الغرفة المركزية ل"الجبهة الوطنية" تختتم متابعة أعمال التصويت في الدوائر ال30 الملغاة    تعليم القاهرة: ترشيد استهلاك المياه والكهرباء بالمدارس حفاظًا على المال العام    غلق 126 كيانًا غير مرخصًا لتنظيم الرحلات السياحية بمحافظة جنوب سيناء    وزير العدل يستقبل مديرة مركز سيادة القانون بجمهورية فنلندا    أكسيوس: ترامب يفرض عقوبات على أقارب مادورو وشركات لشحن النفط    روسيا: إذا اتخذت أوروبا قرار الحرب فنحن مستعدون    عبد الرحيم علي ينعى والدة الكاتب الصحفي عماد الدين حسين    مدرب جيرونا يهاجم حارس مرماه    إصابة 10 أشخاص إثر حادث تصادم سيارتين في البحيرة    «البترول»: الاشتباه في انهيار عقار إمبابة نتيجة تسريب أسطوانة بوتاجاز    مصطفى بكري: قرار الرئيس السيسي بعلاج الفنانين كبار السن على نفقة الدولة رد اعتبار لهؤلاء المبدعين    في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. «الحرافيش» درة التاج الأدبي المحفوظي    وزير الصحة يتفقد مقر المرصد الإعلامي ويوجه باستخدام الأدوات التكنولوجية في رصد الشائعات والرد عليها    مدينة العبور تجهز «شلتر» للكلاب الحرة لتحصينها وتنفذ حملات للتطعيم ضد السعار    دوري المحترفين ..أبو قير يواصل السقوط والترسانة يتعادل أمام طنطا    سيناتور روسي: العلاقات مع أوروبا لم تعد أولوية لترامب    مهرجان البحر الأحمر يكرم أنتوني هوبكنز والسير يعلق: شرف كبير وأحب السعودية    منتخب مصر يخوض تدريبا مسائيا استعدادا لأمم أفريقيا    إطلاق قافلة طبية علاجية شاملة لقرية أربعين الشراقوة بكفر الشيخ    إكسترا نيوز: لا شكاوى جوهرية في ثاني أيام التصويت وإقبال منتظم من السيدات    فوز مشاريع تخرج كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر بالمراكز الأولى في مسابقة المجلس القومي للمرأة    أستاذ علوم سياسية: انتخابات النواب الحالية مختلفة وتشهد تنافسا غير مسبوق    «البشعة» محرمة شرعًا| علماء الدين: إيذاء وتعذيب واستخدام للباطل    خالد الجندي يحذر من الخطأ الشائع في كتابة «اللهم صل على النبي»    العدل: معايير النزاهة في الاستحقاقات الانتخابية منارة تضئ طريق الديمقراطية    حسام وإبراهيم حسن يزوران معسكر منتخب مصر مواليد 2007.. صور    المصل واللقاح: لقاح الإنفلونزا آمن تماما ويحسن المناعة ولا يضعفها    نصائح شعبة الذهب عند شراء الجنيهات والسبائك .. خاص    «هما كده» أغنية جديدة لمصطفى كامل ويطرحها السبت    لبلبة من ختام البحر الأحمر: سعيدة بردود الفعل على جوازة ولا جنازة    بعد أسبوع من البحث| اصطياد «تمساح الزوامل»    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    حصاد الوزارات.. رئيس هيئة الدواء يبحث مع مسؤولى مؤسسة جيتس تعزيز التعاون    ميدو: صلاح يجب أن يغادر ليفربول.. وأشجعه على خطوة الدوري السعودي    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    تسليم 5 أجهزة تعويضية وكراسي متحركة للمرضى غير القادرين بسوهاج    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    يزن النعيمات صفقة الأهلي المحتملة في الميركاتو الشتوي    خبير أرصاد: البنية التحتية لقطاع غزة معدومة    