حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغَنَم والغَنَّام
يوميات الأخبار

الأصعب الذى نواجهه هو تحويل الأحبة الأحياء إلى خانة الموتى، هنا صعوبة الفقد والتحوّل، هكذا كان حال مُحبى شاكر عبدالحميد
بصيرة طه حسين
بينما كنتُ أمشى فى معرض أبو ظبى الدولى للكتاب الاثنين الماضى قابلتُ الدكتور طه حسين يتمشى فى دون دليل فى المعرض فقد اختارته الإمارات العربية المتحدة ليكون شخصية معرض الكتاب فى هذا العام، فكل الشكر لسعادة محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة وللدكتور على بن تميم مدير مركز أبو ظبى للغة العربية وللأستاذ سعيد حمدان الطنيجى مدير المعرض، كان طه حسين فرحا بهذا الاختيار لأنه رأى احتفاء الوطن العربى به بل العالم، فثمانون دولة تشارك فى المعرض وتحدثتُ فى ندوة طه حسين التى بدأَتها أ.د.إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة مثمّنة اختيار طه حسين شخصية المعرض المحورية شاكرة اختيار رمز من رموز الثقافة العربية ومتوقفة أمام مقولته الخالدة «العلم كالماء والهواء» وتحدث الدكتور عمار على حسن عن أيام طه حسين وبلاغته وآرائه بينما توقفتُ حيال حياته التى انتصر فيها للعقل مثل صديقه أبى العلاء المعرى، تكلمتُ عن معاناة طه حسين ومعاركه التى خاضها من أجل نشر العلم والثقافة وحرية البحث العلمى، فالباحث الحق من يلقى بأحجار أفكاره الجديدة ليحرك البحار والبحيرات البحثية النائمة المكرورة، تناولتُ ترجماته التى نقلها بلغة تحسبها لجمالها اللغة الأصل التى كُتب بها العمل المُتَرجَم، مواقف طه حسين ومعاناته تظل قدوة لأجيال لاحقة ترى فيه العصامى الذى لم تهزه الرياح وإنما بنى نفسه علميا وتربويا ومثقفا وذا رأى يُعمل تفكيره، وسمعته وهو يتمشى مرددا مقولة صديقه أبى العلاء المعرى:
أيها الغِرّ إن خُصِصْتَ بعقلٍ
فاتّبِعْهُ، فكلُّ عقلٍ نبيُّ
ذكرى شاكر عبد الحميد
عام مضى على رحيل الصديق الناقد الدكتور شاكر عبد الحميد الذى لا أدرى متى قرأ كل مصادر كتبه وبحوثه؟ وكيف وجد وقتا ليؤلف كل هذه الكتب والترجمات التى تخدم طريقه العلمى وكل هذا وذاك فى منهجية علمية محكمة ولغة أدبية رفيعة، وقد فتح آفاقا جديدة فى النقد الأدبى لأنه خبُر علم النفس والاجتماع والفلسفة والفنون والآداب ووظّف كل هذه العلوم فى النقد الأدبى لذا جاء نقده مختلفا عمن سبقه وعن مجايليه لأنه كان يقف على ضفة التحليل النفسى للأدب من جهة، وعلى الضفة الأخرى ترك للتأويل جموحه التخييلى الهادر ففكّ رموز بعض النصوص الأدبية التى غلقت مفاتيحها عن النقاد والمتلقين، وفى كتابه «الحلم والكيمياء والكتابة فى عالم محمد عفيفى مطر نجد فك الغموض المستغلق فى شعر عفيفى مطر إذ رآه بعض النقاد «يشيع فى شعره ظاهرة الغموض بشكل خطير... وأنه مفتون افتنانا كبيرا بتكديس الصور وتوليد بعضها من بعض دون أن يكون فى القصيدة خط شعورى أو فكرى من الأساس» وشعور الناقد بصعوبة حل بعض رموز القصيدة وصورها جعله يتهم صاحبها «بتكديس الصور ومراكمتها، ويتهم القصيدة بالغموض واستغلاق الإيحاءات بحيث يخرج القارئ من قراءته لها خالى الوفاض؛ مما يزيد من اتساع الفجوة بين القصيدة العربية الحديثة وقرائها» لكن د.