اليوم.. مجلس النواب يناقش مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد    العمل تُعلن عن 225 وظيفة خالية بإحدى الأسواق التجارية بالقاهرة    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم الأحد 15 يونيو    إسرائيل تكشف عدد الصواريخ التي اعترضتها خلال الهجوم الإيراني الأخير    كسر في الترقوة.. إمام عاشور يخضع لجراحة اليوم    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    نقابة الموسيقيين تحذر مطربي المهرجانات والشعبي بسبب الراقصات    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 15-6-2025 مع بداية التعاملات    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    حقيقة غضب وسام أبوعلى بعد تسديد تريزيجيه ضربة جزاء الأهلي    تحذير شديد بشأن حالة الطقس وانخفاض الرؤية: «ترقبوا الطرق»    جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مقر منظمة أبحاث دفاعية إيرانية    عودة القطاع الخاص تفتح خزائن الائتمان وتقود نمو محافظ الإقراض    إصابات واستهداف منشآت استراتيجية.. الصواريخ الإيرانية تصل حيفا    أنظمة عربية اختارت الوقوف في وجه شعوبها ؟    رقم تاريخي ل زيزو مع الأهلي ضد إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    إعلام إسرائيلي: مصرع 5 وأكثر من 100 مصاب جراء القصف الإيراني على تل أبيب    اليوم.. طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان مادة اللغة الإنجليزية    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    السينما والأدب.. أبطال بين الرواية والشاشة لجذب الجمهور    ذكريات مؤثرة لهاني عادل: كنت بابكي وإحنا بنسيب البيت    موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025 بالزيادة الجديدة    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    سوريا تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    حدث منتصف الليل| السيسي يبحث مع أردوغان الأوضاع الإقليمية.. وسبب ظهور أجسام مضيئة بسماء مصر    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    إصابة سيدتين وطفل في انقلاب ملاكي على طريق "أسيوط – الخارجة" بالوادي الجديد    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 15 يونيو 2025    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    شهادة أم وضابطين وتقارير طبية.. قائمة أدلة تُدين المتهم في واقعة مدرسة الوراق (خاص)    نتناولها يوميًا وترفع من نسبة الإصابة بأمراض الكلى.. أخطر طعام على الكلى    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    بدأت في القاهرة عام 2020| «سيرة» وانكتبت.. عن شوارع مدن مصر القديمة    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    أسرار صراع المحتوى «العربي - العبري» في الفضاء الاصطناعي    النيابة تدشن المرحلة الأولى من منصتها الإلكترونية "نبت" للتوعية الرقمية    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    إصابة 10 أشخاص إثر حادث تصادم 3 سيارات في دمنهور (صور)    فرصة للراحة والانفصال.. حظ برج الدلو اليوم 15 يونيو    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أسامة السعيد يكتب: مصر والسودان.. الشقيق وقت الضيق 1-3
خارج النص
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 26 - 08 - 2024

د. أسامة السعيد يكتب من بورتسودان عن 500 يوم من الألم والأمل
لا أحتاج هنا إلى مقدمة توضيحية لأسباب الاهتمام المصري بالسودان، فوثيقة الارتباط بين الشعبين والبلدين كتبها القدر على صفحة الجغرافيا بحروف التاريخ ومداد النيل الخالد، ففى كل المنعطفات التاريخية وأياً كانت الظروف التى يواجهها البلدان فلا غنى لأحدهما عن الآخر، وفى لحظات الأزمة تتجلى المواقف الحقيقية للشعبين والبلدين.
محطات عديدة يمكن الإشارة إليها لمن أراد أن يقرأ بعضًا من سطور العلاقة التاريخية بين مصر والسودان، بداية من أقدم العصور حيث كان السودان - ولا يزال - العمق الاستراتيجى الجنوبى لمصر، مرورًا بوجود كيان واحد بين الشعبين فى عهد مصر الملكية، وصولاً إلى الارتباط الوثيق بين البلدين فى مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الأجنبي.
فلم تغلق مصر يومًا بابها أمام الأشقاء، بل كانت دائمًا الملاذ الآمن لهم عندما تتلبد سماء الجنوب بغيوم الأزمات، وكان حرص القاهرة الدائم على استقرار السودان ووحدة وسلامة مؤسساته، ليس فقط التزامًا بأواصر العلاقة الطيبة والتاريخية، ولكن أيضًا وفق رؤية نابعة من نظرية الأمن القومى المصرى القائمة منذ فجر التاريخ، والقائمة على بناء علاقة مستدامة مع جيران الجغرافيا، وشركاء صناعة التاريخ.
