ريزان العرباوي بين علاقات الحب الممنوعة والخيانة ومحاولة تجسيد قبح الواقع دراميا, تأتى بعض الأعمال التلفزيونية لتخترق القضايا المسكوت عنها وتكسر التابوهات من خلال جرأة في الطرح وثورة على الممنوع, فتشكل صدمة للجمهور, ومؤخرا أثار مسلسل "أزمة منتصف العمر" جدلا كبيرا مع بداية عرضه, بسبب تناوله لعلاقة حب مرفوضة دينيا وأخلاقيا واجتماعيا, تجمع بين البطلة وزوج ابنتها، حتى ولو كانت زوجة أبيها وليست أمها. صحيح أن الواقع مليء بالقصور والإنحراف السلوكي, لكن هل نجحت الدراما في معالجة تلك القضايا ضمن سياق درامي متقن، ودون مبالغة درامية، لتكون جرس إنذار لها، ودون أن تحقق التماهي لدى المشاهد فيشعر بالتعاطف مع البطل بسلوكه المنحرف, مما قد يحدث شرخا في العمود الفقري القيمي للمجتمع؟, وإلى أي مدى يمكن للدراما أن تخترق تلك القضايا؟، وهل للفن خطوط حمراء؟. تدور أحداث مسلسل "أزمة منتصف العمر"، في إطار اجتماعي يناقش عدد من العلاقات، منها علاقة حب ممنوعة تجمع بين البطل كريم فهمي ووالدة زوجته وتجسدها ريهام عبد الغفور، والتي تعاني من أزمات في حياتها الأسرية بسبب زواجها قهرا في سن صغير من رجل يكبرها في العمر. وترى الناقدة ماجدة موريس أن العمل يهدف إلى ضرورة البناء السليم في العلاقات العاطفية والمشاعر، وحتى في الصداقة, فإذا اختل البناء الأساسى سيعاني أصحابها من أزمات لها أبعاد نفسية, وتقول ماجدة: "تلك القضايا التي تنم عن العلاقات المحرمة دائما ما نقرأ عنها في صفحات الحوادث, فهي موجودة منذ قديم الأزل وحتى الآن, خصوصا في البيوت التي فيها الأب طاغية وأحيانا ينقاد إلى العلاقات المحرمة مع بناته على سبيل المثال, ولتحقيق التوازن بمعالجة تلك القضايا دراميا دون خلل أو مبالغة تؤدي للترويج للعلاقات الممنوعة أو حتى التعاطف مع البطل، فهي مسئولية الكاتب والمؤلف ويتحقق من خلال السيناريو المتوازن والكتابة الجيدة مع الخبرة, تأتي بعد ذلك مهمة المخرج، وهو مايسترو العمل، ليقوم بالتوجيه الصحيح، فيجب عليه أن يكون حريص جدا حتى لا يصل المشاهد لدرجة التماهي مع العمل والأبطال، فيشعر بالتعاطف مع المخطئ, وذلك التعاطف قد يكون خاص بالظروف التي قادت إلى ارتكاب الخطأ, لكن التعاطف مع الخطأ فهو مرفوض, ولدينا كتاب كبار تعاملوا مع العلاقات الاجتماعية والأسرية الشائكة ضمن أطر فنية دون اختراق للمحظورات أو التطرق للعلاقات المحرمة وزنا المحارم والانتصار لها في النهاية، فقد تربينا على أعمالهم وعشنا سنوات طويلة معها, منهم محفوظ عبد الرحمن وأسامة أنور عكاشة وجلال عبد القوي وأبو العلا السلاموني ومجدي صابر وغيرهم, فهؤلاء الكتاب لديهم ثقافة مجتمعية كبيرة تمكنهم من وزن الأمور بميزان دقيق، فحينما يسمحوا بوجود العلاقات المحرمة والانتصار لها معناه انهيار المجتمع". وتتابع: "بالحديث عن مسلسل (أزمة منتصف العمر)، أرى أن الحكم على العمل يأتي بعد انتهاء العمل وعرض الحلقة الأخيرة، ولا داعي لإصدار أحكام مسبقة أو تاطير العمل وتصنيفه ضمن تصنيفات معينة، فالبطلة هنا ريهام عبد الغفور تدخل في صراع نفسي لمحاولة التوفيق بين ابنتها وزوجها، وعندما رأته ينفعل ويسلك سلوك انفعالي حاولت إيقافه وتهدئته لإعادته للصواب, وتلك المشاعر ساعدتها على الخروج من جمودها وهدؤها الغير إنساني بعد زواجها من رجل يكبرها في العمر, طبعا لا يوجد مبرر أخلاقي لتبادل مشاعر الإعجاب والحب بين الطرفين المعنيين، حتى وإن