وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    8 ديسمبر 2025.. الذهب يرتفع هامشيًا وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي    الإسكان: دفع العمل بمشروعات الطرق بمواقع سكن لكل المصريين في حدائق أكتوبر و15 مايو    رئيس الوزراء يبحث مع منظمة «الفاو» سبل تعزيز الأمن الغذائي    الأردن يدعو المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل بوقف تصعيدها الخطير وإجراءاتها غير الشرعية    القاهرة الإخبارية: قصف مدفعي إسرائيلي متواصل في المناطق الصفراء شرق غزة    الأزمة تتصاعد.. صلاح خارج قائمة ليفربول لمواجهة انتر ميلان    حسام حسن يوجه رسالة لحسن شحاتة: نتمنى له الشفاء العاجل    سقوط أمطار وسط أحوال جوية غير مستقرة في القليوبية    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    النيابة العامة تحقق في حادث قضاة المنيا.. وتصريح الدفن عقب صدور تقرير الطب الشرعي وتحاليل الDNA    بالأسماء.. إصابة 16 شخصًا بحالات اختناق داخل مصنع بالإسماعيلية    رئيس الأوبرا يهنئ الطالبة هند أنور لفوزها فى مهرجان نسيج الفن بالدوحة    وزير الثقافة يشارك في افتتاح فعاليات مهرجان منظمة التعاون الإسلامي الثقافي «أسبوع الإبداع» بأذربيجان    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    ألونسو مُهدد بالرحيل عن الريال بعد قمة السيتي.. ومفاضلة بين زيدان وكلوب    تعليم وأوقاف دمياط تنظمان مبادرة "صحح مفاهيمك" لتعزيز الوعي الديني    جامعة قنا تنظم ندوة توعوية عن ظاهرة التحرش    منذ لحظات .. محمد صلاح يصل مقر تدريبات ليفربول قبل قمة إنتر ميلان بدوري الأبطال.. فيديو    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    العسقلاني: الأهلي فاوضني قبل الرباط الصليبي.. وهذه قيمة الشرط الجزائي في عقدي    اسعار الحديد اليوم الاثنين 8 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    انتخابات النواب، السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها للتصويت بالدوائر الملغاة    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    فريق طبي بمستشفى فايد بالإسماعيلية ينقذ مصابا بقطع نافذ بالشريان الفخذي خلال 30 دقيقة    رئيسة وزراء بريطانيا تؤكد التزام بلادها بدعم أوكرانيا وتؤيد خطة السلام الأمريكية    «ولنا في الخيال حب» يتصدر المنافسة السينمائية... وعمرو يوسف يحتل المركز الثاني    شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصص عائلية تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي ل"اللي باقي منك"    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    الجوهري: العلاقات بين مصر والصين تمثل نموذجاً راسخاً لشراكة استراتيجية شاملة    الصحة تنفي وجود فيروسات جديدة وتؤكد انتظام الوضع الوبائي في مصر    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    بعد ساعات من التوقف.. إعادة تشغيل الخط الساخن 123 لخدمة الإسعاف بالفيوم    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" يزورون المتحف المصري الكبير    وزير الثقافة يعلن اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    حسام أسامة: بيزيرا «بتاع لقطة».. وشيكو بانزا لم يُضِف للزمالك    أسعار اليورانيوم تتفجر.. الطاقة النووية تشعل الأسواق العالمية    بالأسماء، "المحامين" تعلن أسماء المستبعدين من انتخابات الفرعيات في المرحلة الثانية    وزير الشباب والرياضة يكشف تفاصيل تحقيقات واقعة يوسف محمد وتحديد مواقع الإهمال    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    مجلس الدولة يفتح باب التعيين لوظيفة «مندوب مساعد» لخريجي دفعة 2024    الدفاع الروسية: إسقاط 67 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيرين هلال تكتب: بعد إذن دكاترتنا وأساتذتنا الكرام


هذا الكلام موجه لأشخاص لا تحترم العلم والعلماء
أرجو أن تسمحوا لي بفسحة في الالفاظ وان تتغاضوا عن ما سأقدم من علقة ساخنة او مد على الرجلين لسفهاء الأحلام.
