هدى عبد الحليم حين ما ألحت القصة الأولى لهذا العمل «سماء بلون اللافندر»، لم أكن مهمومة بقضية ما، أو متأثرة بموقف عبر بخيالي، وشئت أن أسجله أو أرسمه عبر قصة، هى قصة هادئة ناعمة رغم أزمة بطلتها التى فرضت عليها، كتبت «سماء بلون اللافندر» وعند نهايتها التى لم تكن أبدا حزينة أو موجعة، شعرت وكأننى بهذه النهاية منحت « فيروز» حياة بلون اللافندر. ثم مرت بى فترة طويلة، شغلتنى فيها فكرة الموت، ارتباطه باللون الأسود، رغم لون الكفن الأبيض، وهذا التناقض الغامض، وجدت شخصية «سعاد « ترتسم أمامي، لا تفارقنى. تلك الطفلة التى اختارت أن تعمل مغسلة للموتى، ما الذى دفعها لهذا؟ ما الذى جذبها لأن تعرف كل شىء عن ؟ ولم ظلت لسنوات ترتدى لونا أبيض وكأنها تحيا داخل كفن أبيض؟ ولم تكره اللون الأسود؟ فأكتب «أبيض هو لون الموت» ثانى قصص العمل والذى كنت قد قررت ألا يزيد عن خمس قصص، فهذا العمل هو الذى قررت أن أبدأ به هذا الشكل الأدبى الذى وجدت نفسى أتبعه دون أن أعرف وهو أن ألا تكون القصة قصيرة ، أن تمنح القارىء أحداثا، وحبكة، وشخصيات مرسومة بدقة ووضوح، وألا يتجاوز عدد القصص التى يطرحها العمل خمس أو ست قصص لا أكثر فى كل عمل. «قميص أسود» القصة الثالثة فى العمل، تناغمت مع بداياته، حيث حملت رمزية اللون الأسود، هذا اللون الذى دارت حوله القصة، مع ناصر ومنصور ، التوأم، من منهما كان ناصرا ومن كان منصورا ؟ هل كون إحدهما ضحية يعنى – وبالتالى – كون الآخر هو الجانى؟ ليبقى سؤال من هو حقا الجاني؟ من الذى قتل؟ ومن الذى قُتل حقا؟ ناصر أم منصور؟ وتستمر الألوان لتلعب دورا فى قصة «بقعة خضراء داكنة»، حيث يجلس الأستاذ عزت، معلم اللغة العربية الستينى، والذى تصدمه سطور كتبها طالب مراهق عن مقتل أمه أمام عينيه، عن أب وحشى شهوانى يحاول بعد أن قتل زوجته أن يسيطر على ابنه المراهق بطرق لا تتناسب إلا مع وحشيته وشهوانيته. سطور تصدم هذا المعلم، ما الذى يمكن أن يفعله؟ هل من نجاة كُتبت لهذا الصبى المراهق من مصير يشبه مصير أمه حين قرأ هذا المعلم سطوره؟ أم أن بقعة خضراء داكنة يراها هذا المعلم ستحسم الأمر بصورة غامضة! وعن الغياب، عن التعلق بالمجهول، والتشبث باحتمالات واهية، وعن محاولات بحث الطبيب الشاب عن لون رمادى – رغم حزنه وحياديته- يحاول أن يعثر عليه، كتبت قصة أخيرة «فى اقتفاء أثر اللون الرمادى». خمس قصص وخمسة ألوان يربط بين سطورها جميعا خط واحد، خط ربما لن يلمحه البعض، ولكن كثيرين – كما أعتقد – سيعرفونه، و سيتتبعونه عبر القصص، لتكتمل اللوحة، هذه المرة بهذه الألوان الخمس. ألوان خمس، رسمت هموم أبطال قصصها، لتطفو على السطح آلام و أوجاع وتساؤلات، سكنت مساحات كبيرة داخلهم، ربماتغافلوا عنها، أو استنفدوا كل محاولاتهم لتجاوزها، فاستمروا يحملونها داخلهم أينما كانوا. «سماء بلون اللافندر» وقصصها الخمس، شخوصها، هى تجربتى التى أحاول طرحها على جمهور القراء كصياغة وبناء جديد للقصة التى ليست قصيرة، وليست بطول الروايات القصيرة، هى شكل أدبى آنتظر آراء القراء عنه، ورؤيتهم له.