«رؤى فلسفية». وقع اختياري لهذا العنوان مُنذُ سنتان تقريبًا قد تزيد المدة أو تقل عن هذا، وكان هدفي الأوحد هو تغيير صورة الفلسفة في اذهان البعض، ووضعها بمكانتها الصحيحة التي تستحقها، إلا أن هذا المشروع كما أُحب أن أُلقبه، يحتاج كثير من البحث والتقصي والتحقق فيما يُكتب أسفله، وذلك للخروج بموضوع صحيح ومتماسك الرؤى والأفكار، لتحقيق الهدف المرجو منه. ولعل السؤال الأكثر إلحاحًا من القراء العزاء، لماذا تكتب في الفلسفة؟ أو بصورة أخرى، هل هناك فائدة من قراءة ودراسة الفلسفة؟ الإجابة عن هذان التساؤلان والتي أحسبهما تساؤل واحد في جوهرهما، تجعلني العودة إلى مرحلة مبكرة من تكويني، لذلك أجد من الصعوبة أن استحضر الظروف أو الأسباب كما لو حدثت أمس أو مُنذُ ساعة، ولكني سأحول الإجابة عن هذا التساؤل بما تسعفني به الذاكرة. بدأت القراءة وانا في المرحلة الثانوية، ولكنها كانت غير منتظمة مثل موج البحر للشاطئ شد وجذب، ومع دراستي بالجامعة، بدأت علاقتي بالقراءة تقوى يومًا بعد يومًا، وبدأت بقراءة الموضوعات الفلسفية والانتقال من موضوع تلو الآخر، وكأني ابحث عن كوب مياه لأروي عطشي، وذات يوم عندما وقعت عيني على كتاب «الجمهورية لأفلاطون» بالتزامن مع دراستي في المرحلة الأولى بالجامعة، ودراستي لفلسفة أفلاطون، كان لدى دافع شديد يجعلني انهض من نومي لأفكر في الأسباب التي جعلت أفلاطون في وضع بنود فلسفته. وكأن هذه القراءات والتأملات، بمثابة الخطى الأولى التي خطتها نحو الكتابة، وكانت عملية الكتابة تنمو معي يومًا بعد يومًا، كالنبتة العاطشة للمياه، وظللت اقراء لأروي هذه النبتة العاطشة، ولكي أدعم وأنمي بداخلي المعنى الحقيقي للكتابة. والآن أضع نصب عيني هذه العبارة «اقرأ كأنك تعيش ابدًا، وأكتب كأنك تموت غدًا»، واحاول جاهدًا تطبِقها. وهنا نأتي للإجابة عن تساؤل القراء الأعزاء لماذا تكتب في الفلسفة؟ هدفي الأول، هو نشر المنهج الفلسفي العقلي السليم، والقضاء على الزعم القائل «الفلسفة تودي للكفر والإلحاد»، وخير استشهاد هنا هو ما شهدته المملكة العربية السعودية، من توقف تدريس الفلسفة بالمدارس والجامعات، على مدى عقود كثيرة وما أدهشني حقًا هو السبب وراء ذلك، وهو الرؤية المتوارثة عن الفلسفة، حيث بات النظر للفلسفة على مدار عقود ليست بقليلة، أنها ضد الدين وهادمه للإسلام ومناقضه له. كل هذا وأكثر دفعني دفعًا للإسهام في بيان حقيقة الفلسفة، وإيضاح رسالتها التي حملتها لنا صفحات التاريخ. وأهدف ايضًا من خلال ما أكتبه، أن أُقدم للقارئ نصًا مُدققًا بحثيًا ولغويًا، وهو ما أحاول جاهدًا في صنعه، احترامًا لعقلية القارئ، وأيضًا لفت نظر القارئ العربي للأهمية التي تصبو إليها الفلسفة، وهو ما تشاركه معنا الفلسفة في الحياة، وفي عبارة واحدة: «الفلسفة تلون لنا الحياة، فهي المعنى الحقيقي للحياة». إلا أني انتظر التساؤل الأولى بالقول وهو، هل استطاعت مجموعة المقالات التي نُشِرَتَ على بوابة أخبار اليوم، تحقيق الهدف المرجو منها؟ الحمدالله.. لقد صنعت لي جمهورًا من جميع بقاع العالم، احمد الحق تبارك وتعالى على هذا. وهو ما ألمسه من التفاعل على صفحة الفيسبوك عند نشر المقالات، ويصلني ردودًا طيبة حول ما اشاركه من مقالات. كما يدور بيني وبين القراء نقاشات ثرية ومثمرة حول ما أكتبه وهو ما يدفعني لكتابة المزيد، وحتى يصل بي الأمر إلى الرد على التساؤلات بمقال يجيب ويرد على المقال السابق، أو التنبه إلى فكرة موضوع يصلح للكتابة، ويكشف عن جديد. كما أنني آمل أن أُقدم للقارئ تحت عنوان «رؤى فلسفية»، فهم مبسط يكون بمثابة وجبة ثقافية خفيفة ودقيقة، تكون خير معين يصل بها القارئ لمبتغاه. وآثرنا أن تكون هذه المقالات مكتوبة بلغة سهله وبسيطة، يستطيع القارئ أن يخرج منها بمحصلة معرفية بسطيه. لذلك أُحاول ما اكتبه أن أُحدث تنوع، بحيث تتنوع الموضوعات حول مشكلة أو نظرية فلسفية، أو تختص بفكرة فلسفية تكون موجزة ودقيقة. وهنا أتذكر سؤال آخر وجه لي من أحد القراء مُذُ اختياري لهذا العنوان، هل هناك حوار يدور بينك وبين الفلاسفة، أو الأفكار والنظريات التي تكتب عنها؟ في حقيقة الأمر أجد أن هذا السؤال رائع جدًا، وحقًا لابد وأن يُسأل. دائمًا أضع نصب عيني مقولة المفكر والفيلسوف الفرنسي فرديناند ألكيية: «لا يكشف العمل المكتوب عن الفلسفة إلا بمقدار ما يُفهم، ولكن الفهم نفسه يتطلب من القارئ بعض الكفاءة للتفكير فلسفياً». لابد على الكاتب في الحقل الفلسفي أن يتمتع بقدر كافي من التفكير البحثي المنظم، حتى يستطيع أن يضع أفكاره على الورق ويصل بها لمرحلة الدراسة الفعلية. كما لابد له وأن يكون ذا عقلية بحثية واعية ومطلعة على الجديد أول بأول، كما لو كانت صيحة الموضة، إن جاز لي التعبير. وهو ما أُحاول جاهدًا فعله، وأدعو الله أن يوفقني فيه. كما يستوقني في هذا التساؤل السابق كلمة حوار، أحسب أنها جاءت صائبة جدًا، فعند كتابتي حول شخصية فلسفية، كما ورد خلال المقالات السابقة، لابد وأن اضع يدي على الكتابات الاصلية لهذه الشخصية، حتى أستطيع أن افهم حدودها وما وصلت إليه، وبعد قراءة متأنية، يصبح لدي القدرة على محاورتها حول جزئية ما في فلسفته، ويكون الحوار في شكل دراسة بحثية منظمة بعيدة عن المغالاة في الألفاظ والكلمات، حتى يكون المقال بسيط ومفهوم يصل للجميع بسهولة ويسر، ولا يستهدف فئة دون أخرى.