يقول المثل العامى «العيا مر» لمن لا يحب رقدة الفراش وغير متعود عليه، و«الأنفلونزا» اللعينة عندما تمسك بجسد المريض، تهد بدنه وكيانه وتجعله يشعر بمناشير تطحن عظامه وترفع درجة حرارته بما يجعله يهذى بكلمات وخطرفة لا يفسرها من يتولى رعايته، وتجعله يئن من الصداع والآلام ورعشة الشعور بالبرد رغم السخونة والتعرق، كل هذا أتت به الأنفلونزا لأديبنا وكاتبنا الصحفى الكبير إحسان عبد القدوس، اتصلت به تليفونياً فكان صوته واهناً، وعدنى أن يتصل بى عندما تتحسن حالته، وبعد 7 أيام تلقيت اتصاله ليطمئننى عليه سامحاً لى بالزيارة. اقرأأ يضا| كنوز| 126 شمعة لأمير البؤساء وشاعر الصعاليك إحسان عبد القدوس لزم الفراش رغم أنه معروف عنه أنه من الذين يعملون أكثر من 14 ساعة فى اليوم، كثير التدخين وشرب القهوة، والأنفلونزا حرمته من السجائر الأمريكية والبن المحوج الفاخر، ذهبت لمنزله وقادتنى السيدة الفاضلة زوجته من صالون الضيافة لغرفة نومه وهى تقول: «الأنفلونزا بهدلت الأستاذ وراقد فى السرير». فقلت: «ألف سلامة لأستاذنا الغالى»، كانت المرة الأولى التى أرى فيها غرفة نوم الأستاذ، الحجرة أنيقة للغاية وديكوراتها بسيطة وجميلة، أعلى السرير رفان من الكتب والروايات الأجنبية، وراديو صغير، وساعة صغيرة، وكوميدينو على يسار السرير يحمل تليفوناً أبيض، وعلبة مارون جلاسيه، وأباجورة صغيرة، وقلم غريب الشكل قال لى إحسان إنه هدية من أبو العمارة المهندس سيد كريم. كان إحسان يرتدى بيجامة صوف يظهر من أسفلها بلوفر، ووجدته متدثراً ببطانية تميل لزرقة السماء، وقد انكمش مستسلماً ليدى ولديه محمد وأحمد، أحدهما يضع فى فمه ترمومتر قياس الحرارة، والآخر يعطيه جرعة من الدواء، حاول الأستاذ أن ينهض من تحت الغطاء ليحيينى، فقلت له: «سلامتك»، وصلنى صوته ضعيفاً وهو يقول: «الأنفلونزا يا سيدى هلكتنى 7 أيام.. بس الحمد لله.. اليوم أحسن كتير.. وإلا ما كنتش ها اسمح لك بزيارتى تحاشياً للعدوى». قلت: «انفلونزا لعينة لا تعرف الحب مع أمير الحب.. بالتأكيد هزمتها بالحب الذى تروج له؟». اعتدل الأستاذ وأسند رأسه على مؤخرة السرير وهو يقول: «نعم.. قاومتها بالحب.. العلاج الدوائى يقاوم أعراض المرض مثل: السخونة والصداع والوجع الشديد الذى يمسك بالجسم، لكن لا تنسى أن علاج الروح التى تقوى الإرادة لمقاومة المرض تحتاج لدواء آخر اسمه الحب». قلت: «ما تقوله توصيف جديد لعلاج المرض.. لم أسمع به فى «روشتة» أى طبيب !» قال: «الطبيب الذكى هو من يرفع من الروح المعنوية للمريض.. وتعطيه بالابتسامة روح التفاؤل والثقة التى تعينه على مقاومة المرض بالعلاج، والحب يقدمه له كل المحيطين به.. وعلى سبيل المثال فحب زوجتى.. وحب أولادى جعلنى أتحمل طعم الدواء المر ووخز الأبر، والرقد فى سريرى بالبيت، وحبى لأولادى، وحبى لزوجتى، وحبى لعملى، جعلنى أتحمل ملازمة الفراش التى لم أتعود عليها فى حياتى، الحب هو الذى جعلنى أقاوم الميكروب، ولا أستسلم