إهداء لكل منظرين الفاكهة والخضار،
توجيه لكل من يرى في نفسه محلل سياسي بالفطرة،
إعلان لكل من يظن أن علم السياسة مجرد أهواء شخصية،
إنذار لكل من سولت له نفسه الافتاء بغير علم،
ضربة على نافوخ كل (انفلونسر)ظن نفسه جهبذا.
أطرح لكم وجهة نظر عجوز السياسة وعراب العلاقات الدولية الامريكية الأكبر ومهندس ماكيفيلية العالم الحديث صاحب ال98 عام على وجه الارض، لأنه تنبأ بما نمر به اليوم من حرب ضروس ووضع سيناريوهات لو اتبعها الاطراف المعنية، ما كان العالم الان يقف في هذا المأزق الكبير.
ولمن لا يعلم من هو هنري كيسنجر؛ هو سياسي ودبلوماسي امريكي شغل منصب مستشار الأمن القومي ووزير خارجية بلاده منذ عام 1969 حتى 1977 في عهد الرؤوساء ريتشارد نيكسون وجيرالد فوكس. التحق كيسنجر بجامعة هارفارد حصل على البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1950 ، وحصل على درجة الماجستير عام 1952 ودرجة الدكتوراه في 1954.
تميز هنري كيسنجر بممارسته سياسة بأسلوب الريالبوليتيك باعتبارها مفهوما عمليا يمثل الواقعية السياسية الذي تطبقه الدول الكبرى في مواجهتها للكثير من صراعاتها السياسية، أو مناقشتها الدبلوماسية مع دول أخرى، كما يعد مفهوما يستند في أساسه على دوافع عملية تخضع لاعتبارات المصالح العليا للدولة بعيدا عن حساباتالمفاهيم الأخلاقية. من أهم القضايا التي ظهرت فيها لمسات أو طعنات كيسنجر:
هندسة الانفراج مع الاتحاد السوفيتي، وصاغ انطلاق العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية، كذلك ممارسة ما يعرف بدبلوماسية المكوك في الشرق الأوسط لإنهاء حرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل، والتفاوض على اتفاقات السلام في باريس، كذلك السعي لإنهاء المشاركة الأمريكية في حرب فيتنام. وبالإضافة للكثير من العمليات السياسية شديدة التعقيد في التاريخ الحديث.قام بتأليف 18 كتاب منشور بالإضافةلعدد لا حصر له من الحلقات المسجلة.
وبما أننا في خضم الحرب الروسية الأوكرانية، لم يكن المُنَظر السياسي الأجش بعيدا عن الحدث بإسهام سابقللوقوعه كالعادة بزمن طويل،أترككم مع كلام السيد هنري وأعود بعدها للتعليق:
نبوءة هنري كيسنجر قبل 8 سنوات
هنري . أ . كيسنجر
ترجمة: غانية ملحيس
صحيفة واشنطن بوست 6 مارس 2014
كيف تنتهي الأزمة الأوكرانية؟
النقاش العام المتعلق بأوكرانيا يدور كله حول المواجهة. لكن هل نعرف الى اين نحن ذاهبون؟
في حياتي، رأيت اربعة حروب بدأت بحماس وتأييد شعبي كبير. لم نكن نعرف كيف تنتهي، وفي ثلاثة منها انسحبنا من جانب واحد. اختبار السياسة يكون بالكيفية التي تنتهي بها، وليس كيف تبدأ.
في كثير من الأحيان يتم طرح القضية الأوكرانية باعتبارها عرضا: ما اذا كانت اوكرانيا تنضم إلى الشرق ام الغرب. ولكن اذا كان لأوكرانيا ان تعيش وتزدهر، فلا يجب ان تكون البؤرة الأمامية لأي من الجانبين ضد الآخر – بل ينبغي لها ان تعمل كجسر بينهما.
يتعين على روسيا ان تتقبل ان محاولة ارغام اوكرانيا على التبعية، وبالتالي نقل حدود روسيا مرة اخرى، من شأنه ان يحكم على موسكو بتكرار تاريخها من دورات الانجراف الذاتي للضغوط المتبادلة مع اوروبا والولايات المتحدة.
