الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
انتخابات مجلس نواب 2025، الحصر العددي في لجنة مدرسة القباب الكبرى بدكرنس بالدقهلية
13.5 ألف طالب يستفيدون من خدمات التكافل الطلابي.. و9.5 ألف طالب بالخدمات الطبية
جامعة المنيا: اعتماد استراتيجية الابتكار والأمن السيبراني
يوفنتوس يحقق أول فوز فى دورى أبطال أوروبا على حساب بودو جليمت.. فيديو
رئيس البرازيل السابق جايير بولسونارو يبدأ تنفيذ حكم بالسجن 27 عاما بتهمة التخطيط لانقلاب
الرئيس النيجيري يعلن إنقاذ جميع الطالبات المختطفات من مدرسة في ولاية كيبي
بعد تصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية.. الفقي: ترامب يبعث برسالة غير مباشرة لحماس
بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا
كريم الدبيس: أي حد أفضل من كولر بالنسبالى.. وجالى عرضين رسميين للاحتراف
الشناوى وعبد القادر وجرديشار.. أبرز 7 غيابات للأهلي أمام الجيش الملكى
اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الخميس والسبت فى دور ال32 بكأس مصر
"لم ننسحب وعدم خوض المباراة حفاظا على جماهيرنا".. بيان من الاتحاد السكندري عن نهائي مرتبط السلة
فرز الأصوات فى لجنة مدرسة عمرو شكرى الإعدادية بنات بطور سيناء.. فيديو
مصرع شخص ووالدته وإصابة 2 آخرين إثر حادث تصادم سيارتين بحدائق أكتوبر
بالأرقام.. مؤشرات اللجنة الفرعية رقم 44 بدائرة المطرية محافظة القاهرة
رؤساء لجان الانتخابات يكشفون تفاصيل اليوم الثاني من المرحلة الثانية لانتخابات النواب
افتتاح الدورة الثانية من مهرجان الفيوم الدولى لأفلام البيئة بحضور نجوم الفن
لجنة السيدة زينب تعلن محاضر فرز اللجان الفرعية للمرشحين بانتخابات النواب
بالصور.. جنات تُشعل افتتاح مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي بأغنية "وحشتينا"
محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ
المستشار حازم بدوي: العملية الانتخابية جرت في مناخ حقيقي من الديمقراطية
الفنان محمد صبحي يكشف حالته الصحية: أصابني فيروس بالمخ فترة حضانته 14 يومًا
"الوطنية للانتخابات": تلقينا 221 شكوى على مدار يومي التصويت بانتخابات النواب 2025
نجوم الفن على الريد كاربت بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي
سرايا القدس تعلن استشهاد اثنين من عناصرها في جنين ونابلس
ضبط كميات من المخدرات قبل ترويجها في الأسواق بالإسكندرية
مراسلة إكسترا نيوز ببورسعيد: غرف العمليات المركزية لم تسجل أى عقبات بانتخابات النواب
إطلاق مشروع الطريق الأخضر لعالم أكثر أمانًا بقنا بتعاون بين الإنجيلية والبيئة و"GIZ"
مراسل إكسترا نيوز: ما رأيناه باللجان عكس حرص المواطنين على الإدلاء بأصواتهم
الصحة: ضعف المناعة أمام الفيروسات الموسمية وراء زيادة حدة الأعراض
تطوير 5 عيادات صحية ومركز كُلى وتفعيل نظام "النداء الآلي" بعيادة الهرم في الجيزة
رماد بركان إثيوبيا يشل حركة الطيران في الهند ويتمدّد نحو الصين
محافظ الإسماعيلية يتفقد المقار الانتخابية بمدرستيِّ الشهيد جواد حسني الابتدائية وفاطمة الزهراء الإعدادية