شاكر عبد الحميد يشمّر عن أدواته النقدية ومكنوز معارفه فى الفنون وعلم النفس والاجتماع والفلسفة والنقد الأدبى ليشرح لنا صور عفيفى مطر التى يراها «صورا مركبة لكنها قابلة للحل وعالمه الشعرى عالم عميق لكنه قابل لسَبْر غَوْره، على الرغم من تلك الصعوبات المتمثلة فى تركيب الصور عنده وكذلك تراثية المفردات وأشكال المجاز المختلفة لديه» وهنا يفتح مغاليق محمد عفيفى مطر من خلال التبويب الذى ترى فيه موسوعيته المعرفية فيقسم كتابه سبعة أبواب: الكدح، النيل، الصمت، الرعب، والأشباح، الأحلام الكيمياء، الكتابة ثم خاتمة أو محاولة للخروج، وهذا التقسيم السابق تتضح فيه قراءاته فى علم النفس والأدب الشعبى وأثر كارل يونج المنهجى عليه، لكنه فسّر ما لم يفسره النقاد من قبل؛ إننا لم نشعر بفقد المتنبى أو المعرى أو الجاحظ لأننا جئنا وقد رحلوا واتخذوا فى عقولنا خانة الموتى فسكنوها لكن الأصعب الذى نواجهه هو تحويل الأحبة الأحياء إلى خانة الموتى، هنا صعوبة الفقد والتحوّل، هكذا كان حال مُحبى شاكر عبدالحميد الذين فُجعوا برحيله المفاجئ وانتقاله السريع دون نظرة وداع.
عبده الغنّام وغنم القرية
رجلٌ يأتى قريتنا من البادية فى أوائل الصيف قبل فيضان النيل، كان منظرُ جَمَله وهو يقوده أشبه بمركبة فضاء بالنسبة للأطفال، يأتى مصطحبا أبناءه على حميرهم ومعهم كلبان للحراسة، يمرّ على بيوت القرية ليأخذ أغنام القرية للصحراء كان منظره وهو قادم من الصحراء كواحد من أبناء القرية يعود بعد غياب طويل، عاد من الصحراء لمدة يومين كى يسوق أغنام القرية التى يأخذها أمانةً عنده لمدة أربعة أشهر تقريبا ترعى هناك بعيدا عن الطوفان قبل بناء السد العالى حيث يطفو الماء فوق الأراضى الزراعية ولذا رأوا فى هذا الغَنّام حلا سحريا، يأخذ الأغنام ترعى هناك فى الكلأ، والعجيب أنه لأمانته عندما يعود يعيد أغنام كل بيت مصحوبة بالخراف والنعاج المولودة فى أثناء فترة الرعى كان منظره مبهجا عندما يعود فوق جمَله ومعه أبناؤه فوق حميرهم مصحوبين بكلبين للحراسة لتنظيم الأغنام والعجيب أن يوم عودته يوم عيد كأنه معلوم لأفراد القرية، يأتى من بعيد حاديا لجمله والأغنام والجمع متلهف لرؤيته ويمضى كل قطيع من الأغنام إلى حوشه غير منقوص بل مزيد بما وُلد فى أثناء غيبة فترة الرعى ويعطى كل بيت بعض الجبنة التى استخرجها من حليب الشياه، وقد كانت هذه الجبنة من أحلى الجبن التى أكلتها وقد بحثتُ عنها فى ألمانيا فوجدتها فى محلات الأتراك القدامى، وهى من أغلى الجبن وأنفعها كما عرفت مؤخرا. كما أنه لا يقصُّ صوفها فى الصحراء بل بعد عودتها تستحم فى النيل ثم يبدأ جزّ الصوف ويُعطى لامرأة بقريتنا كى تغزله ثم يأخذه عبد النور ليصنع منه «أكْلِمَة» وهى فُرُش من الصوف النقى الناعم تُفرَش على الدّكَك، أو نصنع منها البِرَد [مفردها بُرْدَة] والشيلان نتدثر بها فى الشتاء القارس فلا نحس بالبرد مهما اشتد، لم يكن عبده الغنام يأخذ مقابل هذا العمل سوى كيلات من الفول أو القمح ويفيد من حليب الشياه والجبن المستخرج لكنه كان قصة من قصص القرية المملوءة بالأساطير عن الجنيات والحيوانات المفترسة التى يقابلها فى الصحراء سنحكيها قريبا... كانت أياما جميلة.
