم ماذا؟ الحقيقة أن الأسماء التى تفضلت بذكرها هى لأهل سيوة الكرام الذين تعرفت عليهم أثناء زيارتى للمكان، وأصبحوا الآن أهلاً وأصدقاء ومن ثم قررت الاستعانة بأسمائهم داخل الرواية دون توظيف لشخصياتهم الحقيقية، فالأحداث لا علاقة لها بهم، إنه فقط نوع من التكريم لأشخاص أحببتهم وكانوا كرماء معى للغاية فى إمدادى بالمعلومات التى طلبتها، ولا يمكن أن أنسى حفاوتهم وكرم الضيافة حين سمحوا لى بدخولى بيوتهم لمجرد شعورهم أننى أصبحت واحدة منهم، وكيف أنسى حضورهم خصيصًا من سيوة لحضور حفل إطلاق الرواية فى القاهرة وإشادتهم بها وهو ما يعنى الكثير بالنسبة لي، وأعتقد أن «المسحورة» بشخوصها وأحداثها ستظل عالقة بذهنى لفترة طويلة؛ ولكن ليس «للأبد» كما ذكرت فى سؤالك لأن ذهن الروائى يجب أن يكون متأهبًا دائمًا للجديد، وهكذا أنا الآن أبحث عن الجديد. ◄ «هكذا تقول الأسطورة»، كيف تعاملت مع هذه الأساطير وجرى توظيفها لتدعيم أحداث روايتك؟ فكرة الأسطورة وأهميتها فى تاريخ الحضارات قضية طالما استحوذت على تفكيرى منذ طفولتى وعاشت معى فى قراءاتى المتعددة بغموضها، كيف ارتبط التاريخ بالأسطورة وكيف ارتبطت الحضارات المختلفة بالأساطير، سؤال طالما سألته لنفسي، ومن هنا ترسخت فى ذهنى فكرة ربط ما قرأت عنه طويلًا، وكتابة رواية عن الحضارة الأمازيغية التى بنيت على الأسطورة مثلها مثل أغلب الحضارات، وقد تعرفت على هذه الحضارة أثناء زياراتى المتعددة للمغرب، وتابعت امتدادها وصولا بواحة سيوة؛ التى سكنتنى بكل تفاصيلها الساحرة، واستعنت بكتب عن الأساطير لإضفاء غموض على الأحداث فى بداية كل فصل . ◄ «هكذا هى الحياة للمرأة السيوية، فهى تتزوج بحسب التقاليد وتحزن بحسب التقاليد؛ وتعود للحياة من جديد لتنتقل إلى زوج آخر بحسب التقاليد، فيالها من تقاليد أحالت حياة الكثيرات إلى سجن عالى الأسوار»، من خلال معايشتك للحياة فى الواحة؛ ما تقييمك لأوضاع المرأة هناك؟ الرواية تدور أحداثها عام 1926 أى منذ حوالى مائة عام ومن هنا أستطيع أن أقول أن وضع المرأة السيوية قد تغير كثيرًا منذ ذاك الحين، فالمرأة التى كانت تقبع فى المنزل دون أن تغادره ودون أن تتعلم أو تختار زوجها ليست هى نفس المرأة السيوية التى تعرفت عليها عن قرب، فقد سمح لى أهل الواحة الكرام دخول بيوتهم ومن ثم تعرفت على فتيات يتلقين التعليم ويعملن فى بعض الحرف اليدوية وأمهات فاضلات، والأهم أننى تعرفت على نائبة برلمانية تمثل سيوة فى البرلمان وهى واقعة لم تحدث فى زمن الرواية، بالفعل تغير وضع المرأة بشكل كبير، إلا أننى مازلت أطمح أن تنال المرأة السيوية المزيد من الحرية لأن كل ما نالته ليس كافيًا. ◄ ما الجديد المنتظر لديك في الأيام المقبلة؟ أنا فى مرحلة البحث عن فكرة جديدة ورحلة أخرى لكتابة رواية تتفوق على «المسحورة»، في بالي طبعًا عدة أفكار إلا أننى مازلت فى طور الدراسة والقراءة والبحث، فأنا أعيش مع رواياتى تمامًا مثلما يعيش القارئ، وبعد النجاح الذى حققته رواية «المسحورة» وإشادة القراء بها يجعلنى ذلك أعيش حالة من التحدى والخوف؛ لأن القارئ ينتظر منى المزيد والأفضل، هكذا أنا دومًا فى تحد مع نفسى لتقديم الأفضل للقارئ الذى هو دون شك سبب نجاحي.