عندما قرأت البيان المالى للعام المقبل الذى ألقاه وزير المالية محمد معيط أمام البرلمان، أُعجبت بالوصف الدقيق لأوضاع الاقتصاد العالمى، وبالصياغات الفخمة «العالم المضطرب»، «والموجة التضخمية غير المسبوقة». وإن أولويات الموازنة تحسين معيشة الأسر الأكثر احتياجا لمواجهة «ظروف استثنائية». مقدمة استدعت فنجان قهوة بن غامق، تحضيرا لالتهام الوجبة الطازجة للحكومة، التى حتما شاملة لإجراءات استثنائية، تبشر هؤلاء المتوقع أن تقع الأزمة على رؤوسهم، بأن هناك من ينشغل بهمهم اليومى، وهو كيف يسدون احتياجات أسرهم لآخر الشهر.. قرأت البيان وأعدت صفحاته مرارا. لم أجد شيئا استثنائيا على الإطلاق. نفس الإجراءات، وهى ذاتها سياسات توزيع الأعباء. فالإيرادات وأهمها الضرائب بالطبع. نجد أكبر نسبة زيادة فى الضرائب، هى ضريبة القيمة المضافة التى يدفعها الكل بالتساوى الأفقر والأغنى عند شراء باكو شاى، أو كيلو بن، أو تدخين سيجارة، أو شراء ساندوتش فول وطعمية، أو عندما يدفع فاتورة المحمول. وهى ستزيد بالموازنة بمقدار 87 مليار جنيه. وكذلك الضريبة على المرتبات ستزيد هى الأخرى 17 ملياراً.. بينما زيادة ضرائب المهن الحرة، والأنشطة الصناعية والتجارية أقل كثيرا. والمدهش أن ضريبة الأرباح الرأسمالية ستنخفض 184 مليون جنيه. ولم تنس الموازنة إعفاء نسبة من ربح حملة الأسهم. وخصم 50% من الأرباح الرأسمالية فى البورصة عند الطرح الأولى لسنتين. بينما لم يأت ذكر لفرض ضريبة على أصحاب الثروات كإجراء استثنائى. وهنا استوعبت أنه لاجديد فى توزيع الأعباء. وبدأت البحث عن تعويض الأكثر تضررا فى بنود الدعم والمزايا الاجتماعية. استبشرت خيرا عندما وجدت أن هذا البند يبلغ 355 مليار جنيه فى الموازنة. وهو ما يزيد عن العام السابق بحوالى 44 مليار جنيه. ولكن وجدت أن الزيادة أقل من تلك التى تمت فى العام السابق. فكيف فى ظل ظروف استثنائية، نخفض قيمة الزيادة، بدلا من مضاعفتها. وبعدها لم أندهش من تخفيض دعم المزارعين بمقدار 120 مليون جنيه، وكذلك دعم ألبان الأطفال، ومثلهما الإسكان الاجتماعى. وهنا لابد أن نذكر بأن الموازنة لم تنس أصحاب الدخول المتواضعة. فجعلت من يتقاضى 2500 جنيه شهريا، أى (أقل من الحد الأدنى للأجور) يدفع 10% ضرائب، بعد أن كانت تلك الضريبة يدفعها من يتقاضى 2000 جنيه فقط. ويبدو لى أنها محض مصادفة أن يستعين د. معيط بنفس الآية القرآنية، التى كان يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق، يستهل بها مقدمة الموازنة، قبل عقد من الزمن.