يخطئ من يعتقد أن معركة مصر مع تنظيم الإخوان الإرهابى انتهت بإسقاط حكمهم فى 2013 ومحاكمة قيادات التنظيم والقضاء على عناصره المسلحة، لايزال إسقاط الدولة المصرية هدفًا استراتيجيًا لدى التنظيم ضمن مخططه لإشاعة الفوضى فى الشرق الأوسط، وانشاء خلافته المزعومة على أنقاض العالم العربى، وتنفيذ مخطط (أستاذية العالم). لم يخدم مخطط التنظيم سوى دولة الاحتلال، اختفت دول وجيوش كانت تمثل نداً لإسرائيل، مثلت فى الماضى سببًا فى سعيها للتفاوض مقابل السلام، وحل محلها مليشيات زعزت استقرار المنطقة، وأعطى وجودها المبرر لتوسيع أى صراع إقليمى، وزيادة مساحة الوجود العسكرى لدولة الاحتلال، وابتلاع المزيد من الأراضى على حساب ما تبقى من الدولة الفلسطينية. ربما يجب أن نتوقف كثيرًا أمام سعى التنظيم المحموم إلى تدمير مصر، عبر مخططات الفوضى والحروب الهجينة، واستخدام الشائعات والحروب النفسية من أجل صنع الفجوات بين مؤسسات الدولة والمواطن المصرى، حشد التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية كل إمكانياته من أجل توظيف الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية لتدمير الدولة المصرية، وقامت أذرعه الإعلامية بالتشكيك فى كل إنجاز حققه المصريون بأنفسهم لبلدهم، والسؤال لمصلحة من يسعى التنظيم لإضعاف الدولة المصرية؟ فى ظل سعى مصر لمساعدة الأشقاء الفلسطينيين، رافضة كل مخططات دولة الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية ودفنها، وكذلك رفض الأمر الواقع بعد احتلال الجانب الآخر من معبر رفح، وتمسكت القاهرة بإدارة فلسطينية للمعبر، وأخيرًا رفض مصر القاطع لتهجير أهالى قطاع غزة قسريًا نحو الأراضى المصرية لبسط سيطرتها على القطاع، عبر إعادة احتلاله واستيطانه مرة أخرى بالمخالفة لتعهداتها الدولية. بالتأكيد هى خدمة أخرى يقدمها التنظيم الإرهابى لدولة الاحتلال، بعدما تمكن المصريون فى ثورة 30 يونيو من إفشال المخطط الأول، وحافظوا على دولتهم ومؤسساتها، إلا أن التنظيم وضع رهانه الجديد على تبعات الأزمة الاقتصادية وتأثيرها السلبى على حياة المصريين، وانطلقت ماكينات الشائعات لتبث الآلاف يوميًا، ولجانها الإلكترونية تنشر الإحباط واليأس عبر وسائل التواصل الاجتماعى. من يحرك أهل الشر يعلم جيدًا أنه لن يجد تنظيمًا قادراً على ممارسة الخداع والخيانة تجاه وطنه مثل أفراد ذلك التنظيم، يكره التنظيم مصر والمصريين، لأن اصطفافهم المستمر خلف دولتهم ومؤسساتهم كان سبب فشله التاريخى كلما لاحت فرصة السيطرة على مصر، ظهر التنظيم المسلح للإخوان فى عهد الملكية، وأشهر سلاح الاغتيال ضد خصومه السياسيين من محمود النقراشى رئيس الوزراء والقاضى الخازندار إلى محاولة قتل الرئيس جمال عبد الناصر فى المنشية، ثم اغتيال الزعيم الراحل أنور السادات بطل الحرب والسلام، والذى دفع حياته ثمنًا لإدماجه فى الحياة السياسية. صحيح أن التنظيم بشكله القديم فقد تماسكه، وخضع لأهواء متضاربة ومتعارضة، واشتعل الصراع على ما تبقى من بيزنس التنظيم الدولى، لكنه لم يفقد بعد قدرته الفيروسية على التحور، من أجل العودة للمشهد المصرى مرة أخرى من خلال الأجيال الإخوانية الجديدة، وإعادة صناعة صورة ذهنية أخرى للتنظيم، يبحث فيها عن وجوه جديدة تعتنق أفكاره، وتستخدم أدوات جديدة فى القيادة والسيطرة على جسد التنظيم، ولا يوجد هدف يمكن أن يوحد التنظيم مرة أخرى مثل كسر استقرار مصر وإشاعة الفوضى فيها. ما حدث فى شارع فيصل من محاولة للإساءة للدولة المصرية يؤكد قطعًا أن التنظيم يختبر جاهزية الدولة ومؤسساتها