فى حضور 2000 من الجمهور بلندن.. ليلة استثنائية لأعمال عبد الوهاب بصوت فاطمة سعيد
خصوصية الزوجين خط أحمر.. الأزهر يحذر: الابتزاز والتشهير محرم شرعا وقانونا
ما حكم عمل عَضَّامة فى التربة ونقل رفات الموتى إليها؟ أمين الفتوى يجيب
«النقل» تكشف حقيقة نزع ملكيات لتنفيذ مشروع امتداد الخط الأول لمترو الأنفاق
مدبولي يلتقي نائب رئيس "المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني".. صور
منتخب الكويت يهزم موريتانيا ويتأهل لمجموعة مصر في كأس العرب 2025
ضبط المتهمين بالتهجم على مسكن شخص وأسرته لخلافات الجيرة بالشرقية
الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق دبلومة صحافة الذكاء الاصطناعي
متابعة حية | مانشستر سيتي يستضيف باير ليفركوزن في مباراة حاسمة بدوري أبطال أوروبا
أمن المنافذ يضبط 66 قضية متنوعة خلال 24 ساعة
رئيس الوزراء والوزير الأول للجزائر يترأسان غدا اجتماع اللجنة العليا المشتركة
وزير التعليم الإيطالى: أشكر مصر على الاهتمام بتعليم الإيطالية بالثانوية والإعدادية
مكتب الإعلام الحكومي يوثق بالأرقام: مؤسسة غزة تورطت في استدراج المُجوّعين إلى مصائد موت
مواجهة نارية في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة وتشيلسي لايف
إقبال كثيف على لجان شبين القناطر في اليوم الثاني لانتخابات النواب
وزير التعليم: أتوجه بالشكر للرئيس السيسى تقديرا على اهتمامه البالغ بالتعليم
وزير الصحة: مصر وتركيا شريكان استراتيجيان في بناء أمن صحي إقليمي قائم على التصنيع والتكامل
الافتاء توضح حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات
باسل رحمي: نعمل على مساعدة المشروعات المتوسطة والصغيرة الصناعية على زيادة الإنتاجية والتصدير
قمة آسيوية نارية.. الهلال يلتقي الشرطة العراقي والبث المباشر هنا
الزراعة تطلق حملة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية
«الصحة»: تقديم 21.9 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025
إزالة 327 حالة تعدٍ على نهر النيل في 3 محافظات
تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا
دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
محمد سالم عبادة يكتب جراح مضارعة
أخبار الأدب
نشر في
بوابة أخبار اليوم
يوم 01 - 01 - 2022
فى ثلاثٍ وثلاثين قصيدةً يأتينا ديوان «جراح مضارعة»، وهو الديوانُ الأوّل للشاعر اليمَنيّ زاهر حبيب، وممّا يُحمَد له أنّه احتفظَ لنا بتواريخ إنجاز القصائد جميعِها، وهو أمرٌ له أهميته فى تتبُّع رحلة نُضج شاعرِنا، سواءٌ تلك الرحلة المحدودةُ بالديوانِ الحاليِّ أو رحلته الأكبر التى يُنتَظَرُ أن تتعدّدَ دواوين.
انتمى الديوانُ بالكامل إلى القالَب العموديّ، كما جاءَ معظمُ القصائد موحَّدَ الرَّوِيِّ على الشكل الأكثر تجذُّرًا فى تراث الشِّعر العربى. وقد توزَّعت القصائدُ على سبعة أبحُرٍ، كان للبحر الكامل منها نصيبُ الأسَد، إذ استأثرَ وَحدَه بأربع عشرة قصيدةً، بينما جاءت فى كُلٍّ من الطويل والمُجتَثّ والمتقارب قصيدةٌ واحدة، وتوزَّعَت بقيّة القصائد على الوافر والبسيط والخفيف.