أين التربية الوطنية؟
عندما كنا صغارا كان مقرَّر التربية الوطنية أو التربية القومية من المقررات التى يجب أن نذاكرها ونعيها جيدا ونتناقش فيها مع أستاذنا ونُمتحَن فيها وكان كِتابها يناقِش قضايا مصر والعالم العربى وواجبات المواطن وحقوقه أيضا ثم جاء زمن اختفت فيه هذه المادة أو لم تعد لها أهمية فاستهان بها الأستاذ والطلاب ولم نعد نسمع عنها إلا على استحياء ولذا وجدنا النتائج المحزنة فبعض الشباب لا يعرف شيئا عن قضايا بلده ووطنه وصارت الأنا العليا لديه مزيجا من الأنانية واللامبالاة بالآخرين كما أن القضايا الرئيسة فى بلده لا تعنيه وصار يستقى معلوماته من وسائل التواصل الاجتماعى عبر أصدقائه فى مجموعات مغلقة لا تتيح لهم معرفة الحقائق وهذا ما ينبغى أن نلتفت إليه فى عالمنا العربى فمفهوم الدولة يتآكل لدى بعضهم ولا يعنيه أمرها لأنه يود أن يتحول إلى إنسان كوْنى وهذا بكل أسف يقتل لديه الانتماء للعائلة والبلد والوطن.. أعيدوا التربية الوطنية والقومية إلى مناهج مدارسنا مادة أساسية مع برامج ودورات تعمّق الانتماء وحب الوطن.
قصة طريفة من التراث
تروى د.سعاد الحكيم فى كتابها الرائد «المرأة والتصوف والحياة» قصة تراثية «كان لهارون الرّشيد ابن زاهد، خرج من قصر أبيه تورّعًا، وقصد الحلال اليقين فى كلّ شيء يُحيط به من مأكل وملبس ومسكن.. أقام فى غرفة متواضعة مفتوحة على البريّة، عرف هارون الرّشيد بمكانه، قصده للزّيارة وبنيّة العودة به إلى القصر.. عندما رأى هارون الرّشيد الحال المزرية التى يعيش فيها ابنه، تحرّكت فيه مشاعر متضاربة، وبدأ - بحسب الرّواية - يلفت نظره إلى سوء وضعه، ويُشير إلى حال السّقف والجدران والأثاث وغيره، ثمّ أردف ذلك كلّه بأن قال لابنه: يا ولدى إنّك تُحرجنى أمام ناسى، كيف تكون ابنى ويكون هذا حالك؟! لم يُحب ابن هارون الرُشيد وإنّما دعا أباه إلى الانتقال معه إلى خارج الغرفة، إلى البريّة المجاورة، جلس وإيّاه على مقعد، وقال له: يا أبى هل ترى هذا الطائر هناك على شجرة؟ قال هارون الرّشيد: نعم أراه. فقال الابن: اُدْعهُ ليقف على كفّك. فقال هارون الرّشيد: لا أستطيع يا بنى، كيف أكلّم الطّير، أو أجعله يُطيع إشارتى؟! ففرَد الابن كفّه فى الهواء وأشار إلى الطّير أن يأتى ويحطّ على كفّه، فأقبل الطّير وحطّ على كفّ ابن هارون الرّشيد. هنا التفت الابن إلى أبيه وقال: وأنا أيضاً يا أبى، أنت تُحرجنى أمام ناسى، كيف تكون أبى ويكون هذا حالك!