لحرب سيبرانية، يديرها التنظيم وهو مختبئ خلف عناصر أشبه بالذئاب المنفردة، تنفذ المطلوب منها وتختفى، ولا ترشد عن عناصر شبكتها الجديدة، ويطمئن عناصره على استعادة قدرته على الوصول إلى الشارع مرة أخرى، وكان الوصول السريع لمنفذها برهان قاطع على يقظة الأجهزة الأمنية وحرفيتها فى تحديد الجانى دون سواه فى وقت قياسى، وجاهزيتها لشكل الحرب الجديدة مع التنظيم. المتحور الجديد للتنظيم يسعى لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعى لصناعة أجيال مخدوعة، نتيجة ما تبثه الجماعة من معلومات مغلوطة عن مصر وتاريخها، يسعى لإشاعة كراهية الانتماء للوطن، بشكل يوفر تربة خصبة أمام تجنيدها لأى تنظيم إرهابى أو جهاز استخباراتى معاد يسعى لتدمير الدولة من الداخل، وهو ما استفادت منه تنظيمات إرهابية أخرى مثل داعش و القاعدة، حيث تربت غالبية قياداتها داخل الإخوان قبل الانشقاق. تظل خطورة التنظيم فى قدرته على النفاذ للمجتمع باستخدام الدين وخطاب المظلومية، وتشويه الحقائق وزرع الأكاذيب والشائعات ورعايتها عبر أذرعه الإعلامية وفق خطاب موجه ضد الدولة ومؤسساتها، وسعيه لإشاعة حالة من عدم الاستقرار عبر دعوات الفوضى، بما يخدم مخططه لحصار مصر اقتصاديًا، ومنع قدوم الاستثمارات الأجنبية، وتخويف رجال الأعمال والمستثمرين من العمل فيها، حتى تظل رهن تحدياتها الاقتصادية بشكل مستمر، على أمل أن تتفاقم الأوضاع، ويصبح لديه فرصة للفوضى ومن ثم العودة. مواجهة المتحور الجديد للتنظيم وهو نسخة أخطر بكثير من النسخ السابقة، لأنه يعتمد على محورين للحركة، الأول داخلى يحاول صناعة جيل جديد من العناصر الإخوانية، سواء من المنتمين للجماعة أو من المتعاطفين أو من الغاضبين، التنظيم يبحث عن قيادات جديدة وسيطة، يمكنها لم شمل التنظيم مرة أخرى، بعد هزيمته فى 2013 وهروب أغلب قياداته للخارج. المحور الثانى يعتمد على حركة التنظيم فى الخارج، من خلال تنظيم صفوف الهاربين وحل مشاكل خلافة المرشد، وهى أمور يتولاها من يحرك التنظيم ويضع أجندته الخاصة، وأن الإخوان لديهم تواصل مع حكومات غربية، وتمكنوا من اختراق مؤسسات حقوقية دولية، وفرت لهم غطاء من الحماية، خلال تحركاتهم فى الغرب ضد الدولة المصرية بعد 2013، كما يملك التنظيم أجيالًا جديدة عاشت وتربت فى الخارج، ولديها تواصل مع أكثر من لوبى سياسى فى الولاياتالمتحدة، مثل علاقة محمد سلطان نجل القيادى صلاح سلطان بالحزب الديمقراطى، وهو ما فتح له أبواب الكونجرس للمطالبة بوقف تصدير الأسلحة لمصر خلال الحرب على الإرهاب فى سيناء. الخطورة المتصاعدة فى عمل التنظيم الإخوانى تحتاج للعمل وفق خطة شاملة، لمنع تسلل عناصر التنظيم مرة أخرى للمجتمع المصرى، وتغليظ عقوبة الانضمام للإخوان لتتساوى مع جرائم التخابر، ونظرًا لوجود تنظيم دولى لديه علاقات معروفة بأجهزة استخبارات تستخدم التنظيم كجماعة وظيفية لتحقيق أهداف تخريبية، وهو ما نراه بشكل واضح فى دول عديدة، تمكن التنظيم من بسط سيطرته عليها. ولماذا لا نفكر فى تحويل مكتب الارشاد إلى متحف لجرائم الإخوان، ويصبح مقرهم السابق فى المقطم شاهدًا على جرائمهم إلى الأبد، وحتى لا تنسى الأجيال الجديدة مع مرور الزمن خيانة ذلك التنظيم الإجرامى لمصر والمصريين. أتصور أننا يجب أن نستعد لجولة جديدة من الصراع الممتد طوال 90 سنة مع تنظيم إرهابى، يسعى للسيطرة على مصر وطمث هويتها.. ذلك الصراع لم يكن يومًا بين خصوم سياسيين، بل هو صراع بين عنصر هدام وشعب يريد حماية أمنه واستقراره ونسيجه الوطنى الموحد من تنظيم لا يعرف سوى زراعة الشر المستدام.