ويتعين على الغرب ايضا، ان يدرك ان اوكرانيا بالنسبة لروسيا، لا يمكن ابداً ان تكون مجرد دولة اجنبية.
بدأ التاريخ الروسي فيما كان يسمى كييفان – روس. ومن هناك انتشرت الديانة الروسية. كانت اوكرانيا جزءاً من روسيا لعدة قرون، وكان تاريخهما متشابكا قبل ذلك. بعض اهم المعارك من اجل الحرية الروسية، بدءاً من معركة بولتافا عام 1709 تم خوضها على الأراضي الاوكرانية. اسطول البحر الأسود – وسيلة روسيا لإبراز قوتها في البحر الأبيض المتوسط - يستند الى عقد ايجار طويل الأجل في سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم. حتى المنشقين المشهورين مثل الكسندر سولجينتسين وجوزيف برودسكي كانوا يصرون على ان اوكرانيا كانت جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الروسي، بل ومن روسيا.
يتعين على الاتحاد الاوروبي ان يُدرك ان تشبثه البيروقراطي واخضاعه الإعتبارات الإستراتيجية للسياسة المحلية عند التفاوض حول علاقة اوكرانيا باوروبا، وقد ساهم في تحويل المفاوضات الى ازمة. فالسياسة الخارجية هي فن تحديد الأولويات.
ان الاوكرانيين هم العنصر الحاسم، وانهم يعيشون في بلد له تاريخ معقد ومكونات متعددة. تم دمج الجزء الغربي في الإتحاد السوفيتي في العام 1939، عندما تقاسم ستالين وهتلر الغنائم.
شبه جزيرة القرم، حيث 60 % من سكانها روس، اصبحت جزءاً من اوكرانيا فقط في العام 1954، عندما منحها لها نيكيتا خروتشوف - الأوكراني المولد – كجزء من الإحتفال بمرور 300 عام على اتفاقية روسيا مع القوقاز.
الجزء الغربي من اوكرانيا كاثوليكي الى حد كبير، فيما الجزء الشرقي يدين بالأرثوذكسية الروسية الى حد كبير. الجزء الغربي يتكلم الاوكرانية، والشرقي يتحدث اغلبه الروسية. اية محاولة من جانب احد اجنحة اوكرانيا للهيمنة على الآخر – كما كان النمط – ستؤدي في النهاية الى حرب اهلية او تفكك.
ان التعامل مع اوكرانيا كجزء من المواجهة بين الشرق والغرب من شأنه ان يُفسد لعقود اي إحتمال لإدخال روسيا والغرب عموما – وروسيا واوروبا خصوصا – في نظام دولي تعاوني.
اوكرانيا حظيت بالإستقلال لمدة 23 عاماً فقط، كانت في السابق ومنذ القرن الرابع عشر تحت نوع من الحكم الأجنبي.
وعليه، ليس من المستغرب ان قادتها لم يتعلموا فن التسويات، ولا حتى من المنظور التاريخي. تُظهر سياسات اوكرانيا ما بعد الإستقلال بوضوح ان جذر المشكلة يكمن في جهود السياسيين الأوكرانيين لفرض ارادتهم على اجزاء متمردة من البلاد. اولا من قبل فصيل واحد، ثم من قبل الفصيل الآخر. هذا هو جوهر الصراع بين فيكتور يانوكوفيتش ومنافسته السياسية الرئيسية يوليا تيموشينكو. انهم يمثلون جناحي اوكرانيا، ولم يكونوا على استعداد لتقاسم السلطة.
السياسة الأمريكية الحكيمة تجاه اوكرانيا من شأنها إيجاد طريقة يتعاون بها شطرا البلاد مع بعضهما البعض. يجب ان نسعى للمصالحة وليس الى سيطرة فصيل على آخر.