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    ضبط شخص بحوزته كروت دعائية وأموال لشراء أصوات الناخبين في الأقصر    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    الضباب الكثيف يلغي عددا من الرحلات الجوية إلى مطار حلب بشمال سوريا    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    المشدد 7 سنوات لرئيس حي شرق الإسكندرية السابق في قضية رشوة    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    أسعار الفضة تلامس مستوى قياسيا جديدا بعد خفض الفائدة الأمريكية    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الحليم قنديل يكتب.. الاتفاق والقنبلة

قد لا نثق تماما بإشارات تفاؤل صدرت عن بعض المجتمعين فى فندق"باليه كوبرج" بالعاصمة النمساوية "فيينا" ، وبحديث نسب لمسئول أوروبى عن التوافق حول ثمانين بالمئة من مسودة العودة للاتفاق النووى الإيرانى ، الموقع أواسط 2015 فى ذات الفندق ، ثم انسحبت منه أمريكا على عهد "دونالد ترامب" فى مايو 2018 ، وبادلتها إيران خروجا بخروج ، وتجاوزت التزاماتها فى تخصيب اليورانيوم بالذات ، وعطلت مفاوضات "فيينا" لأكثر من خمسة شهور ، واستبدلت طواقم التفاوض بعد صعود المتشدد "إبراهيم رئيسى" لكرسى الرئاسة خلفا للمعتدل نسبيا "حسن روحانى" ، ووافقت أخيرا على بدء جولة التفاوض السابعة ، التى تشارك بها واشنطن على نحو غير مباشر ، فيما أصرت إيران على قصر الحوار المباشر عليها ، وعلى وفود روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ، وكلها كانت اعترضت على خروج أمريكا من الاتفاق ، فيما تعهدت إدارة "جو بايدن" بالسعى "الدبلوماسى" لإحيائه .
وقبل نحو أربعة شهور ، كتبت مقالا بعنوان "على شفا حرب" ، نشر فى نفس هذا المكان صباح السبت 7 أغسطس 2021 ، وقلت فيه نصا " قد لا نضيف جديدا ، إذا توقعنا تدحرج فرص الوصول لاتفاق مع طهران إلى نهاية عام بايدن الأول فى الرئاسة ، هذا إذا لم تنزلق التطورات الجارية إلى الاتجاه المعاكس ، وتزيد نذر التهديد بنشوب حروب جديدة ، تضع المنطقة كلها على شفا جرف مستعر" ، وقد جرى تنصيب بايدن رئيسا كما هو معروف فى 20 يناير الماضى ، ولا أحد عاقل ، حتى لو كان متفائلا ، يتوقع أن تصل الجولة السابعة إلى اتفاق نهائى ناجز ، خصوصا أن المندوب الأمريكى المفاوض "روبرت مالى" ، لا يبدو آملا بسرعة الوصول لاتفاق فى مفاوضات ، يبدو أنها ذاهبة إلى جولة ثامنة وربما تاسعة .
والسبب ببساطة ، أن فجوات التفاوض تتسع ، وأن إدارة بايدن ، برغم تفضيلاتها الدبلوماسية المعلنة حتى تاريخه ، لا تبدو مستعدة للقبول بالطلب الإيرانى الملح على صيغة بعينها ، منطوقها الرفع الفورى لعقوبات أمريكا على طهران ، وعددها نحو ألف قرار عقوبات عبر أربعين سنة مضت ، مقابل استعداد طهران للتراجع عن خطوات فك الالتزام باتفاق 2015 ، وكان الاتفاق نص على تقييد البرنامج النووى الإيرانى ، وخفض نسب تخصيب اليورانيوم إلى 3.67% ، ونقل أطنان اليورانيوم المخصب قبلها إلى روسيا ، وخفض عدد أجهزة الطرد المركزى من عشرين ألفا إلى مايزيد قليلا على خمسة آلاف ، وألا تزيد كمية اليورانيوم المخصب لدى إيران على 300 كيلوجرام ، وقصر عمليات التخصيب على مفاعل "نطنز" ، ووقفها تماما فى منشأة "فوردو" ، وتعديل قلب مفاعل "آراك" للماء الثقيل ، بحيث لا يعود صالحا لإنتاج "بلوتونيوم" يدخل فى صناعة أسلحة ذرية ، وكلها التزامات ذهبت مع ريح إلغاء ترامب اعترافه بالاتفاق ، وبما وفر لإيران فرصة كسر التزاماتها ، وزيادة كميات اليورانيوم المخصب المحتجز لديها إلى عشرين ضعفا ، واستخدام أجيال أحدث من أجهزة الطرد المركزى ، ومضاعفة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى عشرين بالمئة ، جرت زيادتها لاحقا إلى ستين بالمئة ، راكمت لها كما أعلنت 25 كيلوجراما مخصبا عند المستوى المرتفع ، القابل للزيادة إلى نسبة التسعين بالمئة الكافية لإنتاج قنابل نووية ، وهو ما أثار مخاوف جدية ، عززها سلوك إيران المعيق لعمليات التفتيش ، التى كان متفقا عليها طبقا للبروتوكول الإضافى مع "الوكالة الدولية للطاقة النووية" ، التى فشل مديرها العام "رافائيل جروسى" فى الوصول لحل وسط مع المسئولين الإيرانيين المعنيين ، وأعرب عن إحباطه بعد زيارته الأخيرة لطهران ، التى رفضت إعادة تنشيط كاميرات المراقبة الدولية فى منشأة "كرج" ، المختصة بصناعة أجهزة الطرد المركزى الأكثر تطورا .
ومحصلة ما جرى ويجرى ، أن إيران قفزت إلى الحافة النووية ، واكتسبت المعرفة الضرورية ، وصار بوسعها عمليا إنتاج قنابل ذرية ، تردع فرص تهديدها عسكريا من قبل أمريكا أو إسرائيل ، فهى لا تحتاج سوى وقت يتقلص لإنجاز المهمة النووية ، قد يكون بضعة شهور ، وقد يصل إلى عامين فى أكثر التقديرات اعتدالا ، برغم الكلام المعلن إيرانيا عن فتوى تحريم صناعة القنبلة الذرية ، والفتاوى الإيرانية الدينية قابلة للتغيير طبعا بحسب المصالح الدنيوية ، وهو ما يجعل إيران أكثر تشددا فى المفاوضات غير المباشرة مع واشنطن ، وأكثر تصميما على رعاية أولوياتها ، وحشر المفاوض الأمريكى فى زاوية حرجة ، وطرح مطالب الحد الأقصى عليه ، من نوع اشتراط الرفع الكلى الفورى القابل للتحقق منه للعقوبات الأمريكية ، إضافة لضمان من الأمريكيين بعدم العودة لإلغاء الاتفاق مجددا ، وهو ما لا تقدر عليه إدارة بايدن حتى لو رغبت ، فليس بوسعها أن تلزم إدارة لاحقة بالحفاظ على الاتفاق ، إلا لو جرت إحالة الاتفاق لتصديق من الكونجرس ، وهو ما يبدو صعبا لحد الاستحالة ، فلا تتوافر لبايدن أغلبية تأييد كافية لاتفاق يرضى إيران ، والكونجرس بأغلبيته ومجلسيه النواب والشيوخ ، خاضع بالجملة لنفوذ "اللوبى الإسرائيلى" ، وإسرائيل رافضة قطعيا لإنجاز وإحياء الاتفاق الإيرانى ، ثم أن الكونجرس ينتظر انتخابات تجديد نصفى فى نوفمبر 2022 ، ترجح مؤشراتها فرص تراجع حظوظ إدارة بايدن والديمقراطيين ، مع عودة نفوذ ترامب للانتعاش بقوة فى الساحة السياسية ، ودعمه الشخصى الصاخب لمرشحين جمهوريين من معسكره ، وهزيمة الديمقراطيين فى انتخابات محلية جزئية جرت مؤخرا فى بعض الولايات ، وبما قد يؤدى إلى تعميق أزمة بايدن ، الذى أبدى رغبته فى خوض انتخابات الرئاسة المقبلة أواخر 2024 ، ومن دون ضمان لفرص فوزه إذا ترشح ترامب مجددا ، وكلها هواجس قد تغل يد بايدن المرتعشة ، وقد لا تحفزه على المجازفة بتوقيع اتفاق على النحو الذى تريده إيران ، فأولوياته ومصالحه هناك فى واشنطن لا فى طهران .