مضمونيًّا كان الهَمُّ الوطنيُّ مهيمِنًا على الديوان فى صراحةٍ، فمفردة (الوطن) إن غابَت عن عناوين قصائد الثلثَين الأوَّلَين من الديوان (حتى صفحة 71 من مائةٍ وخمس صفحاتٍ)، تحضُرُ فى مفتتح القصيدة، فإن غابت عنه حضرَت فى ثنايا القصيدة، وإلّا فظواهرُ النّصّ تنطِقُ بهذا الهَمّ بما لا يدَعُ مجالًا للشّكّ. هكذا تُفتتح القصيدة الأولى (أّما بَعد) بخطابِ الوطن: «إلى بلدةٍ فيها النهاياتُ ضلَّتِ»، والثانية (لُطفًا): «قِف أيُّها الوطنُ المسيحُ لأسألَك»، أو يصرِّح الشاعرُ بالمفردةِ بعدما حامَ حولَ معناها منذ مَطلَع القصيدة كما فى (أمامَ حائطِ المَنفَى): «مُستَقرِئًا بمَلامِحى وَطَنًا/ فى جُملةِ الخَيباتِ أَعربَني»، أو يتحدثُ عنه شاعرُنا بصيغة الغائبِ منذ البداية كما فى (قابَ تغريبتَين): «هُنا وطنٌ يضيقُ به ارتِحالي/ تُطارِدُهُ العساكِرُ والمَلالِي»، أو يتحدثُ بلسانِ الوطنِ متقمّصًا شخصيّته الاعتباريّةَ كما فى (ذاتَ فَناء): «هذا أنا الوَطَنُ ال.. أتَعرِفُني؟/ يا أيُّها المحشورُ فى سأَمي». وحتى فى ثلث الديوان الأخير حين تحُلُّ المرأةُ محَلَّ الوطن، نجِدُ الوطنَ يُطِلُّ علينا بين الفينة والفينة مِن ثنايا كِيان الحبيبة، ففى قصيدةِ (هِيَ) يقولُ: «فى صَمتِها وطنٌ من الإكبارِ/ وبهَمسِها شَعبٌ من الأوتارِ»، وحين يتحرر من الثنائية الصريحة للوطن والحبيبة قُربَ نهاية الديوان، كما فى (نفَحاتٌ من دَمِي) التى يَجوسُ فيها خلالَ مفهوم الشِّعرِ ويطلِعُنا على جوانبَ من علاقتِه به، فإنّ الوطنَ يبقى همًّا مؤرِّقًا، فيقولُ فى هذه القصيدة: «أنا الذى كُلَّما فتَّشتُ عن وَطَني/ أَلقاهُ طِفلًا تُواريهِ المَتاريسُ» ليكرّسَ الإحساسَ بافتقادِ الوطَن الذى يَحلُمُ به. كذلك فى (مِن سِفرِ المُعدِمِين) يقول: «إذ ظَلَّ كالأوطانِ يَشحَذُ نفسَه/ تَبقَى على حَبلِ العَفافِ مُعَلَّقَةْ»، بينما فى البيت السابق يقولُ «لكن لأنَّ غِناه يملأُ جوفَهُ/ قد صارعَ الإملاقَ حتى أرهقَهْ»، وهكذا تبدو الأوطانُ فى صورتها المثاليّة الملأى بالكِفاحِ هنا حين يكونُ الموضوعُ الأصليُّ للقصيدة هو الإنسان المُعدِم الذى قد لا يجِد قُوتَ يومِه لكنّه يقتاتُ القَناعة، بينما لا نَجِدُ هذه الصورةَ المثاليّة فى وصف حاضر الوطن فى قصائد الثلثين الأوَّلَين المتمحورَين أساسًا حول الوطن.
ثم يُختتم الديوان بقصيدةٍ منذورةٍ لبكاء الوطن العربى ورثاء حالِه، هى (على عَتباتِ العَراء)، ليكتمل الإطار العامُّ للديوان منسوجًا بالهَمّ الوطنيّ والقوميّ.
