مع احتفالات المئوية بالشيخ سيد درويش التى انطلقت باحتفالية كبيرة من مسرح نقابة الصحفيين المصرية فى عام 2023، بدأ الكاتب الصحفى خيرى حسن، يعيد قراءة بعض الكتابات والدوريات، والكتب التى تناولت سيرة سيد درويش، فوجد كتابًا مذهلًا عنوانه «سيد درويش - حياته وآثار عبقريته»، تأليف عميد المؤرخين الموسيقيين فى مصر، والوطن العربى د. محمود أحمد الحفنى، وفى هذا الكتاب وجد المؤلف «خيرى حسن» وثيقة دامغة لا تقبل الجدل أو الشك، يثبت من خلالها د. الحفنى أن كلمات «بلادى بلادى» تأليفًا وتلحينًا للشيخ سيد درويش، وليست لأى شاعر آخر. وتساءل: كيف استطاع الشاعر محمد يونس القاضى أن يضع اسمه عليها وينسبها لنفسه منذ عام 1968؟! من هنا كانت البداية التى انطلق منها المؤلف رحلة البحث والتنقيب عن الوثائق والشهادات التى تدعم نسب نشيد «بلادى بلادى» إلى سيد درويش، وأيضًا تقصى كل المعلومات الخاطئة التى كان يشيعها الشاعر محمد يونس القاضى، والتى كان كثير من الباحثين يرددها دون التحقق من صحتها!، وجمع كل ذلك وقدمه إلينا فى كتاب «سيد درويش- المؤلف الحقيقى للنشيد الوطنى- وقائع سرقة معلنة»، الصادر فى سبتمبر الحالى ضمن سلسلة كتاب اليوم التى تصدر عن دار أخبار اليوم.. فى رحلة البحث عن الحقيقة يسرد لنا المؤلف الحكاية من البداية؛ والبداية كانت من مولد سيد درويش فى 17 مارس 1892، ومرور السنوات حتى بلغ الطفل الخامسة فأرسله والده إلى الكتّاب ليتعلم القراءة والكتابة ويحفظ بعض السور من القرآن الكريم، وفى الكتّاب اكتشف مدرس يدعى سامى أفندى موهبة «سيد» فى حفظ الأناشيد والأغانى والألحان وأوكل له مهمة تدريب وتلقين زملائه رغم صغر سنه، وبعد عام من الدراسة مات والده فجأة لتتولى الأم مهمة تربية وتعليم الطفل مع أخواته البنات، وعندما بلغ عمره 13 عامًا، أنشئ فى ذلك الحين «معهد الإسكندرية الدينى»، والتحق بالمعهد مع توقيع إقرار بالالتزام بشروط الانضباط، وتزامن ذلك مع لحظة فارقة من عمر الكفاح الشعبى والسياسى، خاصة كفاح الحزب الوطنى وزعيمه مصطفى كامل الذى توفى عام 1908، وكان سيد درويش قد وصل إلى عمر ال 16 عاما، وبدأ يقرأ للأهل والجيران الصحف ،وبعضًا من خطب الزعيم مصطفى كامل، ومنها جملته الشهيرة التى قالها ضمن سياق ما عرف بخطبة الوداع التى ألقاها عام 1907: «بلادى بلادى لك حبى وفؤادى، لك حياتى - لك حياتى - ووجودى، لك دمى ونفسى - لك عقلى ولسانى، لك لبّى وجنانى، فأنت الحياة، ولا حياة إلا بك يا مصر»، والتى كانت ملهمة لسيد درويش -فيما بعد- فى تأليف أنشودته الخالدة «بلادى بلادى»، ولقد حاول «درويش» التوافق، والتوفيق بين دروسه وتعليمه، وبين ميوله ،وهوايته، وحبه للموسيقى؛ إلا أنه لم يستطع ذلك، وجرى فصله بصورة نهائية من المعهد. ويمضى بنا المؤلف فى رحلته للوصول إلى الحقيقة، متنقلًا بين الوثائق، والشهادات ،والكتب، ويسرد لنا الحكايات والقصص التى عاشها «درويش» فى حياته مدفوعًا بحبه للغناء والموسيقى والشعر، ويقول: إن موهبة سيد درويش فى كتابة الشعر، والأغانى بدأت ملامحها تتشكل بداخله منذ الصغر، ويصل بنا المؤلف إلى ذروة الوقائع بالكشف عن وقائع السرقة المعلنة، ويؤكد: أن الشاعر محمد يونس القاضى بدأ بعد أسابيع من رحيل بديع خيرى فى عام 1966 رحلة السطو على إبداع سيد درويش كشاعر شهد له الجميع ووثق معاصروه كتاباته الشعرية ونشروا ذلك فى شكل كتابات ومقالات وإعلانات، بالإضافة إلى الكتب وأشهرها كتاب د. محمود أحمد الحفنى؛ الذى يعد مرجعًا صادقًا وأصيلًا، وأثمر ذلك الكشف بالتأكيد عن أن الوثيقة التى استند إليها يوسف القاضى فى عام 1968، وذهب بها إلى جمعية المؤلفين والملحنين -ليحصل على حق الأداء العلنى- ما هى إلا وثيقة مزورة؛ بعد أن تأكد أن يوم 26 يناير سنة 1923 الذى قال عنه يونس القاضى إنه ذهب فيه إلى المحكمة المختلطة لإثبات أحقيته بملكية نشيد «بلادى بلادى» كان (يوم الجمعة)،وهو يوم عطلة رسمية فى الدوائر الحكومية والقضائية المصرية!. وفى ختام بحثه يؤكد المؤلف خيرى حسن أنه ليس المقصود أبدا من وراء بحثه التجاوز فى حق الشاعر محمد يونس القاضى، فهو عندما قام بالسطو على تاريخ سيد درويش الشعرى -وخاصة أنشودة «بلادى بلادى»- لم يكن يعلم أنها ستتحول إلى النشيد القومى للبلاد، لذا؛ يطالب «خيرى حسن بتشكيل لجنة بحثية محايدة للوصول إلى الحق ،وتصويب الخطأ -ليس من أجل سيد درويش وحده، وهو يستحق منا إعادة حقه السليب - ولكن أيضًا من أجل الوطن وندائه ونشيده الوطنى الذى يسكن أرواحنا.