له لكى لا يحتل جسدى وروحى ونفسى طويلاً». تنهد أمير الحب والرومانسية واستكمل كلامه قائلاً: «من قوة إيمانى بالحب، خُيل لى أننى استرديت عافيتى بعد ثلاثة أيام من المرض وتخيلت أن العلاج فعل مفعوله، فقمت من السرير وظللت أروح وأجيء فى الشقة ، وزوجتى وأولادى يقولون لى «ارتاح»، بصراحة لم اطق رقدة السرير أكثر من هذا فارتديت ملابسى، وذهبت إلى «روزاليوسف» وجلست إلى مكتبى وأمسكت بالقلم لكى أفرغ به أفكارى على الورق، وأردت أن أباشر بعض أعمالى الإدارية لكنى أحسست فجأة وكأن الميكروب اللعين ما زال ممسكاً بى فشعرت بدوار وسخونة، وتيقنت لحظتها أننى ما زلت مريضاً ولم أتعاف كما كنت أظن، وندمت على أننى أرهقت نفسى ولم أستمع لمحبة زوجتى وأولادى، فعدت فوراً إلى البيت وأنا أشعر أن ما بذلته من جهد خارج السرير ضاعف من وطأة الانفلونزا فرجعت لملازمة الفراش، مكرهاً لا بطلاً، وأنت تعرف أننى عصبى، إذا مرضت فلا أستسلم للفراش، وأظل أسير على قدمى حتى أقع من طولى، وأنُقل إلى المستشفى، وأكره أن أرقد على سرير بلا عمل أو حركة أو تفكير، لأننى لم أكن قد عرفت حب زوجتى وحب أولادى بعد، أما الآن، فلفحة الانفلونزا التى ألزمتنى الفرش، جعلت ما ألقاه من حب فى بيتى، يهون على مرارة المرض والعلاج معاً.. الحب مهم جداً. وأستطرد الأستاذ إحسان قائلاً: «ما دمت تؤمن بالله، فإنك تستطيع أن تتغلب بذكره وبإيمانك على كل المشاكل والأمور.. الله هو الحب الكامل فى حياة المؤمن». ووجدت إحسان يجول ببصره نحو الصور المعلقة على جدران غرفته وهو يقول: «هذه الصور تمثل ذكرياتى، وكلها ذكريات جميلة، وضعتها فى غرفتى لكى أراها عندما أفتح عينى كل صباح، وكل مساء عندما أعود لفراشى، فأقرأ فى الذكريات ما تحمله من حب لنفسى وزوجتى وأولادى ومشوار حياتى، وأقرأ فيها كل عمرى، وعمرى أنا كله جمال وحنان، وحب». قلت: «هل هذا يعنى أن حياتك خالية من الدموع والآلام والأوجاع؟». قال: «لا، عمرى ليس خالياً من الدموع، والمتاعب والفقر، لقد قاسيت فى عمرى كثيراً، فأنا إنسان مثل كل الناس، ربما أكون قد قاسيت أكثر مما قاساه الكثيرون من الشباب، ولأننى لا أحب الفقر، فقد استطعت أن أصنع من الفقر جنة، ومن الدموع بسمات، ومن الشقاء سعادة». قلت له: هل أتاحت لك فترة المرض أن تقرأ؟ قال: طبعاً.. كنت أتصفح عناوين الصحف والمجلات يومياً على قدر ما أستطيع، قرأت فصلاً من مسرحية «الذباب» لسارتر، وقصة «سقوط إدوارد برنارد» لأستاذ القصة القصيرة «سومرست موم»، وكلما أوحشتنى والدتى المرحومة فاطمة اليوسف أتصفح كتابها «ذكريات» الذى أرى فيه بين السطور ابتسامتها ودموعها وحنانها وعنادها، وأعود طفلاً صغيراً، صدقنى لم أشعر أننى كبرت وشاخ عمرى إلا يوم وفاتها، يومها شعرت أنه لم يعد من حقى أن أقول كلمة «ماما».. الكلمة التى تجعل الإنسان يشعر أنه ما زال طفلاً صغيراً». رن جرس التليفون، فرفع السماعة وأتاه صوت نسائى جميل يقول: «أستاذ إحسان ؟» قال: «ايوه أنا». سمعتها تقول: « يا أستاذ إحسان أنا تعلمت الحب من رواياتك وغرقت فيه». ابتسم وهو يقول : «طيب .. وماله هو الحب عيب؟. سمعتها تقول: «يعنى ربنا ما بيزعلش لما نغرق فى الحب.. اصلهم بيقولوا الحب عيب وحرام ؟»