ليس غريبا أن يُعلن رجال الأعمال دوما ولعهم بالأرباح، وسعيهم لزيادة مكاسبهم. ولكن اعتدنا فى ذات الوقت على ضبطهم متلبسين بتزيين تلك المقاصد بمأثورات، من قبيل فتح أبواب الرزق لخلق الله، وتوسيع فرص الحياة للبشر، وتحقيق التنمية للوطن. ولكى تظل المراكب تسير فى مجراها، نصدق هذا الحديث، ونصفق له. ولكن عندما لا يكترث أحدهم بحشر تلك الأهداف الإنسانية فى حديثه، ولا يسعفه مخزون المأثورات، لترديد نفس النغمة، فيصبح الحديث عصيا على ابتلاعه. حضرت أحد المؤتمرات حول قطاع الأعمال العام، فوجدت أحد الشباب المرموقين فى القطاع الخاص، يتخلى عن اللغة الدبلوماسية فى كلمته. ويقول إن هدف البيزنس لا يعدو أن يكون زيادة المكاسب، وحصد الأموال. «وإذا لم يتحقق لى ذلك، فسوف أغلقه دون تفكير فى مدى أهمية هذا القطاع. فهذا ليس شأنى». وقتها احترمت صراحته غير المغلفة بأى مُحسنات لفظية. فقط وثقت كلامه فى أوراقى. وحمدت الله أن القطاعات الإستراتيجية، مازالت فى يد الدولة. لأنه لولا ذلك لأصبح لدينا تخوفا كبير، إذا ماداهمت بيوتنا أزمة عالمية، أو أخرى محلية، تجعل بعض القطاعات لا تحقق أرباحا. بينما نحن فى أمس الحاجة لاستمرارها. فى وقت يسيطر فيه أمثال رجل الأعمال المرموق وحدهم، على تلك القطاعات. فمن المؤكد أنهم سينسحبون من الساحة، تاركين ظهرنا للحائط. ولم يمر زمن على حديث الشاب، حتى انسحب القطاع العام من إنتاج الأسمنت، تاركا الساحة بالكامل للقطاع الخاص. وبعدها لحق به قطاع الحديد. اعتقدت وقتها أن هذين القطاعين هما آخر الخيط. ولكن خاب ظنى، وأعلن مجلس الوزراء منذ أيام، عن وضع وثيقة أسماها «سياسة ملكية الدولة». وبدا أن تلك الوثيقة هى الإعلان عن نية الدولة فى تخارج القطاع العام من بعض الأنشطة الاقتصادية، لتمكين القطاع الخاص. واعتبر بيان المجلس أن التخارج رسالة طمأنة للمستثمر المحلى والأجنبى. ولا أعرف كيف لا يستطيع القطاع الخاص، الفوز فى حلبة المنافسة مع قطاع عام تعرقله تكاليف العمالة، ونقص الإمكانات المالية، والبيروقراطية. بل ومكبل بكل القيود التى تعوق نموه. وهل فى ظل كل الأزمات الحالية من حروب، وأوبئة، ونقص الإمدادات من الخارج، نتخارج بدلا من أن ندفع القطاعين لمزيد من المنافسة، لصالح البشر بحق. وليس من قبيل المحسنات البلاغية.؟