على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    «يأتي حاملًا البهجة والأمل».. انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري ب«شم النسيم»    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    المجمعات الاستهلاكية تستقبل الجمهور خلال عطلة شم النسيم    أسعار أراضي الإسكان الأكثر تميزًا بالمدن الجديدة.. تعرف على الشروط ورابط التقديم    التقديم غدًا.. 14 شرطًا لتلقي طلبات التصالح في قنا    «التنمية المحلية»: مبادرة «صوتك مسموع» تلقت 798 ألف شكوى منذ انطلاقها    إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء.. غدًا    تراجع كبير في أسعار الحديد اليوم الاثنين 6-5-2024    مطار العريش الدولي يستقبل طائرة مساعدات إماراتية لصالح الفلسطينيين بغزة    فرنسا: أي تهجير قسري للمدنيين يمثل جريمة حرب    بمناسبة عيد ميلاده.. كوريا الشمالية تدعم الزعيم كيم جونج أون بقسم الولاء    الجونة يستعيد خدمات أحمد حسام في لقاء فاركو    القناة الناقلة لمباراة باريس سان جيرمان ضد بوروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    استياء في الزمالك بعد المشاركة الأولى للصفقة الجديدة    «الرياضة» تستعد لإطلاق 7 معسكرات شبابية جديدة في مختلف أنحاء الجمهورية    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    بالفيديو| أطفال يحوّلون النافورات إلى حمامات سباحة في احتفالية عيد شم النسيم    «الداخلية»: 4 متهمين وراء مقتل «مسن الوادي الجديد» بسبب خلافات مالية    إقبال كبير على كورنيش النيل للاحتفال بشم النسيم في الأقصر (صور)    فنانون عادوا للساحة الفنية بعد غياب سنوات.. آخرهم يوري مرقدي    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    رانيا محمود ياسين تُعلن وفاة عمها    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    معهد أمراض العيون: استقبال أكثر من 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال 2023    استشاري تغذية توجّه نصائح لتفادي خطر الأسماك المملحة    بالأطعمة والمشروبات.. طريقة علاج عسر الهضم في شم النسيم    «الدواء» تقدّم 7 نصائح قبل تناول الفسيخ والرنجة    قبل أولمبياد باريس.. زياد السيسي يتوج بذهبية الجائزة الكبرى ل السلاح    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الاتحاد الأوروبي يعتزم إنهاء إجراءاته ضد بولندا منذ عام 2017    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    استشاري تغذية ينصح بتناول الفسيخ والرنجة لهذه الأسباب    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    كشف ملابسات وفاة سيدة إثر حادث تصادم بسيارة وتحديد وضبط مرتكب الواقعة    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«نيتشة العنكبوتي».. قصة قصيرة للكاتبة بسمة يحيى
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 03 - 2024

ساورني وميض ننخرساج وهي تسرق عدة أوراق من رواية الأقدار التي خَطَها لي شخص مجهول، ثم وضعتها في زجاجة من الخمر المقدس؛ ربما أرادت أن تخفي بعضًا من حبكات حكاياتي، حتي لا تتكسر أجنحتها العذراء بمرور سرب غربان الآلهة.. كان ثمة رموز تهمي علي العباد بغزارة، حتي تصدع القمر.. ظهر نصفيه من بين ثنايا ظلام الكون، ليرتقي حجر قمري ساطع بالماء الفضي المُقَدَس والمُكَدَس بالرموز علي المسافات البينية لذراته.
"كان مكتوب عليه في زمن موغل في القدم أن يسقط علي رأسي" يقول، ثم يكتب ألغازًا أخري: هذا ما سيعرفه الشيخ نيتشة فيما بعد، أري ننخرساج تنسج السطور.. تبدأ رحلة نيتشة في عوالم العقل الباطن أثناء فقده الوعي، عنكبوت الزرقاوي ينسج خيوط الزمان والمكان، ليسافر عبرها كاشفًا فضائح قصور الملك المُطِلَة علي مكان يُسميه الشعب "مذبح النبي علي القمر".
اعترتني قطرات حبر سوداء علي أوراقي البيضاء السرية، ليتردد صوت غامض بداخلي، يخبرني أن كل قوانين الكون وخبايا ثقوبه السوداء مُسجَلَة بذاكرتي التي تجلَّت بجسد أمي، وفي نفس الوقت يتسلل العنكبوت إلي كهف اللاوعي، يدور ويدور.. يكشف السر الخطير وبصوت دفين يقول: كل بينيات الكون وأسرار فك شفرات ثقوبه السوداء وقوانين الخلق الثلاث مُدونَةٌ هُنا، حيث الظلام الضاحك الباكي.. إنها دوامة انهيار الحدود العظمي تشدني من أذرعي المتعددة، ليتوقف الزمان وعندها سُرِق شعوري بمخدر سريع المفعول كسرعة ركض مشاهد الأسطورة الأصلية وطيات أفكاري الخاصة المتلاحقة والمتقافزة علي دائرة اللانهاية.