! نظر لى وهو يجيبها: «ازاى بقى .. إذا كان الله هو الحب نفسه، بشوقه ولهفته.. الله هو نبع الحب.. وهو من دعانا إلى أن نحبه ونحب الطبيعة وكل ما خلقه فى الكون.. وأن نحب الآخرين كما نحب أنفسنا.. ولو كنا نعرف كيف نحب لكان العالم كله يعيش الآن فى سلام.. وليس هناك شيء أقوى من الحب.. أنا شخصياً أؤمن بأن الحب هو الله، وليس ما هو أقوى من الله.. بالحب اخترت زوجتى.. وبالحب أنجبت أولادى.. وبالحب أفُنى ذاتى من أجلهم.. يا سيدتى الأنانية هى التى تقتل الحب.. وتقتل فينا كل شيء جميل». وهنا تملكت «الكحة» من الأستاذ إحسان، فقال له ابنه أحمد وهو يقدم له جرعة من الدواء: «كفاية كلام يا بابا، انت اتكلمت كتير وعلشان كده بتكح»، اعتذر الأستاذ للمتصلة بأنه مريض ومرهق، ورأيت أن أستأذن أنا أيضاً لكى لا أزيد إرهاقه متمنياً له سرعة الشفاء». جميل الباجورى «الهلال» - 12 مارس 1959 بيرم التونسى يطالب ببوليس للتهذيب كأنك يا عم بيرم ما زلت تعيش بيننا الآن.. وكأنك ترصد الانفلات الأخلاقى فى شوارعنا فى الفترة الأخيرة كما رصدتها فى زمنك.. وكتبت عنها مندداً بهذه السلوكيات المرفوضة.. مطالباً بتنفيذ القانون من خلال « بوليس للتهذيب» فقلت: عهد النصايح فات.. ولابد من غرامات. يدفعها بعض ناسات.. ناقصين أدب وكمال. كسبابين الدين.. والملة والوالدين. وبصاقين ملايين.. يرموا يمين وشمال. ومن نطق فى طريق.. بأى لفظ بذىء. يدفع كده ع الريق.. عن كل كلمة ريال. والناس تكون فى طابور.. يخش واحد طور. عايز يخطى الدور.. دا تغرمه فى الحال. واللى يروح سينمات.. بعهعهه وآهات. يدفع عشر شلنات.. ومن المكان يتشال. والراديو مين علاه.. والميكرفون وياه. ماله فى شرع الله.. على الحكومة حلال. فرق بوليس يا أديب.. اسمه بوليس تهذيب. مش من ذوى الجلاليب.. ولا رقابى طوال. أقلها كركون.. يلم لك مليون. بوصل أو بكوبون.. وابعت لبيت المال». بيرم التونسى دول العالم تشكو من التضخم ابن البلد: مين ده اللى بيعيب على التضخم .. أموت أنا فى التضخم ! الحب من أول نظرة بين فاتن حمامة وعمر الشريف أول مرة رأيت فيها النجمة فاتن حمامة أثناء زيارة لى لأستديو التصوير ويومها لاحظت عليها الرقة والبساطة الشديدة، ومضت الأيام وأتيح لى أن أقف أمام فاتن فى فيلم «صراع فى الوادى» ويومها امتلأت رهبة من الموقف، ولكن عندما التقيت بها فى غرفة الماكياج وبادلتها التحية استطاعت بلباقتها وبساطتها أن تشعرنى بأن معرفتنا ليست وليدة الساعة، وبثت فى نفسى أننا زميلان متكافئان، وأنستنى أننى أعمل لأول مرة أمام الكاميرا، ولم يمضِ أسبوع واحد على العمل معاً فى الفيلم حتى توطدت صداقتنا، فكنا نتحدث فى الشئون الفنية، وربطت المقادير بين قلبينا برباط الحب الذى توجناه بالزواج، فكانت أسعد لحظات حياتى التى ضغطت فيها على يد فاتن بعد عقد القران وأنا أقول لها: «مبروك زواجنا» وقبل أن أتزوجها سألنى يوسف شاهين: «ما رأيك فيها» فقلت: إننى لا أعتقد أن هناك ممثلة عظيمة كهذه الفنانة. وبعد أن عدت مع فاتن من باريس بعد شهر العسل، سألنى صديق: ما رأيك فى الزواج ؟