لم تصل لعلاقة محرمة, لكن الأصل أن نرى ونتابع إنسياب الدراما حتى النهاية ثم الحكم، ولنفترض وجود مشاعر حب متبادلة بين الطرفين فبالتأكيد لها مبرر درامي لتقديم معالجة معينة لما ستقود إليه تلك المشاعر, وأعتقد أنها مشاعر غير مؤكدة, فالعمل يقدم معالجة لصراع داخلي لامرأة عاشت حياتها في قوقعة من الجمود دون مشاعر, فعانت من الكبت والقهر وكيف تحركت لديها مشاعر معينة نتيجة لعلاقة الابنة بزوجها ثم اكتشافها بعد ذلك بخيانة زوجها كل ذلك الصراع والمشاعر المتضاربة أيقظت بداخلها مشاعر من نوع خاص بعد سبات عميق، لتبدأ في تحديد موقفها من الحياة, فالعمل عالج القضية دون وجود مشهد أو سلوك فج خادش للحياء, ونحكم على العمل الفني حينما نتأكد أنه ينتصر للعلاقات المحرمة بعرض الحلقات الأخيرة." وتستكمل ماجدة حديثها بالقول: "إلى الآن أرى أن الأزمة كلها مرتبطة بالبطلة ريهام عبد الغفور، التي عاشت حياتها قطعة أثاث أهيل عليها التراب دون قيمة، والصراع الداخلي ومراحل احياء مشاعرها من جديد هو مضمون العمل، وليست الهوامش الصغيرة التي كانت من عوامل عودة الحياة لها من جديد, فالعمل يعالج المشاعر الإنسانية ويخوض في العمق, ويلفت النظر إلى دور التربية ودور الأب والأم في صلاح الأسرة ومدى تأثير هذا الدور في تحديد سلوكيات الأبناء مما ينعكس على المجتمع، وتخصيص أيضا خط درامي يعالج علاقة الأب بابنته، والذي تزوج أعز صديقة لها, فهو هنا يعرض جزء مهم جدا من القضية، وهي الخيانة بأوجه مختلفة, الخيانة الزوجية والأبوية وخيانة الأصدقاء وعدم إحترام أي رباط مقدس، وانهيار هذا المفهوم أمام المصلحة". "الدائرة السوداء" بينما رفضت الناقدة د. عزة هيكل التناول الدرامي لمثل تلك القضايا وترى أنها من أسوأ أنواع الدراما المقدمة, وتقول: "ليس من المفترض التطرق للعلاقات الشاذة والمحرمة من خلال الأعمال التلفزيونية, لما قد تشكله من خطورة على المجتمع وعلى منظومة القيم والسلوك العام, وعندما يكون هو الإتجاه العام للمنصات لاستخدامه كمنحة لجذب المشاهدين، فهو يؤكد على وجود خطة ممنهجة ضد القيم والأخلاق العربية, فتلك القصص من الممكن تناولها في بعض الروايات أو في السينما، لأن العمل السينمائي مدته قصيرة وتأثيره ليس بذات القوة، والمتلقي هو الذي يسعى إليها, لكن أن يكون عمل درامي يذاع على منصة ويمتد إلى حلقات وساعات ليكون في متناول أي مراهق أو طفل أو محدود الثقافة والتعليم فيؤثر عليهم سلبا ويربكهم أخلاقيا, وهذا الاتجاه يعيد إلى الأذهان دراما العشوائيات والقتل والعنف وكأننا نعود مرة أخرى إلى الدائرة السوداء, فهي أعمال لا تخرج عن كونها تجارية تقتحم حياتنا من خلال الشاشات الصغيرة من أجل الربح ومن أجل تغيير منظومة القيم لذلك أرفض أن يطلق عليها فن". وتتابع: "حتى يتم ترجمة تلك القضايا ومعالجتها دراميا لتكون جرس إنذار، فهو يتوقف على نوعية واتجاهات وسياسات الوسيلة الإعلامية التي من خلالها يتم توصيل العمل الفني أو الدرامي, فالوسيلة هنا بمنتهى الخطورة، لأن أعمال المنصات الإلكترونية من المحتمل أن تنقل لشاشات التلفزيون، ومعروف أن المنصات لا تخضع للرقابة الأبوية ولا الثقافية ولا حتى الفكرية، مع العلم أن العالم المتحضر الذي نتباهى به كلنا يحترم تلك الرقابة، ويطبقها بأشكال مختلفة لمنع وصول ذلك المحتوى للفئة التي قد تتضرر منه, ونحن لا نمتلك تلك الرقابة, فقد نأخذ من كل فيلم أغنية, أخذنا التحرر وحرية