"هل سأتلي آياتك ثملًا بخمر فردوسك؟ أم سترتلني أحبال ميزانك المقدس؟" قالها ذو الأحد عشر ذراعًا مُقلِبًا نظره بين أوراق التعويذة.
الطبيب: أتذكر هذا المشهد جيدًا، حينما تحول المُسجِل إلي كاميرا صغيرة بعينين تسجل الصراع القائم بين الشعور واللاشعور في اللوح المحفوظ، عندها ضل الزمان السبيل وضاع بين شعاب الماضي والحاضر.
أرادني أن أقص عليه الحكاية الأصلية لبداية الخلق وكأنها لم تعلق بنافذة أذنيه من قبل.. وقف علي المنضدة وصرخ، ثم ضحك بشكل هيستيري.
"لو لم تعصِ الفرعون وتكشف للشعب حقيقة ذقنه الشامخ. لو لم تحرق أسفاره، وتكشف سر خدع معجزاته للموتي، لربما كنت سأراك جالسًا علي العرش بدلًا من أن يُحكَم عليك بالضياع في حواري القمر" قلتها له بعد أن دقت عقارب الساعة علي يده، لتبترها، فتسيل الدماء الخضراء، حتي وصلت إلي قدمي، فنمي له جناح وردي يتجدد كل عام مرتين، حتي اختفي المشهد.
رد الطبيب محاولًا أن يمتلك زمام متاهتي السردية قائلًا:
هل هذا الشخص يشبهك في الشكل؟
نعم، لكني لا استطيع أن ألملم جميع حروفه.
تابعت السرد قائلًا: أتذكر ملمس الشفرة البكرية الوليدة من تطاحن رمال الصحراء مع الطين الأخضر، هي حقًا مليئة بالتناقضات: بكاء الأم في بطن المحيط، حرارة شمس الأصيل، وربما فلسفات نهر الفِراط بالجنة، أصوات تجانس العناصر الأولي للحياة. شخصت الشفرة في الغروب تطير في فضاءات شبكة الزمان، متحررة من مسارات قواعده، ربما ضاعت وهي تفكر في معني البقاء.. تسكن بعقل نيتشة، ليتوغل بها العنكبوت كالمجنون الصارخ الباحث عن أحجيات معادلة الجاذبية؛ ليثبت للجميع أن ما آمن به منذ طفولته لم يكن وهمًا، فكان يعتقد أنها الخطوة الأولي لتشكيل صلصال بخضرة الطين وزرقة السماء، فيملك مفاتيح الميزان.
"سقطت سمائي ومالت كفة ميزاني اليُمني أكثر من اللازم، عندها كان يجب عليّ أن انتحر بهدوء وأترك العالم للأم" قالها الملك وقد انتفض جسده الجهنمي علي الماء، ليتبخر البحر بأكمله.. وبعد أن شعر بالتفاف ثعبان الزمان البطيء حول عنقه كتب تعويذة مسحورة يلتف حولها الخوف ولوعة الإيمان.
كلما نحت فيها رمزًا، يُشَد العنكبوت بيدٍ خفيّة، ليعود إلي عتبات شفرة الطبيعة وقد اغرورقت مسامعه بالنسيان.. تكاد أن تتحجر أذرعه الرمادية الحائرة. أتذكر جيدًا أن وقتها حلقت روحه حول صدي المشهد الأخير من مسرحية ربه التي تلونت بالبُهُوت كما بدي وجه الملك تمامًا.
"اُنظُر هناك! إنه دخان ساحرة ألوانه يحمل صرخات بعيدة لأول فوج من البشر خُلِق بالألوان الطبيعية علي لوحة متوسطة الحجم في مرسم مَنسيّ تابع للإلهة الأم" قالها العنكبوت، ليُترجم الملك تلك الأصوات إلي آيات ذكر ذات أحبار سرية اكتشفها أثناء زيارته لعالم السَحَرَة الغُزاة.
تذكرت أيضًا أن من كان يقود الجمع هي امرأة عجوز حدباء وشعرها أزرق. تحمل في يدها اليُمني شعلة من نيران الحديد تنير الدرب، لكن سرعان ما تخيلت الإلهة الأم ماء السماء وهو يهطل علي الحديد، فتُخمَد النيران ويحتل الظلام بسقيعه العالم.. يتسرب البروتين مرتطمًا بالحديد والمطر، يضحكان ويبكيان، ليتجسد الخير والشر وتجتمع بصمات قوي الطبيعة في اجتماع القمة مُعلِنةً عن ولادة الحياة، وقتها صدر صوت غريب من المُسجِل يشبه الصَفير المؤلم، لكني لم أبالي ولا أجد له تفسيرًا حتي الآن. هناك مشهد آخر للإلهة الأم، لكن خانتني الذاكرة مرة أخري.