وفى الأزمة الأخيرة التى انفجرت قبل نحو 500 يوم، لم تتردد القاهرة لحظة فى الوقوف بكل ما أوتيت من قوة وإمكانات إلى جانب الأشقاء، فكانت مصر الوجهة الأولى التى نزح إليها مئات الآلاف من السودانيين، عندما حاصرت أعمدة النار والدم سماء وأرض الخرطوم ومدنًا أخرى، لينضموا إلى نحو 5 ملايين من الأشقاء كانوا يقيمون فى مصر لسنوات طويلة بين أهلم فى أرض الكنانة.
في فترة مفصلية من عمر هذه الأيام الحاسمة فى تاريخ السودان الشقيق جاءت زيارتى إلى مدينة بورتسودان التى باتت المقر الحالى للحكومة السودانية ولمجلس السيادة، ضمن وفد صحفى مصرى سودانى مشترك للوقوف على مجمل الأوضاع هناك، الزيارة كانت حافلة بلقاءات عديدة مع مسؤولين وصناع قرار فى الحكومة ومجلس السيادة السودانية، واختتمت بمقابلة مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، والذى أشاد بعمق العلاقات المصرية السودانية، والمواقف الداعمة والمخلصة التى تقدمها القاهرة لمساندة الأشقاء فى السودان للخروج من المحنة الراهنة، ووجه الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسى ولشعب مصر على المواقف النبيلة، مؤكدًا أن مصر تقف قلبًا وقالبًا مع السودان فى محنته.
◄ امتنان سوداني عميق
الإشادة بالمواقف المصرية كانت دائمًا قاسمًا مشتركًا فى أحاديث كل من التقيتهم من كبار المسؤولين السودانيين، فهناك تقدير وامتنان عميقين للدور المصرى على كل المستويات السياسية والإنسانية، وعلى الإصرار المصرى الذى لا يقبل تنازلاً فى الدفاع عن وحدة وسلامة الدولة والشعب السوداني، والمساندة المصرية لكل جهد مخلص يقود لإنهاء الأزمة الراهنة ويجنب الأشقاء مزيدًا من الخسائر واستنزاف مقدراتهم.
ربما كان الدعم الإنساني، هو الصورة الأبرز فى تلك الفترة، لكن الجهود المصرية للحفاظ على تماسك الدولة السودانية ووحدة مؤسساتها لم تتوقف للحظة، فهذا مبدأ ثابت وقيمة لا تتخلى عنها القاهرة فى تعاملها مع الجميع، فما بالنا إن تعلق الأمر بدولة بقيمة ومكانة السودان بالنسبة لمصر.
تحركت القاهرة على عدة مستويات، منذ اللحظة الأولى للأزمة، بل أكاد أجزم بأن القاهرة حاولت استباق الوصول إلى تلك اللحظة الخطرة، إدراكًا منها لتعقيدات المشهد السوداني، فقد استضافت قبل أيام معدودة من اندلاع الصراع ورشة عمل للقوى السودانية فى «القاهرة الجديدة»، سعت من خلالها إلى توفير مناخ عمل ملائم للقوى السودانية كى تتوصل إلى توافق يجنب البلاد الفرقة والصراع.
وحتى عندما وقعت «الواقعة» فجر 15 أبريل 2023، تحركت مصر على كل المستويات السياسية والدبلوماسية والإنسانية، فأكدت مصر حرصها على وحدة السودان وأمنه وسلامة أراضيه واستقرار شعبه، وأهمية التوصل إلى تسوية دائمة وشاملة للنزاع فى أسرع وقت، كما أكدت رفضها الحاسم لأى تدخل خارجى فى الشأن الداخلى السوداني.
واستقبلت مصر خلال الأيام والأسابيع الأولى من الأزمة أكبر عدد من النازحين السودانيين، تليها تشاد وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، وخلال الشهور ال 16 الماضية من عمر الحرب لم تتوقف المساعى المصرية من أجل وقف إطلاق النار وإحلال السلام فى السودان، وربما لا يمكن إحصاء عدد الاتصالات والمقابلات التى أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسى شخصيًا وتعلقت بالأزمة فى السودان، فإلى جانب قمتين مصرية سودانية فى أغسطس 2023 ومارس 2024، كانت السودان حاضرة وبقوة على أجندة النشاط الرئاسى المصرى وجزءًا أصيلاً من الاتصالات والتحركات المصرية، ولعل الإشارة إلى التباحث بين الرئيس السيسى ونظيره الأمريكى جو بايدن مؤخرًا بشأن السودان كانت لها دلالة واضحة على أن انشغال المنطقة بالحرب فى غزة وسبل التوصل إلى تهدئة لم تحل دون الاهتمام بالشأن السودانى وسبل إنهاء الحرب هناك، ومناقشة الأمر على مستوى القمة مع جميع قادة دول العالم ذات الصلة بالأمر.