احتفى قاموسُ الدّيوان بمفرداتٍ معيّنةٍ تكرّرَت كثيرًا، ما يَفتح الباب على مصراعَيه أمامَ المهتمّين بالدراسات الأسلوبيّة لاستكشاف السياقات التى وردَت فيها هذه المفرداتُ وما إذا كانت دَلالاتُها تنوَّعَت حسبَ هذه السياقات، ومن هذه المفردات المتكررة (المُشتَهَى – خيباتي/خيبة – سؤالات/أسئلة – التِّيه/تتُوه – المَسيح – الصَّليب – المَدَى – آه/الآه – خارطة/خرائط – المنفَى/المَنفِيّ – نَزف/نَزيف – دَمِى -...إلخ)، غيرَ أنّى أرى بما أدَّعى أنّه حدسٌ لا يتذرّع بإحصاءات الأسلوبيِّين أنّ دَلالات هذه المفردات لم تتغيّر، وإنما بقيَت ساكنةً تُراوِحُ مكانَها، وسببُ ذلك أنّ الثُّلُثَين الأوَّلَين من الديوان رغم تفرُّق قصائدِهما على إيقاعات أبحُرٍ شتّى وعلى تنوُّعٍ معتبَرٍ فى حروف الرَّوِيِّ، يبدُوان كما لو كانا قصيدةً واحدةً، انتهَت وأفرغَت ما تُريدُ قولَه مبكِّرًا جِدًّا، ربما مع نهاية القصيدة الأولى (أمّا بَعد)، ثمّ ظلّت تجترُّ ذلك الذى تُريدُ قولَه مرّاتٍ ومرّاتٍ دون تقديم جديدٍ حقيقيٍّ، اللهمّ إلّا فيما يتعلّق ببعض الصُّور الجزئيّة التى تراوَحَت بين الجَمال اللافتِ والإغراب الذى لا يُسفِر عن معنى. وآيةُ ذلك الإفراغِ المبكِّرِ أنّ قصيدة المفتتح (أمّا بعد) تدورُ حولَ مَعانٍ محددةٍ يمكنُ إيجازُها فى الآتى (بؤسُ حال الوطن – استيطانُ الرُّعب فيه، لاسيّما الرُّعب المُسَلَّح – شعورُ الشاعر بالإحباط والخيبةِ انعكاسًا من حال الوطن – حيرتُه إزاء الحُلول المطروحة لقضايا الوطن – تشوُّقُه لانقلاب هذه الحال إلى ما يُفرِحُه وينهضُ بالوطن – اقترابُه من اليأس من تحقٌّق حُلمِه الوطنيّ، واكتفاؤهُ فى النهاية بأن يرحمَ القدَرُ وطنَه وشعبَه قليلًا من هذه الحال). بإمكاننا تتبُّع هذه المعانى مع بعض الاختلاف فى التفاصيل والنهايات فى سائر قصائد ذلك الجزء من الديوان، ففى (لُطفًا)، نجِدُ بؤس الوطن واستيطان الرُّعب فى قولِه «قِف أيُّها الوطنُ المَسيحُ لأسألَك/ كيفَ استخفَّ بكَ الدُّخانُ وأثقلَك» إلى أن نصطدمَ بأملِه فى انقلاب الحالِ فى قولِه «مازلتُ منتظرًا رجوعَكَ فاتِحًا/ مُدُنَ النَّدَى ليَعُودَ شَيطانى ملَكْ»، وفى (أمامَ حائط المَنفَى) نجدُ الإحباط والخيبة المنعكسَين من حال الوطن فى قولِه «يا آهُ فيكَ الغَيبُ أنجبَني/ شَيخًا، فِطامى ما رأى لبَني/ يا آهُ فيكَ خرائطى انفصَمَت/ وإلى دُناكَ التِّيهُ سَرَّبَني»، لكنّه هنا لا يتحول عن التعبير عن تلك الخيبة والحسرة، وفى (حياةٌ مجازيّة) نجدُ بؤس الوطن فى قوله «قد كُنتَ للسعدِ بابًا/ وبابُكَ اليومَ مُغلَق/ ها أنتَ تبدو مسيحًا/ بكُلِّ رُعبٍ مُعَلَّقْ» إلى أن يُطِلّ الشوقُ إلى تحسُّن الحال فى قولِه «هل فيكَ لى مِن حياةٍ/ جدارُها ما تشَقَّقْ؟» ثم تأتى الخاتمةُ سريعًا بالشّكّ فى تحقق الحُلم الوطنيّ والاكتفاء بأن يظلّ الشاعرُ عاشقًا لوطنِه رغم البؤس والرُّعب «إن لَمْ فيَكفى بأنّي/ فى غَمرَةِ المَوتِ أعشَقْ.»
