السياسة الإسرائيلية تواجه مأزقاً حقيقياً وعزلة غير مسبوقة منذ السابع من أكتوبر الماضى (من أمن العقاب أساء الأدب) هذا المثل ينطبق بشدة على سلوكيات سفير إسرائيل لدى الأممالمتحدة جلعاد أردان، فى تعامله مع قرارات المنظمة الدولية، وآخرها فى رد فعله على إعلان إدراج الجيش الإسرائيلى فى قائمة الدول التى ترتكب انتهاكات ضد الأطفال خلال النزاعات، حيث وصفه القرار بأنه (مخزٍ)، وقد يكون هذا متوقعاً وطبيعياً، وفعله العديد من مسئولى إسرائيل الكبار، الذين أصابهم القرار بحالة من السعار، وفى مقدمتهم بنيامين نتيناهو، الذى صرح بالقول (إن الأممالمتحدة هى من أضافت نفسها إلى قائمة التاريخ الأسود، عندما انضمت إلى من يدعمون القتلة) يقصد بالطبع فصائل المقاومة، ناهيك عن تصريحات أخرى، ومنهم وزير الخارجية كاتس، الذى هدد بتأثير هذه الخطوة على علاقات تل أبيب بالأممالمتحدة، وشن هجوماً ضارياً على الأمين العام أنطونيو جوتيريش، ووصفه بأنه عمل خسيس، وقال إن التاريخ سيذكره باعتباره أميناً عاماً معادياً للسامية، كل ردود الأفعال متوقعة، ولكن التجاوز الحقيقى للأعراف الدولية، والذى كان يستوجب وقفة من الأممالمتحدة، والتى تحدث لأول مرة، أن السفير الإسرائيلى قام بتسريب تسجيل المكالمة، التى جرت بينه وبين رئيس المكتب التنفيذى للأمين العام إيرل كورتيناى راتراى، والذى تم فيها إبلاغه وفقاً للبرتوكول بالقرار إدراج الجيش الإسرائيلى. ولكن لأن إسرائيل فوق القانون الدولى فقط، قام سفير ببثها على صفحته فى منصة (إكس)، بشكل مبتسر ومجزأ وهو أمر مخالف تماماً للأعراف، حيث استعرض عضلاته على المسئول الأممى، وشن هجوماً على الأمين العام يستوجب التوقف عنده، ومحاسبته عليه، عندما قال إن (من دخل القائمة السوداء هو الأمين العام، الذى يشجع ويحفز الإرهاب، ويعمل بدافع الكراهية لإسرائيل، وقال عارٍ عليه ذلك) وزعم أن (قرارات الأمين العام تعطى أملاً للإرهابيين فى البقاء، وتشجعيهم على استخدام الأطفال فى الإرهاب، وإطالة الحرب)، وتناسى السفير عدداً من الأمور، أولها أنه وفقاً للإحصاءات الموثقة، فقد استشهد أكثر من 15 ألف طفل منذ بداية عملية طوفان الأقصى. تصرف السفير الإسرائيلى دفع المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، إلى وصف ما حدث بأنه (صادم وغير مقبول، وقال بصراحة هذا شيء لم أره من قبل خلال عملى 24 عاماً فى المنظمة الدولية). حقيقة الأمر أنها ليست المرة الأولى التى يخرج فيها السفير الإسرائيلى عن كل الأعراف الدبلوماسية الدولية. فقد سبقها أثناء الجلسة الشهيرة التى جرت وقائعها فى العاشر من مايو الماضى، عندما وافقت العشرات من دول العالم على مشروع قرار، توسيع امتيازات فلسطين كدولة مراقب فى الأممالمتحدة، والتوصية لمجلس الأمن بحصولها على العضوية الكاملة، بأغلبية 143 دولة، حيث شن هجوماً غير مسبوق على كل الأعضاء، واستخدم عبارات غير لائقة، وتفتقد أى حس دبلوماسى، من عينة، هل فقدتم أبصاركم؟ ووصف الأممالمتحدة بأنها هيئة وقحة، اختارت مكافأة النازيين المعاصرين، فالتصويت يعنى العودة إلى النازية، وقال أيضا (أخلاقكم مجرد شعر أجوف لكم، والمصالح هى التى تحكمكم، وأنهى كلمته بشكل مسرحى وهو يقول (عارٍ عليكم)، قام بتمزيق ميثاق الأممالمتحدة، بآلة كان قد أحضرها معه مسبقاً إلى الجلسة، والعجيب أن رد الأممالمتحدة اقتصر على كلمتين (لا نعلق على مسرحيات) السفير الإسرائيلى جلعاد أردان، وهو تعبير أمين عن السياسة الإسرائيلية، التى تواجه مأزقاً حقيقياً، وعزلة غير مسبوقة منذ السابع من أكتوبر الماضى، التى ساهمت فى سقوط أقنعة، وانكشاف مزاعم، حيث وجدت نفسها فى عزلة دولية، تحارب فى جبهات عديدة، وفى مواجهة منظمات دولية، الأممالمتحدة، ومحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، بتهم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، كما تحول شعار أن الجيش الإسرائيلى هو الأكثر أخلاقاً إلى سخرية سوداء، فراحت تتخبط، ولكنها استخدمت السفير كرأس حربة فى المواجهة مع الأممالمتحدة وسكرتيرها العام حيث سبق له أن اتهم جوتيريش بأنه (فاسد أخلاقياً ولا يستحق منصبه)، حقيقة الأمر أنه لو تم ردع السفير منذ ذلك الحين، لامتنع عن كل ما قام به خلال الستة أشهر الماضية، ولكننا نتعامل مع دولة مارقة، تتعامل على أنها فوق كل القوانين والأعراف الدولية.