لم تتصرف روسيا والغرب، ولا حتى مختلف الفصائل في اوكرانيا على الأقل ، وفقًا لهذا المبدأ. كل واحد جعل الوضع اسوء. ولتكون روسيا قادرة على فرض حل عسكري دون عزل نفسها، في وقت تكون فيه العديد من حدودها غير مستقرة بالفعل. وبالنسبة للغرب، فإن شيطنة فلاديمير بوتين ليست سياسة.
انها حجة لعدم وجود سياسة.
يتعين على بوتين ان يدرك ان سياسة الضغط العسكري – بغض النظر عن مظالمه - ستؤدي الى حرب باردة اخرى. ومن جانبها، تحتاج الولايات المتحدة الى تجنب معاملة روسيا كطرف ينبغي تعليمه بتأن قواعد السلوك التي وضعتها واشنطن.
بوتين هو استراتيجي جاد – وفقا للتاريخ الروسي، ولا يناسبه كثيراً فهم قيم الولايات المتحدة واهوائها. كما لم يكن فهم التاريخ والأهواء الروسية مثار اهتمام لصانعي السياسة في الولايات المتحدة.
يجب على القادة من جميع الأطراف العودة الى فحص النتائج، وليس التنافس في المواقف. اليكم مفهومي للنتائج التي تتوافق مع القيم والمصالح الأمنية لجميع الأطراف:
1. يجب ان يكون لأوكرانيا الحق في حرية إختيار المؤسسات الإقتصادية والسياسية، بما في ذلك مع اوروبا.
2. لا ينبغي ان تنضم اوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو الموقف الذي اتخذته قبل سبع سنوات عندما طرح آخر مرة.
3. يجب ان تكون لأوكرانيا الحرية في إنشاء اية حكومة تتوافق مع الإرادة المعلنة لشعبها، وعندئذ يختار القادة الأوكرانيون الحكماء سياسة المصالحة بين مختلف أجزاء بلدهم.
وعلى الصعيد الدولي، ينبغي عليهم اتباع وضع مماثل لوضع فنلندا. فلا تترك تلك الدولة ادنى شك في استقلالها التام، وتتعاون مع الغرب في معظم المجالات، لكنها تتجنب بعناية العداء المؤسسي لروسيا.
4. يتعارض ضم روسيا لشبه جزيرة القرم مع قواعد النظام العالمي القائم. غير انه ينبغي ان يكون بالإمكان تنظيم علاقة شبه جزيرة القرم باوكرانيا على اساس اقل تشدداً.
ولهذه الغاية، يتعيَّن على روسيا الإعتراف بسيادة اوكرانيا على شبه جزيرة القرم. ويتعيَّن على اوكرانيا تعزيز الحكم الذاتي لشبه جزيرة القرم في الإنتخابات التي تجري بحضور مراقبين دوليين. ستشمل العملية ازالة اي غموض حول وضع اسطول البحر الأسود في سيفاستوبول.
هذه مبادئ وليست وصفات.
سيدرك الأشخاص العارفون بالمنطقة انه لن يكون كل منها مقبولاً من جميع الأطراف. الإختبار ليس الرضا المطلق، بل عدم الرضا المتوازن. واذا لم يتم التوصل الى حل قائم على هذه العناصر او العناصر المماثلة، فسوف يتسارعا للإنجراف نحو المواجهة.
سيأتي وقت ذلك قريباً.
التعليق والتلخيص لطرح كيسنجر من جانبي:
الرجل أقر بأن حرفية السياسة تحدث عندما تعرف كيف تخرج من الحرب وليس كيف تشعلها، فهو لا يرى الحرب القائمة مجدية ولا يكترث كثيرا لمكاسب كلا الطرفين. حدد أيضا مبدأ جوهري في السياسة الخارجية لأي كيان أو دولة وهو" تحديد الأوليات". والأولوية في رهان على أمن الإتحاد الروسي القومي في مقابل إسالة لعاب طرفي السلطة في أوكرانيا حديثة العهد بالحكم المحلي، والبيت الأوكراني غير المدرب على عقد التسويات السياسية من أجل إدخاله حظيرة الناتو في غفلة من الدب النائم هو بالنسبة لكسنجر، فهو رهان خاسر حتما، كما الدخول في حرب شعواء لا طائل منها سوا إحداث خلل بتوازن النظام الأوروبي وإهدار فرصة للأمن التعاوني بين الشرق والغرب.