أمّا تراوُح الصُّور الجزئيّة، فممّا له جَمالٌ لا يُجحَدُ تلك الصُّور البسيطةُ التى تُوجِزُ مُرادَه وتستدعيه إلى مملكة المحسوساتِ بجُملةٍ قصيرةٍ، كما فى البيت الذى أسلَفنا ذِكرَه لتوِّنا «هل فِيكَ لِى مِن حياةٍ/ جِدارُها ما تَشَقَّقْ؟»، وكما يقولُ فى (احتضارٌ تحريريّ): «كيفَ هاجَرتَ مِن مَعانيكَ يا مَن/ أنتَ (رِضوانُ) أغنياتى و(مالِك)؟» فهو باستدعاءين بسيطَين لشخصيَّتَى خازِنَى الجَنّة والنّار فى الأثر الإسلاميّ يجعلُ الوطنَ مِنبعًا لكلّ ما يَمورُ به عالَمُه الشِّعريُّ من مفرداتٍ وموضوعاتٍ وأفراحٍ وأتراحٍ، أى أنه يرُدُّ ذاتَه الشاعرةَ بتَمامِها إلى الوطن. ونَجِدُ نفس التوفيق فى استدعاءات التاريخِ فى قصيدة (كأنه هُو) حين يقولُ «شَمسُهُ أنكرَت (سَبَا)/ صخرُهُ قالَ (ما إِرَمْ؟)»، حيثُ ينفلِت الوطنُ من تاريخِه الطويلِ العريقِ فى حاضِرِه المُعتِم، حتى لكأنّ عناصر الطبيعةِ فيه نفسَها تتنكّرُ لمفردات ذلك التاريخِ، فلا تعرفُ الشمسُ سَبَأً ولا يعرفُ الصخرُ عادا.
وممّا يجنحُ إلى الإغرابِ صُوَرٌ مِثلُ ما فى قصيدته (فى غَيابَة الحُبّ) مِن الثلُث الأخير من الديوانِ حيث يقول «يُسمِّرُنى الشَّقاءُ ويحتَسيني/ فأغدو تحتَ جِنزيرِ الرَّزايا»، فقد ابتدأ هنا بتشخيص الشّقاء الذى يسمِّرُه، فى صَليبٍ على الأرجَح – مستدعِيًا المَسيحَ هنا أيضًا ومتوحِّدًا معه وإن لم يصرّح بذلك – ثمّ مزّق الصورةَ بغتةً ليجعلَ الشقاءَ يحتسيه، ولا ندرى أيعنى أنه يحتسى دمَه أم ماذا، ثمّ نراه فى اللقطة التالية فى الشطر الثانى مُلقىً تحت جِنزيرِ المصائب، فتكون المحصِّلةُ أنّ الصُّوَر المتلاحقةَ غيرَ المكتملةِ لا تترُكُ للمتلقّى فُسحةً من الوقت ليتذوَّقَها أو يستوعبَها. وكذلك البيت الأخير فى نفس القصيدة «لأنّى مَن بها نَكَأَ التَّشَظِّي/ ومَن أَلقَى بها جُبَّ الصَّبايا»، وضميرُ الغائبة عائدٌ إمّا على مُناهُ أو أناملِ مُناهُ كما نفهمُ من البيت السابق «أُباغِتُنى فأصفعُنى وأَمضي/ وقد عَضَّت أنامِلَها مُنايا»، ولا نعرفُ إلامَ يقودُنا تجسيدُ معنىً موغِلٍ فى التجرُّد كالتشظِّى بكون كالجُرح الذى يُنكَأ، ولا بماذا ألقَى الشاعرُ فى ذلك الجُبّ المنسوب إلى الصَّبايا! أعنى أنّ تتبُّع المعنى هنا أمرٌ بالغُ الصعوبة. لكننا أخيرًا حين نُطالِعُ التاريخ الذى ذُيِّلَت به القصيدة عام 2012 نلتمسُ بعضَ العُذر للشاعر، فهى قصيدةٌ مبكّرةٌ بين قصائد هذا الديوان التى أُنجِزَ معظمُها بين 2015 و2016 حيث كان بلا شَكٍّ قد قطع شوطًا أطولَ فى اتجاه نُضجِ تجربته وعدم الاستسلام لأوّل ما يُلقيهِ إليه تحالُفُ الإيقاعِ العَروضِيّ والتّداعِى الحُرّ وحُروف الرّوِيّ!
