قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الاوقاف أن الفتوى أمانة ثقيلة تحتاج إلى تأهيل خاص وإعداد علمي شرعي ولغوي مبكر ، يسهم في صنع وصقل موهبة الفقيه والمفتي ، وليست مجرد هواية أو ثقافة عامة ، ولا كلأ مباحًا لغير المؤهلين ، وإذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) واوضح الوزير أنه ليس هناك خطر أشد من إقحام غير المؤهلين وغير المتخصصين لأنفسهم في مجال الإفتاء أو السماح لهم بذلك ؟!وإذا كانت الحكمة تقتضي وضع كل شيء في موضعه ، ووصفه بما يناسبه لا بوصف غيره ، فإن إطلاق كلمة الفقيه أو المفتي على من هو غير جدير بها يُشَكِّل خطرًا جسيمًا على الأمن الفكري للدول والمجتمعات ، فكلٌّ من الفقه والفتوى صناعة ثقيلة تتطلب أدواتٍ كثيرة ، في مقدمتها: دراسة العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم ، وبخاصة التفسير وعلوم القرآن ؛ إذ لا يمكن أن تُطلق على إنسان صفة فقيه أو مفتٍ وهو لا يعرف الناسخ من المنسوخ ، ولا المطلق من المقيد ، ولا المجمل من المفصَّل ، ولا المحكم من المتشابه ، ولا العلاقة بين اللفظ والسبب. وبين جمعة أنه كما ينبغي أن يكون الفقيه عالمًا بسنة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ودرجة الحكم على الحديث ، وماذا ينبغي أن يصنع من الترجيح أو التوفيق عند تعارض ظاهر بعض الألفاظ ، فكيف إذا كان لا يميز بين الثابت والمتغير، وبين سنن العبادات وأعمال العادات ؟! مشيراً الي أنه لا بد للفقيه من إتقان علوم اللغة العربية ، فلا فهمَ صحيح للكتاب والسنة إلا بالبراعة فيها ، ولا غنى له أيضًا عن علم أصول الفقه ، ومعرفة الأدلة المتفق عليها ، والأدلة المختلف فيها، وآراء الأصوليين والفقهاء في كل دليل من الأدلة المختلف فيها ، وطرق الاستنباط منها. كما أنه لا يمكن للفقيه أن يصقل مواهبه دون دراسة دقيقة لآراء الفقهاء المتقدمين من الصحابة ، والتابعين ، وتابعي التابعين ، وأصحاب المذاهب الأربعة : أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وابن حنبل ، وكبار فقهاء المذاهب . ولفت الوزير أنه ينبغي أن يكون المفتي ملمًّا بواقع العصر زمانًا ومكانًا وبأحوال الناس وواقع حياتهم وتحديات العصر ومستجداته ، مدركًا أن الفتوى قد تتغيرّ بتغير الزمان والمكان والأحوال ، قادرًا على التفرقة بين الثابت المقدس والمتغير غير المقدس ، ملمًّا بفقه المقاصد ، وفقه المآل ، وفقه الأولويات ، وفقه الموازنات ، وطرائق الاستنباط والقياس ، وغير ذلك مما لا غنى للمفتي عنه . وإذا كان الجهل من أكثر الأدواء فتكًا بالمجتمعات ، فإن اقتحام الجهلاء لمجال الفتوى هو الأشد خطورة على أمن المجتمعات وسلامها ، ما بين إنزال البعض للنوافل والمستحبات منزلة الفرائض ، وإنزال المكروه أو ما هو خلاف الأولى منزلة المحرم والحكم عليه بالتحريم ، وإطلاق كلمة البدعة أو مصطلح التحريم على أي مخالفة سواء أكانت مكروهة أو على خلاف الأولى أو حتى من المباحات ، إذ يعد بعضهم البدعة شاملة لكل أمر لم يكن على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى لو كان هذا الأمر من قبيل المباحات أو العادات ، ولم يدركوا أن البدعة هي: استحداث أمر في الدين لم يكن موجودًا على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) مع وجود المقتضي وانتفاء المنافع ، كمن يطلب رفع أذان الصلوات المفروضة لصلاة العيد ، ذلك لأن الأذان أمر تعبدي ، وصلاة العيد كانت موجودة على عهد النبي ولو كان الأذان مطلوبًا لها لفعله النبي (صلى الله عليه وسلم) ؛ إذ لم يكن هناك ما يحول دون ذلك ، حيث كان الأذان يرفع لباقي الصلوات ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يخص العيد بأن ينادي المؤذن الصلاة جامعة ، الصلاة جامعة ، فمن خالف في هذا الأمر التعبدي خرج من السنة إلى البدعة . أما أن نطلق لفظ البدعة على كل مستحدث على إطلاقه دون أن نفرق بين الثابت والمتغير ، وبين سنن العبادات وأعمال العادات ، فهذا جهل محض وخروج على طريق الجادة في العلم والفقه . واختتم كلمته علي صفحته الرسمية علي موقع التواصل الاجتماعي " الفيس بوك" أن هناك أمرين في غاية الخطورة أضرا بالخطاب الديني الرشيد ، هما الجهل والمغالطة ، أما الأول فداء يجب مداواته بالعلم ، وأما الثاني فداء خطير يحتاج إلى تعرية أصحابه وكشف ما وراء مغالطتهم من عمالة أو متاجرة بالدين . اقرأ أيضا 9 جماعات معارضة تعلن تحالفها ضد رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد