احتفلنا منذ أيام باليوم العربى للثقافة الذى أعلنت عنه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، للحث على التكاتف من أجل النهوض بالمجتمعات العربية وثقافتها، والتى تمثل الهوية الأساسية لأى شعب من الشعوب، نستعرض فى التقرير التالى رؤية أساتذة ومفكرون عن كيف نحافظ على هويتنا العربية، مستعرضين الوضع الراهن والتحديات والحلول. مستودع الهوية هو الثقافة فى البداية يقول المفكر الكبير د. سعيد توفيق الامين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة وأستاذ الفلسفة وعلم الجمال بآداب القاهرة، السؤال عن الهوية سؤال كبير لا يمكن الإحاطة به فى عجالة ولكن إجمالًا أقول إن مستودع الهوية هو الثقافة وأولها اللغة وكذلك الفن والأدب أما اللغة فلأنها مسكن الوجود كمان يقول الفيلسوف الألمانى هايديجر بمعنى أننا نفهم ونفكر ونشعر من خلال اللغة ولذلك نجد أن التعليم كما فى المدارس الاجنبية الأن حينما يهمل اللغة الأم لحساب اللغات الأجنبية فإنه يطمس جانبًا مهمًا من الهوية، الأمر الثانى أن الفن والأدب يحفظ هوية الأمة، وإذا كنا غير قادرين أحيانًا على إبداع هذا النوع العظيم من الفن، فإننا على الأقل نستطيع من خلال الإعلام والتعليم أن نستدعى هذا الفن والأدب فى نفوس الشباب، وبذلك فإننا نستدعى فى الوقت ذاته الهوية، ونجعلهم يتعرفون على إرثهم وحقيقة وجودهم، ولذلك نجد فى عصرنا هذا الشباب والأجيال الحديثة مقطوعة الصلة بهذا الفن العظيم والأدب العظيم، كما نجد مثلا فى أغانى عبد الوهاب وام كلثوم ومن على شاكلتهم، بل نجدهم لا يعرفون نجيب محفوظ مثلا ونحن نعلم ان القيمة العظيمة لنجيب محفوظ هو أنه كان يجسد الروح المصرية بالأخص روح القاهرة فى كتاباته، وكذلك الفنانين الأخرين والأدباء الأخرين يجسدون عوالم الريف والشخصية المصرية والتاريخ فى هذه الكتابات، ولذلك يجب على واضعى مناهج التعليم أن يتخيروا الأدب الذى تتجسد فيه الهوية المصرية ويجب على الإعلام أن يستدعى دائما هذه الفنون بإلحاح فى برامجه لكى يثقف الشباب والناس جميعًا. الهوية والعولمة يرى الناقد الكبير د. يوسف نوفل أن هناك تغيرات طرأت على الفكر العالمى فى منتصف القرن العشرين، مرتبطة بالسياسة والاقتصاد والهيمنة ما بين اليمين واليسار، والاستحواذ فى ظل الاستعمار الجديد، حتى إذا ما آذنتْ شمس القرن العشرين بالمغيب زالت إمبراطوريات، وسادت ثورة الاتصالات والمعلومات، حتى صار العالم (قرية صغيرة)، وظهرت مفهومات: القرن الآسيوي، والشرق الأوسط، وتحول النظام العالمي، والاتجاه إلى العولمة، واحتدمت المواجهة بين جناحى العالم: الغربى المتقدم، والشرقى النامي، فى ظل تحديد معالم توازن القوى. وأضاف نوفل: قد أدى ذلك إلى تعاظم دور الثقافة والمثقفين، ومن ثم الحركة الأدبية التى هى لسان الثقافة الناطق، وإذا ما نظرنا من منظور شامل إلى الرباط السحرى للثقافة العربية. وأكد نوفل على اهتمام الدارسين بالبيئات العربية الأخرى بمثل اهتمامهم ببيئاتهم المحلية، مسلّطين الضوء على العوامل والاتجاهات المشتركة فى الثقافة العربية، مؤكدًا أن المتغيرات العالمية انعكست على الثقافة والأدب العربى الذى تعددت اتجاهاته وبيئاته، مما أحدث تعددية ثقافية تابعة لتلك المتغيرات، مضيفًا أن الأدب روح الثقافة وأوعيتها ونوافذها، ورباطها السحري. ملامحنا تواجه الأعاصير فيما يقول الناقد البارز د. حسين حمودة أستاذ النقد بآداب القاهرة : « على كثرة التعريفات التى حاولت الإحاطة بمفهوم «الهوية الجماعية»، يظل هذا المفهوم غير قابل للتعميم، أو يظل مرتبطًا بسياق متعيّن، وبميراث محدد، وبجماعة بعينها، وبممارسات مقترنة بهذه الجماعة، وبتصورات تجمع أفرادها، وبعدد من السمات تميزها، ثم بمصير مشترك تمضى إليه هذه الجماعة خلال حاضر ما إلى مستقبل قادم.. وبهذا كله، ومع هذا كله، تظل الهوية بعيدة عن أن تكون معطى مجردا، ثابتا وجامدًا، إذ هى مفهوم مرن، تخضع إلى نوع من الحراك التاريخي، تتشكل خلاله ويعاد تشكيلها على نحو متصل. وأضاف حمودة: «تأسيسا على هذا، فالهوية العربية ارتبطت بمقومات راسخة تشكلت عبر تاريخ طويل مشترك، حافل بالمتغيرات، وعبر