ثَمّ نقطةٌ أخيرةٌ تتعلّق بثلاث مقطَّعاتٍ قصيرةٍ عَنوَنَ شاعرُنا كُلًّا منها ب(نَزف). فى الأولى «ناشدتُكَ الله يا مَن كُنتَ لى وَطنا/ عُد لى فمُذ غِبتَ رُوحى لا تَرى البَدَنا/ عُد لى حنانَيكَ إنّى إذ نَفَوكَ ضُحَىً/ أيقظتُ قلبى ونامَت أعيُنُ الجُبَنا» يتأرجَح المُرادُ بين الوطن بمعناه المتعارَف عليه والحبيبة، وينطق البيتان بذلك الشوق العارمِ الذى أسلفنا الحديث عليه. فى الثانية «بين (لو كانَ) وانكساراتِ (لكنْ)/ حرَّكَ القَلبُ جُرحَه وهو ساكِنْ/ ها هُوَ الآنَ فى الهوى مِثلُ ظَرفٍ/ يَحشُرُ الوقتَ فى ضجيجِ الأماكِنْ» يَغيم المرادُ ويَغمُضُ قياسًا إلى النزف الأول، لكننا مازلنا إزاء الجُرح واللوعة والحسرة على ما كان. فى الثالثة «لَمّا استغاثَت بالعَراءِ جِهاتي/ وتنكَّرَت عن ذاتِها مرآتي/ وارَيتُ سَوءَةَ حاضِرِى بمَتاهَتي/ وطَفِقتُ أركُضُ فى ضَجيجِ الآتي» يغيمُ الموضوعُ أكثرَ وأكثرَ، إلّا أنّ الشعورَ بالتِّيه وفُقدان البوصَلَة يزداد. والمُلاحَظُ أنّ نفيَ الوطنِ فى النزفِ الأوّل يتلوه تدافُعُ للأماكنِ المُجَهَّلَةِ فى النزف الثانى، وهى أماكنُ ملأى بالضجيج الذى لا يُفصِح عن شيءٍ، ثم تستحيلُ تلك الأماكنُ إلى عَراءٍ مُقفِرٍ فى النزف الثالث، ويواكِبُ ذلك فُقدانٌ للذات وحُلولٌ للمتاهةِ محَلّ الهُوِيّة، كما يمتدُّ الضجيجُ من الأماكنِ إلى الزمنِ نفسِه «ضجيج الآتي». والشاهدُ أنّ تلك المقطَّعاتِ التى تَشى عناوينُها بكونِها الأقربَ بين قصائد الديوان إلى التداعى الحُرّ - حيث يترُكُ الشاعرُ لنفسِه أن تنزِفَ دون أن يحدّدَ موضوعًا – ما هى إلّا صَدَىً لاواعٍ لسيطرة الموضوع الواحد على وعيِه، وهو موضوعُ الوطن الذى يستحيلُ فى الثلث الأخير إلى الحبيبة. وما أقترحُهُ فى تواضُعٍ على شاعرِنا هو أن يجرِّبَ أسلحةً مختلفةً يَكوِى بها جراحَه المُضارِعة، فالبقاء فى دائرة (الوطن – الحبيبة) لا يبدو أنه يمكنُ أن يأتى بجديدٍ، وفى تقديرى أنّ التجريبَ المقدامَ خارجَ هذه الدائرة من شأنه أن يقلّصَ مساحة النزف غير المعنوَن، فستتقافَز العناوينُ المُثيرةُ للفكر والوجدان إلى صفحاتِه، وستنفتِحُ آفاقٌ أرحَبُ أمامَ قلمِه، ومَن يدرى، فربّما تندَمِلُ جِراحُه المُضارعةُ أو يتخفف من ألمِها المُمِضّ على أقلّ تقدير.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
شوية ثقافة .. قراءة فى ديوان " بكل جسدى بكل طفولتى " للبهاء حسين
شوية ثقافة .. قراءة فى ديوان " بكل جسدى بكل طفولتى " للبهاء حسين
ليلٌ داخلي ونهارٌ مراوغ
إطلالة نقدية في اعترافات عاطف الجندي الليلية
قصيدة مَنْ يُدَحْرِجُ ..عَنْ قَلْبِي .. الضَّجَرَ
أبلغ عن إشهار غير لائق