فى النهايات تتجلى البدايات
قال سرى السقطى:
ولمّا اِدّعيتُ الحبّ قالتْ: كَذَبتَنى
فما لى أرَى الأعضاءَ منكَ كَواسيا
فمَا الحبُّ حتى يلصق الجِلد بالحَشا
وتذبُل حتّى لا تُجيب المُناديا
و تنحلُّ حتى لا يُبقِّى لكَ الهَوَى
سِوَى مُقلَةٍ تبكى بها أو تُناجيا
بينما كنتُ أمشى فى معرض أبو ظبى الدولى للكتاب الاثنين الماضى قابلتُ الدكتور طه حسين يتمشى فى دون دليل فى المعرض فقد اختارته الإمارات العربية المتحدة ليكون شخصية معرض الكتاب فى هذا العام، فكل الشكر لسعادة محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة وللدكتور على بن تميم مدير مركز أبو ظبى للغة العربية وللأستاذ سعيد حمدان الطنيجى مدير المعرض، كان طه حسين فرحا بهذا الاختيار لأنه رأى احتفاء الوطن العربى به بل العالم، فثمانون دولة تشارك فى المعرض وتحدثتُ فى ندوة طه حسين التى بدأَتها أ.د.إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة مثمّنة اختيار طه حسين شخصية المعرض المحورية شاكرة اختيار رمز من رموز الثقافة العربية ومتوقفة أمام مقولته الخالدة «العلم كالماء والهواء» وتحدث الدكتور عمار على حسن عن أيام طه حسين وبلاغته وآرائه بينما توقفتُ حيال حياته التى انتصر فيها للعقل مثل صديقه أبى العلاء المعرى، تكلمتُ عن معاناة طه حسين ومعاركه التى خاضها من أجل نشر العلم والثقافة وحرية البحث العلمى، فالباحث الحق من يلقى بأحجار أفكاره الجديدة ليحرك البحار والبحيرات البحثية النائمة المكرورة، تناولتُ ترجماته التى نقلها بلغة تحسبها لجمالها اللغة الأصل التى كُتب بها العمل المُتَرجَم، مواقف طه حسين ومعاناته تظل قدوة لأجيال لاحقة ترى فيه العصامى الذى لم تهزه الرياح وإنما بنى نفسه علميا وتربويا ومثقفا وذا رأى يُعمل تفكيره، وسمعته وهو يتمشى مرددا مقولة صديقه أبى العلاء المعرى:
أيها الغِرّ إن خُصِصْتَ بعقلٍ
فاتّبِعْهُ، فكلُّ عقلٍ نبيُّ
ذكرى شاكر عبد الحميد
عام مضى على رحيل الصديق الناقد الدكتور شاكر عبد الحميد الذى لا أدرى متى قرأ كل مصادر كتبه وبحوثه؟ وكيف وجد وقتا ليؤلف كل هذه الكتب والترجمات التى تخدم طريقه العلمى وكل هذا وذاك فى منهجية علمية محكمة ولغة أدبية رفيعة، وقد فتح آفاقا جديدة فى النقد الأدبى لأنه خبُر علم النفس والاجتماع والفلسفة والفنون والآداب ووظّف كل هذه العلوم فى النقد الأدبى لذا جاء نقده مختلفا عمن سبقه وعن مجايليه لأنه كان يقف على ضفة التحليل النفسى للأدب من جهة، وعلى الضفة الأخرى ترك للتأويل جموحه التخييلى الهادر ففكّ رموز بعض النصوص الأدبية التى غلقت مفاتيحها عن النقاد والمتلقين، وفى كتابه «الحلم والكيمياء والكتابة فى عالم محمد عفيفى مطر نجد فك الغموض المستغلق فى شعر عفيفى مطر إذ رآه بعض النقاد «يشيع فى شعره ظاهرة الغموض بشكل خطير... وأنه مفتون افتنانا كبيرا بتكديس الصور وتوليد بعضها من بعض دون أن يكون فى القصيدة خط شعورى أو فكرى من الأساس» وشعور الناقد بصعوبة حل بعض رموز القصيدة وصورها جعله يتهم صاحبها «بتكديس الصور ومراكمتها، ويتهم القصيدة بالغموض واستغلاق الإيحاءات بحيث يخرج القارئ من قراءته لها خالى الوفاض؛ مما يزيد من اتساع الفجوة بين القصيدة العربية الحديثة وقرائها» لكن د.