جريمة الاغتيال فى حد ذاتها كشفت عن عيوب وخروقات جسيمة فى منظومة التأمين الإيرانية وعن نفاذ خطير لشبكات التجسس الإسرائيلية فى الجمهورية الإسلامية. بينما تنفست بعض الدول الصعداء فى أن جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية لم تتم على أراضيها، بعد أن كانت عدة عواصم عربية مرشحة لاستهداف حياة هنية فيها، تلقت إيران صفعة استخباراتية قوية بتنفيذ الجريمة على أراضيها. صحيح أن للموساد تاريخًا أسود فى تنفيذ عمليات القتل المستهدف للقيادات الفلسطينية على أراضى دول عربية مثل الإمارات وتونس ولبنان، لكن فى حالتنا هذه كانت عين الموساد منذ البداية على إيران لأن تنفيذ الجريمة على أراضيها يحقق حزمة من الانتصارات المجمعة الصغيرة بخلاف الهدف الأساسى بالتخلص من قيادات حماس المتواجدين خارج الأراضى المحتلة وذلك بناء على توصيات أمنية من خبراء إسرائيليين. ولا شك أن هذه الجريمة الأخيرة أوقعت إيران فى حرج دولى بالغ خاصة وأن لها تاريخًا وتجارب عديدة من عمليات اختراق الموساد الإسرائيلى لها سواء بعمليات اغتيال أو بالاعتداء على سيادتها بسرقة الأرشيف النووى الإيرانى، جعلت منظومة الاستخبارات الإيرانية تبدو كالغربال واسع الثقوب لذلك أثق أن السؤال الأساسى الذى يشغل السلطة فى إيران الآن ليس كيف قتل إسماعيل هنية، بقدر ما هو من الذى تعاون مع الموساد الإسرائيلى من بين الأجهزة الأمنية الإيرانية، وكم عددهم وما هى رتبهم، وما هو مستوى نفوذهم، وهل لهم علاقة بإسقاط طائرة الرئيس الإيرانى الراحل إبراهيم رئيسى؟ ما هى العملية القادمة وما هى أهدافها؟ خاصة وأن المجموعة المسئولة عن حماية هنية هى نفس المجموعة التى تحمى كبار المسئولين فى إيران، بما فى ذلك الرئيس الإيرانى». بعيداً عن نظرية المؤامرة، أكاد أزعم أن بعض الأسئلة السابقة تجد إشارات لإجابتها فى مسلسل درامى إسرائيلى بعنوان «طهران» أذكر أنى شاهدته قبل بضع سنوات بثته شبكة «كان» على مدى موسمين فى 2020 و2021 وتأجلت إذاعة موسمه الثالث بسبب الحرب على غزة، المسلسل ناطق بثلاث لغات العبرية والفارسية والإنجليزية ويحكى عن عمليات الموساد فى إيران مستعيناً بشبكة واسعة من العملاء بعضهم من الداخل والبعض الآخر تم استقدامه من إسرائيل كدور بطلة المسلسل عميلة الموساد التى ولدت فى إيران وهاجرت فى طفولتها مع أسرتها إلى إسرائيل لكنها تتذكر اللغة الفارسية وإن كانت تنطقها بلكنة غريبة تكاد تكشفها فى بعض المواقف، كما قد بقيت لها جذور عائلية فى إيران كخالتها التى تحولت إلى الإسلام. وتزوجت مسلماً ذا مكانة عالية فى منظومة القضاء ويتعرض هو وزوجته للإعدام بعد انكشاف أمر الجذور اليهودية لزوجته وإخفائها لابنة شقيقتها واتهامها هى وزوجها بالعمالة لإسرائيل والتورط فى قتل نائب رئيس الحرس الثورى الإيرانى. على أرض الواقع وبصرف النظر عن تضارب الروايات حول طريقة اغتيال هنية سواء بصاروخ ذكى موجه فى العملية المعقدة قادم من إحدى دول الجوار أو بقنبلة مزروعة قبل شهرين فى المكان ولم يتم تفعيلها إلا عند التأكد من تواجد هنية فى مقر إقامته، فما لا شك فيه أن جريمة الاغتيال فى حد ذاتها كشفت عن عيوب وخروقات جسيمة فى منظومة التأمين الإيرانية وعن نفاذ خطير لشبكات التجسس الإسرائيلية فى الجمهورية الإسلامية وقدر كبير من التهاون والأريحية حتى من المغدور نفسه وطاقمه الأمنى رغم المخاطر المعروفة التى هددت حياته، ولاسيما أن مجمع سعد آباد الذى كان يقيم فيه هنية يضم عددًا من القواعد العسكرية والأمنية التابعة لفيلق القدس ومنتجعات ومجمعات طبية، وأقام هنية فى دار الضيافة التابعة لقاعدة الإمام على التابعة لفيلق القدس. والمفترض أنه مجمع آمن للغاية، ومن المعروف أن هنية اعتاد الإقامة فيه عندما يزور إيران مما يستدعى بالضرورة قدرًا أكبر من الحيطة والحذر وكان معروفًا عن الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات أنه لا يمكث فى مكان واحد ليلتين متتاليتين، وكان يغير مساره بشكل مفاجئ.