مآرب ومؤشرات متباينة، انطوت عليها واقعة احتجاز وعودة زوجين إسرائيليين من اسطنبول إلى تل أبيب؛ ففى حين اتهمت أنقرة الزوجين موردى ونتالى أوكنين بالتجسس لصالح «الموساد»، وعزت ذلك إلى «صورة سيلفي»، التقطها الزوجان بجوار قصر رئاسة أردوغان فى اسطنبول؛ اعتبرت تل أبيب الخطوة تصعيدًا غير مبرر، واتصل رئيس «الموساد» داڤيد بارنيع شخصيًا بنظيره التركى هاكان فيدان، لإقناعه بحتمية العدول عن الاتهام. ورغم تجاوب مسؤول الأمن التركى مع نظيره الإسرائيلي، حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إلا أن أردوغان حرص من البداية على استغلال القضية، مبررًا عزوفه عن التدخل بترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات؛ فجهات التحقيق التركية، على حد قوله، هى المسؤولة وليس غيرها عن النظر فى الواقعة. لكن أردوغان كشف عن مآربه بالعدول السريع عن مبدأه، وإيعازه إلى جهات التحقيق التركية بإنهاء القصة برمتها، لاسيما بعد لجوء «الموساد» لطرف إقليمى ثالث، والاستعانة به فى تصفية الأجواء. وتعكس تطورات القضية مؤشرات براجماتية، حاول أردوغان من خلالها «نكز» إسرائيل، ربما لتدفئة العلاقة الباردة بين أنقرة وتل أبيب؛ أو استغلال الأزمة فى إعادة تسويق دوره فى القضية الفلسطينية، وانتزاع العزلة الإقليمية التى تحيطه؛ ولعل ذلك كان واضحًا خلال مكالمة ال15 دقيقة، التى تلقاها من رئيس الوزراء نفتالى بينت، فور عودة الزوجين إلى إسرائيل؛ فبعيدًا عن عبارات شكر مستهلكة، أمطره بها رئيس وزراء إسرائيل، انحرف أردوغان عن القضية، ومن الإشارة إلى اتصاله مرتين بالرئيس الإسرائيلى إسحاق هيرتسوج، قفز إلى حديث آخر عن القضية الفلسطينية، لكن بينت رفض التعليق، واكتفى بسماع طنين اللغة التركية، التى تحدث بها أردوغان! إقرأ أيضاً | إسرائيل تتقارب مع إيران على نار «غير هادئة»! ولا يولى مراقبون فى تل أبيب دورًا واضحًا للخارجية الإسرائيلية فى القضية، باستثناء إشارة صحيفة «معاريف» إلى ما وصفته ب«جهود دبلوماسية»، أفضت بعد أسبوعين إلى عودة الزوجين موردى ونتالى أوكنين إلى إسرائيل؛ لكن محلل صحيفة «يسرائيل هايوم» للشؤون الأمنية دانيال سيريوتى انتحى عن مناقشة دور خارجية إسرائيل فى الأزمة، وعرج إلى دور «الموساد»، الذى وصفه ب«القاصر»، ملمحًا إلى أن لجوء مؤسسة إسرائيل الاستخباراتية إلى «طرف ثالث» لحلحلة أزمة الزوجين العالقين فى تركيا، يشى بتآكل مكانة إسرائيل الإقليمية، فضلًا عن مكانة المؤسسة الأمنية ذاتها. أما بصيص النور الذى تحمله تلك التجربة، فهو اكتشاف عمق التعاون الأمني، والعلاقات الوطيدة مع «الطرف الثالث» الذى يدور الحديث عنه، والاستفادة من علاقاته الوطيدة بنظيره التركى هاكان فيدان.. وفى تعليقه على رغبة أردوغان فى استغلال قضية الزوجين الإسرائيليين أو غيرها لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها مع إسرائيل، حذر الباحث الإسرائيلى حاى إيتان كوهين من مغبة الانجرار إلى أنقرة دون تنسيق مسبق مع مصر واليونان وقبرص. وفى مقاله المنشور بصحيفة «يسرائيل هايوم» أوضح كوهين: «لإسرائيل مصالح مع القاهرة، وأثينا، ونيقوسيا، ولا ينبغى التقارب مع تركيا على حساب هذه المصالح، خاصة أن العواصم الثلاثة تضع أردوغان فى إطار الخصم اللدود».