قبل أن تخوض غمار أي نزاعٍ مسلحٍ أو حربٍ لا بد أن تحسب كل صغيرة كبيرة، فليست قواعد الحرب وموازين القوى هي وحدها الفيصل في اتخاذ هذا القرار الفاصل، فثمة أمور أخرى لا بد أن تكون في الحسبان، وأنت مقبلٌ على حربٍ، خاصةً لو كانت ليست كأي حربٍ، بل إنها قد تكون أم المعارك في القرن الحادي والعشرين، وقد تفضي نحو حرب عالمية جديدة. قبل أن تشرع روسيا في حربها على أوكرانيا، كانت تعلم كل العلم أن سلاح العقوبات المسلط ضدها سيكون أول خطوة يبدأ الغرب في تنفيذها ضد موسكو، فلم يكن مفاجئًا بالنسبة لها أن تُنزل حلفاء أوكرانيا، سواء الولاياتالمتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي، العقوبات الاقتصادية تلو الأخرى تجاه موسكو. وفي أعقاب اندلاع الحرب، وافق قادة الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات جديدة على قطاعات الخدمات المالية والطاقة والنقل في روسيا وفرض قيود على الصادرات، بالإضافة إلى إدراج المزيد من الروس على قوائم سوداء على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا. ولاحقًا أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن انضمام الولاياتالمتحدة إلى المفوضية الأوروبية ودول غربية أخرى في فصل بعض بنوك روسيا عن نظام "سويفت" وفرض عقوبات مالية جديدة. استباق روسي وفي غضون ذلك، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إن روسيا اتخذت خطوات لحماية نفسها من هزة اقتصادية قد تسبّبها العقوبات، إذ قلّصت موازنتها وعزّزت احتياطاتها من العملات الأجنبية، وسعت إلى تنويع محفظتها التجارية، كي تصبح أقلّ اعتمادًا على الاتحاد الأوروبي في عائدات التصدير. وأشارت الصحيفة إلى أن روسيا تعمل لتعزيز مواردها المالية، ممّا قد يسهم في دعم الاقتصاد والحفاظ على تمويل الحكومة، خلال تعرضها لعقوبات، مضيفةً أن موسكو اعتمدت سياسة مالية محافظة وقلّصت ديونها بالنسبة إلى دول أخرى، مثل الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين. ونوهت الصحيفة إلى أن روسيا سبق أن استخدمت عائدات النفط والغاز في تشكيل مخزونها من الذهب والعملات الأجنبية، منذ أزمة أوكرانيا في عام 2014، حينما ضمت شبه جزيرة القرم، عبر استفتاءٍ شعبيٍ رفضت واشنطن وبروكسل وكييف الاعتداد بشرعيته، ما دفع الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة وقتها لإنزال سيل من العقوبات ضد موسكو، حيث استخدمت موسكو هذا الاحتياط لدعم الروبل (العملة المحلية). وأوضحت الصحيفة الأمريكية أنه خارج روسيا يمكن لتداعيات النزاع في أوكرانيا والعقوبات الناتجة عنه، أن تمسّ بالاقتصاد العالمي، الذي يعاني من تضخم وصعوبات في سلسلة التوريد. ولفتت الانتباه إلى ارتفاع أسعار النفط الثلاثاء، وصادرات روسية وأوكرانية ضخمة أخرى، مثل الغاز الطبيعي والقمح والألومنيوم. وعائدات الصادرات الروسية الأكبر لدى الغرب، من المنتجات المعدنية مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم، وقد تم استثناء جزء كبير منها من العقوبات ولم تطالها يد واشنطن وبروكسل، خشية ارتفاع كبير لأسعار النفط العالمية. واكتسب الصراع الروسي الأوكراني منعطفًا جديدًا فارقًا، في 21 فبراير الجاري، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف بجمهوريتي "دونيتسك" و"لوجانسك" جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، في خطوةٍ تصعيديةٍ لقت غضبًا كبيرًا من كييف وحلفائها