قدَر كيسنجر حساسية الجغرافيا الجيوسياسية لأوكرانيا والتي تؤهلها لدور في الخريطة الدولية خطيربوسطيته، فأسماها ب"جسر بين الشرق والغرب". ولذلك يتعين على الأوكران أن يتفهموا مدى خطورة موقعهم ويتقبلوا تلك الحتمية بمزيدا من الإدراك السياسي لفرصتهم الكبرى التي يصرون على إغفالها. تلك الفرصة تكمن في حفاظهم على أمن دائم يكرس لبقاءه المعسكر الشرقي القديم (الروس) ويضمنه المعسكر الغربي الجديد (الولايات المتحدة والناتو) بمنحها منطقة دافئة أمنيا. بمعتى أخر هو يري أوكرانيا ممنوحة لأمن مجاني بشروط إبقاءها على تخدير مفاصل صراعها الداخلي وإستفاقة لمحادثات سلام مع روسيا.الأمر الذي من شأنه أن يجعلها مدللة من الشرق أمنيا ومرغوبة من الغرب إقتصاديا.
كما حذر ثعلب التنظير رجل الكرملين من مغبة استحضار أمجاد القياصرة السابقين بالدخول في حرب بعد أن وضع يده على جزيرة القرم بما يؤمن مصالحه بشكل لا يتعارض مع مبادئ القانون الدولي ولا يفسد عليه الوجود في الموانئ الدافئة. بمعنى أخر نصحه بأن يلعب طبقا لقواعد اللعبة الدولية، كأن يسعى لتخفيف حدة الخطاب الإستقطابي بما يخيف حديثوا العهد بالسياسة القابعين على رأس السلطة في أوكرانيا، أو أن يتقبل منح الحكم الذاتي للإقليم بالإتفاق مع كييف. ووضع له سُماً في عسل بأن نصحه بالقبول بدخول قوات دولية في الإقليم!
حذر العارف ببواطن الشأن السياسي الغربي وخصوصا الأمريكي، القائمين عليه من مغبة إشعال فتيل حرب لا يعرف أحد مداها، يقوم بإشعالها كل من يظن أن الدب سيظل يوهمهم بثباته غير العميق وستكون أوكرانيا فيها الحطب وعدد من الدول المجاورة عن طريق إسالة لعاب كييف للدخول في حلف الناتو.كما رفض كليا السياسات الخارجية التي من شأنها التدخل بإشعال فتيل الأزمات بالداخل الأوكراني بدعم غربي من شأنه إحلال مزيدا من الدمار في البنية السياسية المتهالكة. إستعاض عن كل تلك الممارسات (التآمرية) بطرح بديلا لإستمرار النفوذ الأمريكي الناعم في حديقة الروس الخلفية وهو إعطاء مزيدا من الحرية السياسية في الفضاء الدولي (قولا)لأوكرانيا وضمها لمؤسسات سياسية وإقتصادية تميل للمعسكر الغربي (فعلا) من شأنها عدم إثارة موسكو وشواغلها الأمنية.
بقى اخروأهم تعقيب على كلام السيد هنري كيسنجر؛ حدد الرجل البيئة السياسية الداخلية والخارجية وطبيعتها التاريخية والديموغرافية والسياسية لأطراف النزاع في المسألة المطروحة في روسيا و أوكرانيا، لكي يتسنى له أن يضع حلولا واخرى بديلة، شارحا أسباب تبنيه لذلك الحل وإستبعاده لتلك الفرضية وتخوفه من هذا وتقبله لهؤلاء. لم يُسقط ذلك المُعمرالإشارة إلى هوة الخلاف الأيديولوجي العميقة التي ما زالت قائمة بين المنظور الغربي و نظيره الروسي. وكمتمرس للشأن السياسي حلل ملامح الجدية والصلابة التي يتفوق بها بوتين كصانع لسياسة روسيا و تعدد الجبهات بالمعسكر الغربي في المقابل. مارس جانب من التحليل السلوكي لشخص رجل الكرملين وحكم قطعا بأنه من المستحيل أن يردعه أحد عن تأمين مصالح بلاده وأولها الحفاظ على الكرامة الروسية العتيدة.