شاكر عبد الحميد يشمّر عن أدواته النقدية ومكنوز معارفه فى الفنون وعلم النفس والاجتماع والفلسفة والنقد الأدبى ليشرح لنا صور عفيفى مطر التى يراها «صورا مركبة لكنها قابلة للحل وعالمه الشعرى عالم عميق لكنه قابل لسَبْر غَوْره، على الرغم من تلك الصعوبات المتمثلة فى تركيب الصور عنده وكذلك تراثية المفردات وأشكال المجاز المختلفة لديه» وهنا يفتح مغاليق محمد عفيفى مطر من خلال التبويب الذى ترى فيه موسوعيته المعرفية فيقسم كتابه سبعة أبواب: الكدح، النيل، الصمت، الرعب، والأشباح، الأحلام الكيمياء، الكتابة ثم خاتمة أو محاولة للخروج، وهذا التقسيم السابق تتضح فيه قراءاته فى علم النفس والأدب الشعبى وأثر كارل يونج المنهجى عليه، لكنه فسّر ما لم يفسره النقاد من قبل؛ إننا لم نشعر بفقد المتنبى أو المعرى أو الجاحظ لأننا جئنا وقد رحلوا واتخذوا فى عقولنا خانة الموتى فسكنوها لكن الأصعب الذى نواجهه هو تحويل الأحبة الأحياء إلى خانة الموتى، هنا صعوبة الفقد والتحوّل، هكذا كان حال مُحبى شاكر عبدالحميد الذين فُجعوا برحيله المفاجئ وانتقاله السريع دون نظرة وداع.
عبده الغنّام وغنم القرية
رجلٌ يأتى قريتنا من البادية فى أوائل الصيف قبل فيضان النيل، كان منظرُ جَمَله وهو يقوده أشبه بمركبة فضاء بالنسبة للأطفال، يأتى مصطحبا أبناءه على حميرهم ومعهم كلبان للحراسة، يمرّ على بيوت القرية ليأخذ أغنام القرية للصحراء كان منظره وهو قادم من الصحراء كواحد من أبناء القرية يعود بعد غياب طويل، عاد من الصحراء لمدة يومين كى يسوق أغنام القرية التى يأخذها أمانةً عنده لمدة أربعة أشهر تقريبا ترعى هناك بعيدا عن الطوفان قبل بناء السد العالى حيث يطفو الماء فوق الأراضى الزراعية ولذا رأوا فى هذا الغَنّام حلا سحريا، يأخذ الأغنام ترعى هناك فى الكلأ، والعجيب أنه لأمانته عندما يعود يعيد أغنام كل بيت مصحوبة بالخراف والنعاج المولودة فى أثناء فترة الرعى كان منظره مبهجا عندما يعود فوق جمَله ومعه أبناؤه فوق حميرهم مصحوبين بكلبين للحراسة لتنظيم الأغنام والعجيب أن يوم عودته يوم عيد كأنه معلوم لأفراد القرية، يأتى من بعيد حاديا لجمله والأغنام والجمع متلهف لرؤيته ويمضى كل قطيع من الأغنام إلى حوشه غير منقوص بل مزيد بما وُلد فى أثناء غيبة فترة الرعى ويعطى كل بيت بعض الجبنة التى استخرجها من حليب الشياه، وقد كانت هذه الجبنة من أحلى الجبن التى أكلتها وقد بحثتُ عنها فى ألمانيا فوجدتها فى محلات الأتراك القدامى، وهى من أغلى الجبن وأنفعها كما عرفت مؤخرا. كما أنه لا يقصُّ صوفها فى الصحراء بل بعد عودتها تستحم فى النيل ثم يبدأ جزّ الصوف ويُعطى لامرأة بقريتنا كى تغزله ثم يأخذه عبد النور ليصنع منه «أكْلِمَة» وهى فُرُش من الصوف النقى الناعم تُفرَش على الدّكَك، أو نصنع منها البِرَد [مفردها بُرْدَة] والشيلان نتدثر بها فى الشتاء القارس فلا نحس بالبرد مهما اشتد، لم يكن عبده الغنام يأخذ مقابل هذا العمل سوى كيلات من الفول أو القمح ويفيد من حليب الشياه والجبن المستخرج لكنه كان قصة من قصص القرية المملوءة بالأساطير عن الجنيات والحيوانات المفترسة التى يقابلها فى الصحراء سنحكيها قريبا... كانت أياما جميلة.
