وسط الأزمات السياسية والاقتصادية الطاحنة التي تشهدها المنطقة العربية ككل.. يشهد الوطن العربي أزمة جديدة، تعيد إلى الأذهان أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر»، وذلك بسبب التضييق على الإبداع والمبدعين، الذين هم بالأساس صورة تعكس ما آل إليه حال مجتمعاتهم. منذ أسبوع، اشتعل الوسط الثقافى بدولة الجزائر، فور الإعلان عن فوز رواية الكاتبة الجزائرية إنعام بيوض «هوارية» الصادرة عن دار نشر ميم بجائزة آسيا جبار، وهى جائزة من أرفع الجوائز فى الجزائر. اندلعت الأزمة ولم تخمد حتى الآن، حيث أعتبر كثير من المتشددين، أنها غير جديرة بهذه الجائزة، لاستخدام الكاتبة اللهجة العامية المحلية بالجزائر، واستخدام ألفاظ ومفردات اعتبروها سوقية، بينما اعتبر آخرون. أن ما ورد فى الرواية من ألفاظ، إهانة لسكان وهران التى تنحدر منها بطلة هذه الرواية. وبطلة الرواية كما تقول عنها الكاتبة، شخصية حقيقية تعرفها معرفة شخصية باسم آخر. بطلة الرواية قارئة «كف» تناولت من خلالها الكاتبة «إنعام» السرد عن فترة تسعينيات القرن الماضى المعروفة بالجزائر بالعشرية السوداء. وقد وصل عنف الأزمة إلى درجة، أعلنت بسببها دار النشر «ميم» انسحابها من سوق النشر وإغلاق الدار، وإنهاء عملها بسبب هذا المناخ المتزمت. وقد أصدرت دار النشر بياناً أوضحت فيه موقفها، وحالة المناخ العام قالت فيه: «للجزائريين»، للمثقفين خاصة، للقراء الحقيقيين والمزيفين للكتاب وللكتبة، لدور النشر الحقيقيين وأشباه دور النشر. مضت سنوات من المعافرة على حلوها ومرها، وحاولت فيها دار نشر «ميم» للنشر، أن تقدم للجزائر، للمثقف فيها، للقارىء، للكاتب للمشهد، ولصناعة الكتاب، أن تقدم عملاً ذا قيمة فنية، جمالية ومعرفية، أصابت وأخطأت ككل مجتهد، ولكنها قدمت صورة طيبة للبلاد، فى كل المحافل، كما يعلم الجميع، لم تطمح فى أكثر من ذلك، الحرص على المعنى، وجدوى أن تكون فى مكان وتعطى وقتك ومالك وانتباهك له. ولكن لا جدوى ولا معنى من محاربة العبث. نعلن فى هذا اليوم 16/7/2024، انسحابنا من النشر، تاركين الجمل بما حمل كما فعلنا دوماًَ. نعلم أن «ميم» أغلقت أبوابها منذ اللحظة فى وجه الريح، وفى وجه النار.. لم نكن إلا دعاة سلم ومحبة ولم نسع لغير ذلك. حافظوا على البلاد من التشتت، وحافظوا على الكتاب لأن شعبا يقرأ.. شعب لا يستعبد ولا يجوع.. سلام للجميع وليهنأ البقية.