الأوروبيين. وفي أعقاب ذلك، بدأت القوات الروسية، فجر يوم الخميس 24 فبراير، في شن عملية عسكرية على شرق أوكرانيا، ما فتح الباب أمام احتمالية اندلاع حرب عالمية "ثالثة"، ستكون الأولى في القرن الحادي والعشرين. وقال الاتحاد الأوروبي إن العالم يعيش "أجواءً أكثر سوادًا" منذ الحرب العالمية الثانية، فيما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض حزمة عقوبات على روسيا، ستكون الأقسى على الإطلاق. وعلى مسرح الأحداث، قالت وزارة الدفاع الروسية إنه تم تدمير منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية وقواعدها وباتت البنية التحتية لسلاح الطيران خارج الخدمة. وعلى الجانب الآخر، أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي فرض الأحكام العرفية في عموم البلاد. وقال زيلينسكي، في خطاب موجه إلى الشعب الأوكراني، إن القوات الروسية شنت ضربات على مرافق للبنى التحتية العسكرية وحرس الحدود. وأشار الريس الأوكراني إلى أنه في ظل هذه التطورات أجرى اتصالا مع نظيره الأمريكي جو بايدن، مشددًا على أن الولاياتالمتحدة قد شرعت في إعداد ردها على الإجراء العسكري الروسي، حسبما ذكر زيلنسكي. وقبل أن تتطور الأوضاع بوتيرةٍ متسارعةٍ، كان الوضع محتدمًا في منطقة دونباس، جنوب شرق أوكرانيا، بعد تبادل السلطات الأوكرانية وجمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين، المعلنتين من جانب واحد، اتهامات بخرق اتفاقات مينسك وانتهاك نظام وقف إطلاق النار. وتدفع سلطات كييف، منذ فترة، بقوات إضافية ومعدات عسكرية ثقيلة، إلى خط التماس الفاصل بين قواتها المسلحة، والقوات التابعة لجمهوريتي دونيتسك ولوجانسك، ما يرفع من حدة التوتر القائم في منطقة "دونباس"، جنوب شرق أوكرانيا. وتدهور الوضع في دونباس خلال الأيام الماضية، وأبلغت جمهوريتا دونيتسك ولوجانسك المعلنتان من جانب واحد، عن تعرضهما للقصف مكثف من قبل القوات الأوكرانية، فيما نفت كييف تلك المزاعم، وقال الضابط المسؤول عن التواصل مع وسائل الإعلام لوكالة "رويترز" البريطانية، "على الرغم من حقيقة أن مواقعنا تعرضت لإطلاق نار بأسلحة محظورة، منها مدفعية عيار 122 ملليمترًا، فإن القوات الأوكرانية لم تفتح النار ردًا على ذلك". ومع ذلك، فقد تعهد الرئيس الأوكراني ، في الوقت ذاته، بأن بلاده "ستدافع عن نفسها" في مواجهة أي "غزو روسي"، حسب قوله. وكانت روسيا، قبل أن تبدأ في شن عملية عسكرية ضد أوكرانيا، ترفض بشكلٍ دائمٍ، اتهامات الغرب بالتحضير ل"غزو" أوكرانيا، وقالت إنها ليست طرفًا في الصراع الأوكراني الداخلي. إلا أن ذلك لم يكن مقنعًا لدى دوائر الغرب، التي كانت تبني اتهاماتها لموسكو بالتحضير لغزو أوكرانيا، على قيام روسيا بنشر حوالي 100 ألف عسكري روسي منذ أسابيع على حدودها مع أوكرانيا هذا البلد المقرب من الغرب، متحدثين عن أن "هذا الغزو يمكن أن يحصل في أي وقت". لكن روسيا تقول إنها تريد فقط ضمان أمنها، في وقت تقوم واشنطن بإرسال تعزيزات عسكرية إلى أوروبا الشرقيةوأوكرانيا أيضًا. ومن جهتها، اتهمت موسكو حينها الغرب بتوظيف تلك الاتهامات كذريعة لزيادة التواجد العسكري لحلف "الناتو" بالقرب من حدودها، في وقتٍ تصر روسيا على رفض مسألة توسيع حلف الناتو، أو انضمام أوكرانيا للحلف، في حين تتوق كييف للانضواء تحت لواء حلف شمال الأطلسي. اقرأ أيضًا: أحدثها «لوجانسك» و«دونيتسك».. جمهوريات سوفيتية «غير معترف بها» تحظى بمباركة روسية