، فقلت : إننى أسعد زوج فى الوجود، ومضت الأيام وأنا ما زلت على أن فاتن أعظم فنانة وأنها أكمل زوجة، وكلما أشرق علينا يوم جديد طالعتنى بسعادة جديدة، ونجاح فاتن على الشاشة يرجع إلى فهمها الدقيق للطبيعة البشرية، وهناك مواقف لم تتعرض لها فاتن فى الحياة، ولكنها إذا طُلب اليها أن تمثلها أتقنت أداءها بصورة تدعو إلى الدهشة، ويرجع هذا إلى صدق فهمها للطبيعة البشرية وإلى إحساسها بالإنسانية إحساساً بالغ الدقة، وفى فاتن ميزة قل أن تحظى بها فنانة أخرى، فهى دقيقة الحكم ولا تخدع نفسها أو تجاملها، وهى تشاهد أفلامها عدة مرات قبل عرضها على الجماهير، وتدون ملاحظاتها ونقدها لنفسها فى ورقة صغيرة غير متساهلة فى أية هفوة، وأذكر أننى سمعتها مرة ونحن نشاهد أحد أفلامها فى عرض خاص، تقول لنفسها: «ليه الحركة دى؟ ماكانش لها لزوم أبداً!». فقلت لها فى دهشة: حركة إيه ؟ قالت: «الكلمة دى.. اللى كتير بغلط واقولها فى الأفلام»، قالت هذا فى بساطة، وفى إيمان الناقد الواثق من قدرته على وزن العمل الفنى بميزان دقيق، ولاشك أن فاتن تدرك عن يقين أنها ممثلة عظيمة وموهوبة، بل وعبقرية، ومع هذا فهى لا تسمح لنفسها بأن يتسلل إليها الغرور، وتقابل النجاح والتصفيق والهتاف بابتسامة رضا بعيدة عن الكبرياء، تقابلها كنتيجة طبيعية لما بذلت من جهد، وفاتن كزوجة فيها من المزايا ما لا يجتمع بعضه فى عشرات من السيدات، فيها النعومة الرقيقة والحنان الفياض والأنوثة الساحرة والابتسامة الجذابة التى تقابلنى بها دائماً، ولم تخذل تفاؤلى أبداً. وأروع ما فى فاتن الزوجة أنها تبعث الأمل فى صدرى فى أدق المواقف حرجاً، وتطرد اليأس فى أشق الظروف فهى كالشمس تشرق فتبدد وحشة الظلام، ولا أنكر أن فاتن تغار أحياناً ولكن غيرتها مبصرة، وقد تكشر عن أنيابها، ولا تخرج عن طبيعتها السمحة الطيبة الخيرة، ومن أبرز عيوبها الوسوسة فيما يتعلق بفنها، فهى تفكر ألف مرة قبل أن توافق على فيلم يُطلب منها تمثيله، فهى ترهق نفسها فى قراءة السيناريو قبل أن توافق عليه، وأعتقد أن هذا العيب له ما يبرره، فهى لم تصل لمكانتها إلا بجهد شاق قطعته بصبر وإيمان، لأنها لا تريد أن تهبط عن هذه المكانة وتنشد الكمال، إننى فخور بفاتن الفنانة، الزميلة، والزوجة، لأنها جديرة بما نالته من تقدير جمهورها ومحبيها وعشاق فنها، وما أسبغته الدولة عليها من تقدير. عمر الشريف «الكواكب» - 2 أغسطس 1960 الحرب وبنات البحر بقلم: جبران خليل جبران فى أعماق البحر الذى يحيط بالجزائر القريبة من مطلع الشمس .. هنالك فى الأعماق حيث الدُّرُّ الكثير .. جثة