◄ رسائل خاصة للمصريين
لا أنسى كلمات الفريق أول شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة السوداني، وهو يستقبلنا فى بيته ويتحدث عن الدور المصرى بحفاوة شديدة، ويخص الأخبار بأن تنقل عنه إلى الشعب والحكومة المصرية الشكر والتقدير لما قامت به القاهرة من جهود فى إطار الرباط التاريخى بين الشعبين، ويضيف أن «الدعم الذى تلقيناه من مصر لم تقم به دولة غيرها»، مؤكدًا أن استضافة مصر لملايين السودانيين سواء قبل اندلاع الحرب أو بعدها محل تقدير بالغ من كل السودانيين، ويتابع: «نعلم أن مصر تحملت الكثير من الضغوط بسبب مواقفها الداعمة لنا ونحن ممتنون لهذه المواقف التى تعكس حجم وطبيعة العلاقات الوثيقة مع مصر والتى لا تعتمد على أفراد يتغيرون من حين إلى آخر، بل ترتكز على شعوب باقية، والشعوب تعرف جيدًا من يقف إلى جوارها بصدق وإخلاص فى أوقات الأزمات».
وزير الثقافة والإعلام السودانى الدكتور جراهام عبد القادر، والذى كان أول مسؤول نلتقيه خلال الزياة إلى بورتسودان، كانت كلماته نابعة من القلب وهو يحيى دور مصر الشقيقة قيادة وشعباً، مؤكدًا أن الوجدان المشترك بين شعبى وادى النيل هو الذى دفع السودانيين إلى التوجه للأراضى المصرية بعد الحرب وأضاف «شكرًا لمصر الكبرياء وللقيادة والشعب المصرى الشقيق».
وتقريبًا فى كل اللقاءات التى أجريتها فى العاصمة السودانية المؤقتة، كانت مصر حاضرة دائمًا على ألسنة المسؤولين السودانيين، فوزير المالية جبريل إبراهيم كرر الإشادة بدعم مصر فى توفير احتياجات الشعب السودانى من الأغذية والمساعدات الطبية فى وقت بالغ الدقة، وفى أعقاب تدمير قوات الدعم السريع لمخازن الحبوب والأدوية، وأشار إلى أن 65 فى المائة من المساعدات التى وصلت إلى السودان جاءت من دول عربية تتقدمهم مصر، فضلاً عما تقوم به الدولة المصرية من جهود سياسية للتوصل إلى إنهاء مستدام للحرب، إضافة إلى دعم المؤسسات السودانية للتعامل مع التحديات الخطيرة التى أدت إليها المعارك غير المسبوقة فى تاريخ السودان.
◄ دعم صادق وراسخ
والواقع أن مصر لا تنظر إلى السودان والأزمة الجارية فيه باعتبارها شأنًا خارجيًا، بل تنظر القاهرة إلى الحرب الراهنة بقلق بالغ، لأن مصر تدرك جيدًا خطورة هذا الصراع وتأثيره السلبى على مقدرات الشعب السوداني، فضلاً عن أن هذا الصراع يفتح المجال أمام سيناريوهات خطرة تتناوش مستقبل العمل الاستراتيجى الجنوبى لمصر، فاستمرار الصراع يفتح المجال أمام تدخلات خارجية، غالبًا ما تعقد الصراع ولا تساهم فى حله، فضلاً عن امتداد أفق الصراع يشجع جماعات وتنظيمات على الدخول على خط الأزمة، وهذا حدث بالفعل من خلال دخول أعداد هائلة من المرتزقة والعناصر الإجرامية إلى الأراضى السودانية بحثًا عن فرصة للسرقة والنهب، وعلى حد وصف أحد القادة العسكريين الذين التقيتهم فى بورتسودان، فإن تدفقات هؤلاء المرتزقة من بعض دول جوار السودان أشبه ب»الجراد» على حد وصفه، فأعدادهم هائلة، ويموتون بالآلاف، ومع ذلك يواصلون التدفق إلى الأراضى السودانية بحثًا عن فرصة لنهب ثروات المواطنين السودانيين، وربما بحثًا عما هو أكبر بإقامة كيان مستدام لهم على الأراضى السودانية، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على أمن واستقرار الإقليم برمته.