أين التربية الوطنية؟
عندما كنا صغارا كان مقرَّر التربية الوطنية أو التربية القومية من المقررات التى يجب أن نذاكرها ونعيها جيدا ونتناقش فيها مع أستاذنا ونُمتحَن فيها وكان كِتابها يناقِش قضايا مصر والعالم العربى وواجبات المواطن وحقوقه أيضا ثم جاء زمن اختفت فيه هذه المادة أو لم تعد لها أهمية فاستهان بها الأستاذ والطلاب ولم نعد نسمع عنها إلا على استحياء ولذا وجدنا النتائج المحزنة فبعض الشباب لا يعرف شيئا عن قضايا بلده ووطنه وصارت الأنا العليا لديه مزيجا من الأنانية واللامبالاة بالآخرين كما أن القضايا الرئيسة فى بلده لا تعنيه وصار يستقى معلوماته من وسائل التواصل الاجتماعى عبر أصدقائه فى مجموعات مغلقة لا تتيح لهم معرفة الحقائق وهذا ما ينبغى أن نلتفت إليه فى عالمنا العربى فمفهوم الدولة يتآكل لدى بعضهم ولا يعنيه أمرها لأنه يود أن يتحول إلى إنسان كوْنى وهذا بكل أسف يقتل لديه الانتماء للعائلة والبلد والوطن.. أعيدوا التربية الوطنية والقومية إلى مناهج مدارسنا مادة أساسية مع برامج ودورات تعمّق الانتماء وحب الوطن.
قصة طريفة من التراث
تروى د.سعاد الحكيم فى كتابها الرائد «المرأة والتصوف والحياة» قصة تراثية «كان لهارون الرّشيد ابن زاهد، خرج من قصر أبيه تورّعًا، وقصد الحلال اليقين فى كلّ شيء يُحيط به من مأكل وملبس ومسكن.. أقام فى غرفة متواضعة مفتوحة على البريّة، عرف هارون الرّشيد بمكانه، قصده للزّيارة وبنيّة العودة به إلى القصر.. عندما رأى هارون الرّشيد الحال المزرية التى يعيش فيها ابنه، تحرّكت فيه مشاعر متضاربة، وبدأ - بحسب الرّواية - يلفت نظره إلى سوء وضعه، ويُشير إلى حال السّقف والجدران والأثاث وغيره، ثمّ أردف ذلك كلّه بأن قال لابنه: يا ولدى إنّك تُحرجنى أمام ناسى، كيف تكون ابنى ويكون هذا حالك؟! لم يُحب ابن هارون الرُشيد وإنّما دعا أباه إلى الانتقال معه إلى خارج الغرفة، إلى البريّة المجاورة، جلس وإيّاه على مقعد، وقال له: يا أبى هل ترى هذا الطائر هناك على شجرة؟ قال هارون الرّشيد: نعم أراه. فقال الابن: اُدْعهُ ليقف على كفّك. فقال هارون الرّشيد: لا أستطيع يا بنى، كيف أكلّم الطّير، أو أجعله يُطيع إشارتى؟! ففرَد الابن كفّه فى الهواء وأشار إلى الطّير أن يأتى ويحطّ على كفّه، فأقبل الطّير وحطّ على كفّ ابن هارون الرّشيد. هنا التفت الابن إلى أبيه وقال: وأنا أيضاً يا أبى، أنت تُحرجنى أمام ناسى، كيف تكون أبى ويكون هذا حالك!
فى النهايات تتجلى البدايات
قال سرى السقطى:
ولمّا اِدّعيتُ الحبّ قالتْ: كَذَبتَنى
فما لى أرَى الأعضاءَ منكَ كَواسيا
فمَا الحبُّ حتى يلصق الجِلد بالحَشا
وتذبُل حتّى لا تُجيب المُناديا
و تنحلُّ حتى لا يُبقِّى لكَ الهَوَى
سِوَى مُقلَةٍ تبكى بها أو تُناجيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.