قدم تحليلا متكاملا ومتوازنا للمشهد في سطور بسيطة، يستطيع صانع القرار بناء عليه شكل سياسته الخارجية تجاه منطقة تشهد تصعيدا عنيفا غير مسبوق هذه الأيام.
تخيلوا معي ماذا كان سيحدث لنا جميعا لو استمع المعسكرين الشرقي والغربي لكلام كسينجر أو حتى أخذوا ببعض منه؟ دعونا نرجع بخيالنا للوراء اسبوعا واحدا، ألم يكن هذا العالم في حاجة للإسترشاد بتلك الروشتة؟ هل نستطيع رصد قيمة مادية ملموسة لما يستحقه من تقدير مثل ذلك المحلل السياسي أو غيره في إنقاذ حياة الآلاف وقد يكون الملايين؟ وهل نستطيع بالمقابل تحديد عقوبة يستحقها كل من أفتوا بوجوب الذهاب إلى تلك الحرب؟
انتهى كلام كسينجر وسواء اتفقنااو اختلفنا فيما أتى به الرجل من طرح فعليناالتأصيللاشياء هامة:
*أن نتعلم قبل أن نتكلم في شأن أبعد ما يكون عن حدود علمنا في مجال يتعلق بسياسة دول لها طبيعتها الخاصة في وقت حروب شرسة أول ميادينها هو الوعي الجمعي لمجتمعنا قبل ميدانها الأصلي.
*أن السياسة ليست نزهة ولا يؤهلنا للحديث فيها عدد المتابعين أو كثرة الفانز على تلك التطبيقات ولا نسعى خلف الظهور امام كاميرات الإعلام للتنظير في ما لم نأتي به خُبرا، فنحن لسنا في معرض استديو تحليل لمباراة كرة قدم أو حلبة مصارعة حرة، نحن في ميدان حرب وجيوش وأسلحة دمار شامل واطلاق قاذفات سيبرانية، تطولنا جميعا لا محالة.
*علم السياسة من الخطورة بما كان ان يصنع عالُما مثالي وان يشعل في الوقت ذاته حربا لا تضع أوزارها. فلا ننظر وندافع و نشجب و نتحيز في حرب لا ناقة لنا فيها ولا عنزة، لأن تجييش الرأي العام أو استمالته عن طريق تبني المواقف أو شيطنة الأطراف ما هو إلا عمل عبثي لا يقدم عليه إلا كل ما كان بداخل عقله آنية فارغة فيحدث جلبة تؤنس خواء تلك الرأس.
*نتأكد ان هناك دولاً ترصد لدراسة هذا العلم ملايين الدولارات على باحثين وعلماء في مراكز بحثية مرصود لها إمكانيات خيالية من سياسيين وعلماء علوم مختلفة وعلماء حاسوب وعسكريين وغيرهم من أجل محاكاة كل ما نراه اليوم على الساحة من رد وما يقابله من ردود أفعال. كل هذا يحدث من اجل التاثيرعلى جموع الناس من امثال من نراهم هواة التنظير المجاني لكي يكتبوا ترهات مستوحاه من ما يسربون لهم على الميديا ليقوم الفئران باللهث خلفها كفأر يلهث خلف جبن مسموم.
*لابد أن نكون على يقين بان الإفتاء في السياسة لا يأتي من قراءة الكتب وليس مسألة حسابية يساوي فيه الجمع ما جمعناه من حديقة برتقال ، العكس هو الصحيح قد تجمع البرتقال ويظهر معك الرقم "صفر" وقد تطرح الأعداد فيظهر معك الرقم "تريليون". إنه علم الممكن نعم وعلم الغير ممكن أيضا.
وأترككم مع تعريف أحد أهم علماء السياسة لهذا التخصص وهو دايفيد إيستون والذي يعرف السياسة في ثلاث كلمات و ما أخطرهم، بأنها:
"التوزيع السلطوي للقيم" !
هل علم الأن من يتغولون على ذلك العلم مبلغ جرمهم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.