تأثير دخول عصابات الجريمة المنظمة والجماعات المسلحة وانتقالها من مناطق الغرب الأفريقى والساحل والصحراء إلى السودان مهدد خطير للأمن الإقليمي، لا سيما وأن تلك الجماعات تجد فرصًا للتمويل والإمداد بالعتاد والسلاح الأمر الذى يتسبب فى زعزعة استقرار المنطقة، وإخراج السودان من معادلة القوى الفاعلة فى الإقليم.
وإذا ما نظرنا إلى طرفى الخريطة شرقى وغربى السودان، وما تموج به المنطقتان من وجود للميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، فإن استشعار القلق يبدو كبيرًا بالنظر إلى خطورة الموقف، خاصة أن الحدود المصرية السودانية حدود طويلة وممتدة، ومن ثم فإنه لا بديل عن تعزيز قدرات المؤسسات السودانية والحفاظ على وحدة واستقرار الدولة والمؤسسات كى يمكنها القيام بدورها فى حماية أمن السودان والسودانيين فى المقام الأول، والاضطلاع بمسؤولياتها فى حفظ الأمن والسلم الإقليمى فى المقام الثاني.
الأزمات فى البحر الأحمر ليست ببعيدة أيضًا عن السودان، وهذا الملف يمثل أولوية أيضًا بالنسبة لمصر، فالسودان يمتلك سواحل يصل طولها إلى 750 كم تقريبًا على البحر الأحمر، بداية من الحدود السودانية الإريترية جنوبًا، وصولاً إلى الحدود مع مصر شمالاً، وهو ما يجعل الشواطئ السودانية واحدة من أطول السواحل على البحر الأحمر، الأمر الذى يجعل من السودان طرفًا مهمًا فى تأمين عمليات الملاحة فى هذا الممر الهام، والذى كانت كتب الجغرافيا تتباهى بأنه «بحيرة عربية»، لكن ثمة محاولات حاليه لتغيير تلك الحقيقة التى استقرت لآلاف السنين.
ومن هنا فإن الدعم المصرى للسودان، هو دعم صادق وراسخ، وينطلق من محددات الأمن القومى ومن ثوابت السياسة المصرية التى ترتكز على احترام سيادة واستقرار الدول، وعدم التدخل الخارجى فى شئونها الداخلية، كما تستند السياسة المصرية إلى أهمية تعزيز كيان الدولة الوطنية، وعدم السماح بتهديد هذا الكيان لصالح تنظيمات أو ميلشيات دون الدولة، والحقيقة أن تلك المواقف الواضحة ضمنت للدور المصرى مصداقية كبيرة على المستويين الإقليمى والدولي، خاصة أن التجارب أثبتت صحة وعمق الرؤية المصرية، فالرهان على تمكين ميلشيات أو تنظيمات أثبت أنه «لعب بالنار» فى منطقة مليئة بأسباب وعوامل الاشتعال مثل منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى لا سبيل لضمان الأمن والاستقرار الإقليمى إلا بتعزيز قدرة الدولة الوطنية ومؤسساتها على التعامل مع التحديات، وهذا ما أكدته مصر فى مختلف الأزمات التى تشهدها دول المنطقة فى ليبيا وسوريا والسودان وغيرها.
◄ دور لا غنى عنه
وأتصور أن الدور المصرى فى الأزمة السودانية - بل وفى كل ملفات المنطقة - لا غنى عنه لا حاليًا ولا مستقبلاً، فمصر لديها من العلاقات مع مختلف الأطراف سواء داخل السودان أو فى المحيطين الإقليمى والدولى ما يمكنها من لعب دور حميد وميسر لسبل إنهاء الحرب، ولعل ما قامت به مصر من استضافة قمة دول جوار السودان فى يوليو من العام الماضى يمثل واحدًا من المسارات الحيوية والجهود الدؤوبة التى تبذلك حاليًا للتوصل إلى تسوية للصراع، فضلاً عن انفتاح مصر على مختلف القوى السياسية السودانية ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع، فقد التزمت مصر دائمًا بثوابت راسخة فى هذا الصدد، وهو اعتبار كل ما يجرى على أرض السودان شأن سودانى خالص، لا تتدخل فيه، وإنما يمكنها أن توفر الأجواء المناسبة لحوار سوداني- سودانى بناء.