"يبدو أن الملك وضع بالچينات خطوات خجولة بسيطة من أصل عدد لا نهائي من القفزات الزمكانية في الذاكرة؛ حتي لا يكتشف نيتشة وعنكبوته تفاصيل المجرات والكواكب المشتعلة وتلك الباردة، فستكون كارثة حقيقية إن كَشَفَ سر بنات وادي عَبقَر المحدوف في ركن مُتخلخل في أعمق خلية بالذاكرة" يقول العنكبوت مُستنبِطًا، ثم يُعَلل حيلة الملك برغبته في حجب ترددات نغمات آلات حناجر بنات الوادي النفخ وترية الساحرة. وفي هذه الساعة رسم الملك عدة طرائق للعنكبوت، لعله يُرشَد إلي زاوية قد تكشف لغزًا غاب عن روايته، من الواضح أن ننخرساج قد أخفت عنه بعضًا من فصولها القصيرة، بينما كتبت في أول فصل عن دورة حياة العنكبوت، حيث حكمت عليه بأن يَرتجِل حياته من الساعة صفر إلي نهاية خط العمر القصير.
بخطوات مترددة تحسس العنكبوت تفصيلات وتلافيف دماغ نيتشة الفيلسوف الملعون، حتي بلغ الزاوية المُعلَقَة. شاهد بها كائنات عجائبية الألوان والأشكال أصل موطنها كان مَثَار جدل وحديث مفتوح النهايات بعدة تخيلات: قد تكون بنات وادي عَبقَر المُخَلَدات، هذه الكائنات هي الآلهة الأصلية، البرودة والظلام سلفنا المشترك.
يلتف الجميع حول شجرة واحدة تتدلي منها كواعب العنب الأحمر الخمري. ظل سر خالقها حبيسًا في رأسي.
تتساقط منها حبات العنب ليلتقطها أطفال من وادي مسحور وقد ارتدوا رداءًا حريريًا بلون السماء الأولي.. يرتقي العنكبوت إلي العَمَدِ، ثم إلي السماء الثانية. لم يستطع رؤية ألوانها من شدة الظلام وقسوة سقيعه.. وبعد عدة ساعات من الصمت سمع صوت انفجارات لضوء مثلث معدني عملاق مُنَار باللهب الفضي وحوله الكون شديد السواد وبداخله دائرة حمراء تنبض بها الدماء، فتتمدد الدائرة وتزداد حرارتها وتلامس المثلث بحوافه الثلاث من العمق. علي اليمين في منتصف ضلع المثلث الرقم ثلاثة، ثم علي اليسار في منتصف الضلع التالي الرقم ستة وعلي القاعدة الرقم تسعة يحرسه رأس المثلث المعقوف، ثم علي جذع شجرة ذبيح في بقية الكون المُظلم الفسيح جلست لأناجي حرارة الطريق.
"البداية كانت بالبرودة والظلام، ثم علي اليمين الرقم ثلاثة وتدور الدائرة مرورًا بالرقم ستة، حتي الرقم تسعة في القاعدة الأساسية.. حتي الآن أنا تائه يبحث عن معني العدم والوجود" قلتها مُتخبِطًا بين أفكاري العبثية ولطمات رمزيات أرقام المثلث برأسه المعقوف. وسرعان ما سجل الملك تلك الأرقام ونسج معادلته الخاصة معتمدًا علي مصباح كهربائي وقلم مغناطيسي يجذب ويحيك الأشياء المختلفة علي طريقته الخاصة.
"كانت السماء الثانية مجرد خدعة وضعتها ننخرساج للملك بحنكة العالمة بأسرار قوي الطبيعة" هذا ما سيعرفه الملك فيما بعد وتحديدًا قبل عودة العرش بثلاث ساعات فقط.
لو لم يُلمِّح الملك في مخيلته أنه مجرد شخص عادي أو فصل من فصول رواية قديمة نسي الراوي أن يضع لطياتها نهاية، ثم مات وحيدًا، حيث خطفته عصابة الديدان الزرقاء إلي عالم الموتي بأوامر من الجان، ما كان لحكاية السماء الثانية أن تكون.
"وقتها لم أعرف أن عقارب الساعة قد انكسرت علي جبال الأبدية" قلتها، ثم تابعت السرد قائلًا: لو لم يُسرَق العرش من الأم، لربما ما كان لحكاية العنكبوت ونيتشة الفيلسوف أن تكون.
"يروقني أن أخُطك بجسدي، أن أكتبك: حيرةً، يقينًا، شكًا، كُفرًا، وثمالةً من إيمان نهر قد سلمته الأم لعناق شاطيء نوراني" يقول الشيخ نيتشة للعنكبوت، ثم تتطاير الرؤي مُجددًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.