فتى هامدة بقربها بنات البحر ذوات الشعور الذهبية .. قد جلسنَ بين بنات المرجان ينظرن إليها بعيونهن الزرقاء الجميلة ويتحدثن بأصواتٍ موسيقية. حديثًا سمعته معظم صفحة البحر وأعماقه فحملته الأمواج إلى الشاطئ .. فجاء به النسيم إلى نفسى. قالت واحدة : هذا بشريٌّ هبط بالأمس إذ كان البحر شديد الغضب. قالت الثانية : لم يكن البحرغاضباً .. ولكن الإنسان الذى يدَّعى بأنه من سلالة الآلهة .. كان فى حربٍ حامية سُفكت فيها الدماء حتى صار لون الماء قرمزيًّا .. وهذا البشريُّ هو قتيل الحرب. فقالت الثالثة : لا أدرى ما هى الحرب .. ولكنى أعلم أن الإنسان بعد أن تغلَّب على اليابسة طمع بالسيادة على البحر .. فابتدع الآلات الغريبة .. وجرت فى البحر بدفع الماء .. فانتفض نبتون إله البحار وغضب من هذا التعدِّى .. فلم يرَ الإنسان بُدًّا إذ ذاكَ من إرضاءِ مليكنا بالذبائح والهدايا .. فالأشلاء التى رأيناها بالأمس هابطة هى آخر تقدمة من الإنسان إلى نبتون العظيم. قالت الرابعة : ما أعظم نبتون ! ولكن ما أقسى قلبه ! لو كنتُ أنا سلطانة البحار لما رضيت بالذبائح الدموية .. تعالَيْنَ لنرى جثة هذا الشاب .. فربما أفادتنا شيئًا عن طائفة البشر. اقتربت بنات البحر من جثمان الشاب وبحثنَ فى جيوب أثوابه .. فعثرنَ على رسالة فى الثوب الملاصق لقلبه. أخذت الرسالة واحدةٌ منهن وقرأت : يا حبيبى .. ها قد انتصف الليل وأنا ساهرة .. وليس لى مُسَلٍّ غير دموعى ولا مُعَزٍّ سوى أملى برجوعك إليَّ من بين مخالب الحرب .. ولا أقدر أن أفتكر إلا بما قلتَهُ لى عند الوداع بأن عند كلِّ إنسان أمانة من الدم لا بدَّ من ردِّها يومًا .. لا أدرى يا حبيبى ماذا أكتب ؟ بل أترك نفسى تسيل على الورق .. نفسٌ يُعذبها الشقاء ويُعَزِّيها الحب الذى يجعل الألم لذة .. والأحزان مسرَّة. عندما وحَّدَ الحبُّ قلبَيْنَا وصرنا نتوقع ضم جسمين تَجُولُ فيهما روحٌ واحدة نادتكَ الحرب .. فاتَّبعتها مدفوعًا بعوامل الواجب والوطنية. ما هذا الواجب الذى يُفَرِّق المحبين ويُرَمِّل النساء ويُيَتِّم الأطفال ؟ ما هذه الوطنية التى من أجل أسبابٍ صغيرة تدعو الحرب لتخريب البلاد ؟ ما هذا الواجب المحتوم على القروى المسكين .. والذى لا يحفل به القويُّ وابن الشرف الموروث ؟ إذا كان الواجب ينفى السلم من بين الأمم .. والوطنية تزعج سكينة حياة الإنسان فسلامٌ على الواجب والوطنية. لا .. لا يا حبيبى .. لا تحفل بكلامى بل كُن شجاعًا ومُحِبًّا لوطنك. ولا تسمع كلام ابنة أعماها الحب .. وأضاعَ بصيرتها الفراق. إذا كان الحب لا يرجعكَ إليَّ فى هذه الحياة .. فالحب يضمنى إليك فى الحياة الآتية. وضعتْ بنات البحر تلك الرسالة تحت أثواب الشاب .. وسبحنَ بسكينةٍ مُحزنة .. ولمَّا بعدنَ قالت واحدةٌ منهنَّ : إن قلب الإنسان أقسى من قلب نبتون. من كتاب «فى عالم الرؤيا» ما أحمق الإنسان، يجعل من حياته سلسلة أحزان لأوهى الأسباب فى دنيا ليس بها ما يستحق الحزن. يوسف السباعى