وهذا ما حدث على مدى السنوات الماضية، سواء قبل اندلاع حرب 15 أبريل أو بعدها، فمنذ أسابيع استضافت القاهرة أوسع لقاء سياسية للقوى السودانية منذ اندلاع الحرب، وشارك وزير الخارجية المصرى د. بدر عبد العاطى فى جلستى الافتتاح والختام للقاءات السودانية، وكانت له كلمة قوية أوضح فيها أن «أجندة مصر واضحة بخصوص الوضع فى السودان، وتتضمن الحفاظ على وحدة وسيادة السودان وسلامة أراضيه، والحفاظ على أرواح السودانيين التى تراق يومياً».
وأصرت الدولة المصرية على عدم حضور المشاورات التى عُقدت فى المؤتمر، حيث ضمت اللقاءات السودانيين فقط، كتأكيد لا يتزحزح على إيمان مصر بأن الحل يجب أن يبقى سودانيًا، وأنه لا سبيل لإنهاء أزمات السودان إلا بإرادة أبنائه فى المقام الأول والأخير.
رهان السودانيين على مصر ودورها المخلص فى دعمهم ومساندتهم لا يقتصر - كما استمعت فى بورتسودان- على إنهاء الحرب، فهناك ثقة فى أن تلك الحرب ستنتهى يومًا ما يرجونه ونأمله قريبًا، لكنه يمتد إلى ما بعد الحرب، فالجميع يدرك حجم ما خربته تلك الحرب الكارثية، وما يحتاجه السودان فى مرحلة ما بعد الحرب من مساندة ودعم من جانب الأشقاء فيما يتعلق بإعادة الإعمار، وقد استمعتُ إلى إعجاب متكرر بتجربة مصر التنموية وحركة العمران التى تشهدها كل ربوع مصر فى العقد الماضي، وهو ما يأمل السودانيون أن يروه يومًا ما على أرضهم بمشاركة الشركات والمؤسسات المصرية التى باتت تحظى بسمعة عالمية فى تنفيذ المشروعات العمرانية وكفاءة تجوب الأفاق.
حفظ الله مصر والسودان ... وأنعم على منطقتنا بنسائم من الاستقرار والهدوء بعدما عصفت بجنباتها أعاصير الاضطرابات، ونواصل قراءة الواقع السودانى فى ظل الحرب الراهنة غدًا بمشيئة الله.
◄ رجال السفارة المصرية.. أبطال فوق العادة
يستحق رجال السفارة المصرية فى السودان، بقيادة الدبلوماسى النشط والمتميز السفير هانى صلاح، كل التحية والإشادة، فهم بالفعل أبطال فوق العادة، وخاصة أنهم عملوا فى فترة بالغة الدقة والخطورة عقب اندلاع الحرب فى السودان، وقادوا ما يمكن أن نصفه بأنه «ملحمة دبلوماسية» حقيقية، فرغم المخاطر التى كانت تتهدد جميع العاملين فى السفارة، إلا أنهم واصلوا الليل بالنهار، ليس فقط لإجلاء آلاف المصريين من عدة مدن سودانية، بل لإصدار عشرات وربما مئات الآلاف من تأشيرات الدخول للأشقاء السودانيين، وهو ما كان يفوق قدرة الأجهزة القنصلية التى كانت تصدر شهريًا فى الأحوال الاعتيادية بضع مئات فقط من تأشيرات الدخول، فإذا بها تفاجأ بأن عليها أن تصدر آلافًا عديدة فى أيام معدودة.
ليس هذا فقط، بل كان على الأجهزة القنصلية المصرية أن تتعامل أيضًا مع آلاف من طلبات الدخول لمصر من جانب الأجانب الفارين من القتال، ولم تقصر الأجهزة والمؤسسات المصرية فى الوفاء بالتزاماتها، وظلت طيلة شهور الحرب - ولا تزال- هى الباب المفتوح أمام الأشقاء السودانيين، بعدما أغلقت سفارات وقنصليات معظم دول العالم أبوابها، لكن مصر ما كان لها أن تغلق بابها، فانتقلت السفارة بصورة مؤقتة إلى مدينة بورتسودان، وواصلت العمل ليل نهار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.