جغرافيا محددة، وشعب واحد، وإن اقترنت بدعائم راسخة معروفة: اللغة والتراث والعرق والمسيرة التاريخية، وما يتصل بهذا كله من ممارسات وعادات وتقاليد وإبداعات وفنون، وأيضا بكل ما يتهدد هذا كله من أخطار.. وهذه المقومات والدعائم، التى تعمل على «وحدة» من ينتمون إلى هذه الهوية، لا تنفى أبدا أنها نهضت دائما على قدر كبير من التنوع.. لم تخل أى فترة من فترات التاريخ من أخطار وتهديدات واجهت وواجهتها الهوية العربية، ومن هنا كان السؤال: «كيف نحافظ على هويتنا العربية؟» سؤالا قديما ومتجددا.. كان مطروحا فى أزمنة سابقة مثلما هو مطروح الآن. طرحه القديم ارتبط بأخطار متصلة بتجارب مثل الغزو، والاستعمار، والتغريب، والحروب، والهجرات.. وغيرها، والآن هو مطروح مع بعض هذه التجارب القديمة وقد اتخذت أشكالا وصيغا جديدة، وهو مطروح أيضا مع ظواهر جديدة مثل «العولمة» التى تسعى إلى تسييد نموذج موحّد بعينه ينتمى إلى ثقافة تنتمى إلى مركز غربى واحد، وإلى فرض هذا النموذج على ثقافات العالم المتعددة، وبالتالى طمس الهويات الثقافية وغير الثقافية فى هذا العالم، ومنها هويتنا العربية.. وأشار أستاذ النقد الأدبى إلى سبل مواجهة هذه الأخطار والتهديدات معروفة لنا جميعا، وهى تبدأ من الوعى بها، وبث هذا الوعى ونشره بكل السبل.. وعلى أساس من هذا الوعى يمكن تعزيز المقومات التى تناوئ وتناهض هذه الأخطار والتهديدات؛ تستمسك بالهوية، وتدرك إمكاناتها ومصادر قوتها، وتعى مأزق التخلى عنها والوقوع فى أفخاخ الهويات الملتبسة. اللغة رمز للمجتمع ومن جانبه قال فرحان المرزوقى مدير إدارة التواصل المؤسسى والمجتمعى فى الأرشيف والمكتبة الوطنية بأبو ظبي، أن للثقافة العربية عاداتها وتقاليدها وقيمها الفريدة، وواجبنا أن نحافظ على هذا التميز الثقافى وأن نواجه التحديات التى تهدده، وبدوره يحرص الأرشيف والمكتبة الوطنية على الحفاظ على هوية الإمارات بوصفها جزءاً مهماً وأساسياً من الهوية الثقافية العربية، ويتمثل اهتمامه بالثقافة العربية بإصداراته التى تتميز بلغتها العربية السليمة، وبالفعاليات التى تحث على استعمال اللغة العربية، فاللغة ترتبط بالهوية كونها رمزاً للمجتمع الذى تعبِّر عنه وأداة لتفاعله وطريقة أبنائه فى التفكير والتعبير، إضافة إلى صلتها الوثيقة بهوية الدولة وتقوية الانتماء والترابط والولاء، ومن هذا المنطلق فإن الأرشيف والمكتبة الوطنية يحرص على إثراء المحتوى الرقمى لوسائل التواصل بما يعزز هوية الثقافة العربية وحضورها فى ظل تحديات العالم الرقمي، فاللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل وإنما هى خزان ثقافتنا وفكرنا وأدبنا وتاريخنا، وهى ذات دور محورى فى تنمية الشخصية العربية ثقافياً وفكرياً، وهى أساس الهوية الموحدة للأمة، ولذلك تحظى قضية الحفاظ عليها باهتمام خاص بوصفها العمود الفقرى للهوية العربية، وهى التعبير الحضارى عن الخصوصية الثقافية، ومن المؤكد أن المطالبة بتدعيم وضع اللغة العربية، وذلك لأن اللغة تعدّ من أهم ملامح هوية الأمة وتميّزها عن غيرها من الأمم، فهى التى نعبر بها عن مرتكزات الهوية كالدين والتاريخ، والثقافة والعادات والتقاليد، والمصير المشترك.. وأضاف المرزوقي: الأرشيف والمكتبة الوطنية يدرك أهمية اللغة العربية فى حفظ اللغة العربية، ولذلك فهو يحرص على أن تكون معظم إصداراته باللغة العربية خالية من الأخطاء، وأن تكون معظم مراسلاته وخطاباته ومحاضراته وفعالياته، ويهتم بالمناسبات العربية والعالمية التى تسلط الضوء على اللغة العربية، فحين يدخل العالم الرقمى المفتوح والحافل بالهويات الثقافية العالمية، وذلك لأن الفضاء الثقافى يواكب تطورات العصر ويتشارك به العالم الذى أخذ يعتمد على الرقمنة، وغنى عن البيان أن موقع الثقافة العربية فى العالم الرقمى بحاجة ماسة إلى الاهتمام لكى يحقق مزيداً من التقدم، وبوقفة سريعة يتأمل فيها الإنسان العربى ما يحدث حوله يدرك أن هناك ما تشهده الكثير من الدول العربية من صراعات تهدد محتوى مؤسساتها الثقافية بأنواعها، وهذا ما يجعلها بحاجة حقيقية إلى خطط آنية ومستقبلية لحفظ التراث العربى ومرتكزات الهوية العربية.