وبرغم ما يبدو من علامات إرهاق منهك للوضع الاقتصادى فى إيران ، وتفاقم ظواهر السخط الاجتماعى ، وتزايد مظاهرات الغاضبين ونذر الخطر الداخلى ، إلا أن طهران تتجاهل ذلك كله غالبا ، وتصر على مطلب إلغاء العقوبات الأمريكية كلها ، وبصورة فورية ناجزة ، وهو ما يزيد من مصاعب صانع القرار الأمريكى ، وقد حاولت واشنطن الالتفاف على المأزق المستحكم ، وطرحت صيغة "الأقل مقابل الأقل" ، أى تجميد إيران لعمليات تخصيب اليورانيوم ، مقابل رفع أمريكى محدود لبعض العقوبات ، وهو ما رفضته طهران ، برغم احتياجها الملح لاسترداد مئات مليارات الدولارات المحتجزة بالعقوبات ، وللعودة إلى حرية تصدير بترولها وغازها الطبيعى ، فبوسع طهران أن تواصل خرق جدار العقوبات كما تعودت لزمن طويل ، ثم أنها صارت تثق أكثر فى جدوى الضغط على الموقف الأمريكى ، وقد نجحت قبلها فى شطب مطالب إدراج صواريخها الباليستية المتطورة وتوسعها الإقليمى على موائد التفاوض الجارى منذ بدء ولاية بايدن ، وهو ما سلمت به واشنطن ، ربما على أمل الحد من تحول إيران للتحالف مع روسيا ومع الصين بالذات ، وقد انضمت طهران رسميا إلى "منظمة شنجهاى للتعاون" قبل شهور ، وقد تعول على فرص لتنفيذ اتفاقها المبدئى مع بكين ، وكسب استثمارات صينية موعودة بقيمة 400 مليار دولار خلال ربع قرن مقبل ، مقابل مزايا تفضيلية لبكين وموسكو فى موانى إيران واقتصادها وواردات سلاحها ، وهذا أكثر ما يثير حفيظة أمريكا ، التى تعتبر عداوتها ومنافستها للصين أولوية مطلقة ، تفوق الرغبة بإعاقة احتمالات تخطى إيران للعتبة النووية ، وانضمامها بالأمر الواقع لدول النادى النووى ، وعلى طريقة ما فعلت "كوريا الشمالية" ، المحتمية بالجوار الصينى الحارس .
وقد لا تبالى واشنطن بغضب دول الجوار الخليجى لإيران ، ولا لصرخاتها الداعبة لوقف تهاون واشنطن مع إيران ، والتملص الظاهر من ضمانات الحماية الأمريكية المتوارثة لعروش عواصم الخليج العربية ، فليس واردا على الأغلب ، أن تقرر أمريكا شن حرب واسعة على إيران ، وهى لم تفعلها حتى فى عهد ترامب الذى كان مهووسا بغرف المال الخليجى ، وقصارى ما يمكن أن تفعله أمريكا فى حال فشل وارد لمفاوضات إحياء الاتفاق النووى ، أن تواصل الضغط عبر عقوبات الاقتصاد ، وقد بلغت مستوياتها القصوى بدون نجاح مضمون ، أو أن تدير حروبا إلكترونية "سيبرانية" وعمليات استخباراتية ضد المنشآت النووية الإيرانية ، أو أن تسمح لربيبتها "إسرائيل" بشن هجمات عسكرية داخل إيران نفسها ، وهو ما تجاهر به "تل أبيب" ، وتتحدث عن تكلفة خططه البالغة مليارا ونصف المليار دولار، وتبدى دول خليجية استعدادها لدفع المبلغ مضاعفا ، وإلى غير ذلك مما تسميه السياسة الأمريكية بالخطة "ب" ، التى قد تصل فى حدها الأقصى إلى شن ضربات انتقائية ، وكلها صور حرب مخففة ، قد لا تردع إيران ، بقدر ما تحفزها على اجتياز نهائى للعتبة النووية .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.