تخيل أنك تحاول التقاط طائر طنان أثناء طيرانه باستخدام الكاميرا، فقد لا تلتقط الكاميرات العادية سوى التشويش، ولكن إذا كان لديك كاميرا فائقة السرعة، فيمكنك تجميد الحركة ورؤية كل رفرفة فردية لأجنحة الطائر بتفاصيل مذهلة. الآن، تخيل أن «الطائر الطنان» عبارة عن «إلكترون»، وهو شيء صغير جدًا وسريع، ولتصوير حركته، ابتكر الباحثون بجامعة أريزونا بقيادة العالم المصرى محمد ثروت حسن، نوعًا جديدًا من المجاهر الإلكترونية، هى الأسرع فى العالم، وأطلق عليها اسم «مجهر الأوتو ثانية»، والذى يعمل مثل هذه الكاميرا عالية السرعة، وتم الإعلان عن هذا الإنجاز فى دورية «ساينس». وكما يمكن للكاميرا فائقة السرعة التقاط كل تفاصيل رحلة الطائر الطنان، يمكن لهذا المجهر «تجميد» إلكترون فى مكانه، مما يسمح للعلماء برؤيته ودراسته بطرق لم تكن ممكنة من قبل. وكما ذهب الباحثون فى الدراسة، فإن هذا المجهر الرائد لا يعطينا صورة أوضح فحسب، بل إنه يفتح الباب أمام اكتشافات جديدة بمجالات مثل الفيزياء والكيمياء وعلوم المواد، حيث سيتيح رؤية أشياء لم تكن مرئية فى السابق، وهذه القدرة الجديدة على مراقبة الإلكترونات عن كثب يمكن أن تساعد العلماء على فهم القواعد الأساسية لكيفية تصرف المادة عند أصغر المقاييس. ويقول حسن، وهوأستاذ مشارك فى الفيزياء والعلوم البصرية بجامعة أريزونا: «عندما تحصل على أحدث إصدار من الهاتف الذكى، فإنه يأتى مزودًا بكاميرا أفضل، ويشبه المجهر الإلكترونى الجديد كاميرا قوية جدًا فى أحدث إصدار من الهواتف الذكية، فهو يسمح لنا بالتقاط صور لأشياء لم نكن قادرين على رؤيتها من قبل، مثل الإلكترونات، وباستخدام هذا المجهر، نأمل أن يتمكن المجتمع العلمى من فهم الفيزياء وراء كيفية تصرف الإلكترون وحركته». تجميد الإلكترون وكانت المجاهر الإلكترونية فائقة السرعة تعمل سابقًا عن طريق إصدار مجموعة من نبضات الإلكترون بسرعات قليلة من الأوتو ثانية، وهى واحد من خمسة ملايين من الثانية، حيث تخلق النبضات بهذه السرعات سلسلة من الصور، مثل الإطارات فى الفيلم، لكن العلماء ما زالوا يفتقدون التفاعلات والتغيرات فى الإلكترون التى تحدث بين تلك الإطارات. ومن أجل رؤية إلكترون متجمد فى مكانه، نجح محمد حسن ورفاقه، لأول مرة، فى توليد نبضة إلكترون واحدة من الأوتوثانية، وهى تساوى سرعة حركة الإلكترونات، وبالتالى تعزيز الدقة الزمنية للمجهر، مثل كاميرا عالية السرعة تلتقط الحركات. واستند حسن وزملاؤه إلى الإنجازات الحائزة على جائزة نوبل لبيير أغوستينى وفيرينك كراوس وآن لوليير، الذين فازوا بجائزة الفيزياء عام 2023 بعد توليد أول نبضة إشعاع فوق بنفسجى شديدة قصيرة جدًا، بحيث يمكن قياسها ب الأوتوثانية». وباستخدام هذا العمل كنقطة انطلاق، طَوَّر حسن ورفاقه مجهرًا يتم فيه تقسيم الليزر القوى وتحويله إلى جزءين، نبضة إلكترونية سريعة جدًا، ونبضتين ضوئيتين فائقتى القصر، حيث تغذى النبضة الضوئية الأولى، المعروفة باِسم نبضة المضخة، الطاقة فى العينة وتتسبب فى تحرك الإلكترونات، وتعمل نبضة الضوء الثانية على إنشاء نافذة زمنية قصيرة يتم خلالها إنشاء نبضة إلكترون أحادية الأوتوثانية، ومن خلال مزامنة النبضتين بعناية، يتحكم الباحثون فى الوقت الذى تختبر فيه نبضات الإلكترون العينة لمراقبة العمليات فائقة السرعة على المستوى الذرى. ويقول حسن: «إن تحسين الدقة الزمنية داخل المجاهر الإلكترونية كان محط اهتمام العديد من المجموعات البحثية، لأننا جميعًا نريد أن نرى حركة الإلكترون التى تحدث فى زمن الأوتوثانية، وأصبحنا الآن، ولأول مرة، قادرين على تحقيق ذلك باستخدام المجهر الجديد، الذى ستكون له تطبيقات لا تُعد ولا تُحصى فى العديد من المجالات». أسرار العمليات الحيوية ومن بين المجالات المهمة التى سيفيد فيها المجهر الجديد، معرفة أسرار العمليات الحيوية بالجسم، فعلى سبيل المثال، فإن رؤية العين تلعب فيها الالكترونات دورًا كبيرًا. ويقول حسن: «نحن نرى عن طريق شعاع من الضوء يدخل العين ليصل إلى الشبكية التى يوجد بها إلكترونات يثيرها الضوء لتقوم بنقل إشارة للمخ حتى يفسر الصورة التى تراها العين، كما أن رصد الإلكترون سيُساعدنا أيضًا على فهم كثير من الأمراض المستعصية المرتبطة بالمخ مثل ألزهايمر».. ويوضح أنه «فى مجال إنتاج الأدوية، سيكون المجهر الجديد حاضرًا وبقوة، حيث إن تصنيع الأدوية يعتمد على تفاعلات كيميائية سنستطيع فهمها بشكلٍ أفضل والتحكم فيها بعد رصد حركة الإلكترون، لأنك لا تستطيع أن تتحكم فى شيء لا تراه».. ويضيف أنه «فى مجالات تصنيع الإلكترونيات سنتمكن من تصنيع الأجزاء الإلكترونية بمقياس النانو بالشكل الأنسب، بعد رصد حركة الإلكترونات داخل المواد المُستخدمة فى تصنيعها».