الطرح، وتلك الحرية التي تستخدم بشكل خاطئ لتدمير المنظومة الأخلاقية للمجتمع, ولو أن هناك أهمية وضرورة لهذا الطرح فمن الممكن طرحه من خلال فيلم مدته ساعة ونصف أو ساعتين ونسبة التعرض له اختيارية, لكن أن يتم عرضه من خلال عمل ممتد الأطراف والساعات، وبعد ذلك من الممكن أن يعرض على الشاشات، وأرى أنه في منتهى الخطورة, فلا يجب أن نضحك على أنفسنا بعبارات رنانة لا تفيد ولا تطبق، أو نتخذ من التصنيف العمري ستارا لتمرير بعض الأفكار الهدامة، والاعتماد على أن العمل مدرج تحت تصنيف عمري ولا يشاهده إلا من هم فوق ال18 عاما, أو الاكتفاء بالتحذير من أن العمل يحتوي مشاهد عنف وقتل وغير ذلك, جميل جدا, لكن من يسمع هذا الكلام ومن يمتلك القدرة لمنع الناس من التعرض لمثل هذا المحتوى الذي قد يصل فيه المشاهد لدرجة التعاطف مع البطل بالرغم من سلوكه المنحرف ويجد له مبررات بالظروف التي كانت دافعا لمثل ذلك السلوك المرفوض أخلاقيا وقانونيا, لذلك أرفض تلك النوعية". "روشتة علاج" أما المؤلف أيمن سلامة فيرى أن من واجب الفن والدراما التطرق لجميع قضايا المجتمع, ويقول: "منذ قديم الأزل والدراما تهتم بكافة القضايا الاجتماعية, فالدراما اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد تناولت تلك العلاقات المحرمة وتم تقديمها منذ آلاف السنين، فالمشكلات والعلاقات الإنسانية علاقات أبدية وقديمة، والدراما تتناول وتعالج جميع كل مايخص النفس البشرية, فمنذ العصر اليوناني وهو عصر بداية الدراما في القرن الخامس قبل الميلاد تم مناقشة جميع تلك الموضوعات وقدمها سوفوكليس في مسرحياته، ولعل أقدم مسرحية في التاريخ والتي بنى عليها قواعد الدراما وهي مسرحية (أوديب) كانت تدور حول العلاقات المحرمة, فالقواعد الأساسية للدراما المشوقة تقوم في العالم كله على ما يسمى أو ما يعرف بكسر التابوه, ولعل أحد طرق كسر التابوهات هو تقديم العلاقات المحرمة في الدراما". ويضيف سلامة: "القدرة على فك العقدة الدرامية شديدة الإثارة والجدل بطرق يتقبلها الجمهور والمجتمع هي الفيصل والعنصر الأساسي من العناصر التي يجب توافرها في العمل لتحقق الهدف المطلوب، وتكون بمثابة جرس إنذار, والمسئولية هنا تلقى علي عاتق الكاتب ومدى وعيه وفهمه للدراما وعناصرها، وأن يكون الكاتب واعي تماما لما يقدمه لأن الكاتب الذي يتناول قضية ويعرض نموذج للشخص المدمن قد يروج لهذا السلوك دون أن ينتبه ودون التحذير من المخاطر المترتبة عليه, والمشكلة تكمن في أن معظم كتاب الدراما الآن غير دارسين للدراما, فالدراسة والخبرة الكافية هي التي تؤهل لوصف روشتة علاج دون إحداث مضاعفات أو الشعور بمرارة هذا الدواء الذي قد يحتوى على بعض السموم، لكنه يعالج، فلو أن الطبيب غير واعي بتركيبة الدواء قد يؤدي إلى وفاة المريض". ويتابع: "ليس من المفترض أن يقدم الفن بخطوط حمراء, لكن أوافق على عدم خدش الحياء خاصة في الدراما التلفزيونية، التي تتاح لكل أفراد الأسرة ومختلف شرائح المجتمع مع ضرورة الوعي من صناع الدراما لما يتناوله من قضايا، خاصة القضايا الوطنية والسياسية وكل ما يتعلق بالوحدة الوطنية, فالفن سلاح ذو حدين، ومع إنعدام الوعي من الممكن أن يتسبب عمل ما في حدوث فتنة طائفية على سبيل المثال, لذلك أنا من المؤيدين لوجود جهاز الرقابة، وأن يكون جهاز قوي، فهو نائب الشعب وحاميه". اقرأ أيضا: فيديو| كريم فهمي: اتخضيت من تمثيل هند عبد الحليم في «أزمة منتصف العمر»