فاطمة على ودَّع الفنان والرسام الصحفى المتميز، عبدالعال حسن (1944- 2021) ريشته وألوانه، مخلفاً وراءه باقة رائعة من اللوحات الفنية المتميزة، وذكريات لا ينساها الوسط الفنى عن أخلاقه الرفيعة وسلوكه المهذب. رحل الرجل الأسبوع الماضى بعد أزمة صحية قاسية عاشها لسنوات. بدأت الأزمة الصحية التى ألمت بالفنان الراحل فى الربع الأول من عام 2013، حيث مرّ بحالة صحية حرجة بدأت بأنيميا حادة وارتفاع فى السكر، وأثبتت الفحوصات أنه يعانى نزيفاً بالجهاز الهضمى ولم يتمكن الأطباء من تحديد مكانه. وكان الحل الوحيد هو إجراء نقل دم له كل فترة. وبعد شهور قليلة تدهورت حالته الصحية أكثر عندما أُصيب بالتهاب حاد فى الأذنين واتضح أنه مُصاب بمرض فى قاع الجمجمة، أثرّ فى جزء من المخ وتسبب فى فقدانه حاسة السمع، ما ضاعف معاناته النفسية إلى جانب معاناته الجسدية واحتياجه لجهاز يرفع نسبة الأكسجين فى خلايا المخ، ليعيش طوال الستة أعوام الأخيرة فى عزلة مرضية لا يرى لفقدانه البصر ولا يسمع لفقدانه السمع، متحملاً عزلة من الصمت القاتل. تخرج عبدالعال حسن فى كلية الفنون الجميلة عام 1966 وعمل فى مجال الرسم الصحفي، وله رسوماته المتعددة التى أثرى بها عمله فى مجلة «روزاليوسف» ثم فى مجلة «صباح الخير» وأغلفتها المتميزة، وأضافت له ثقافته الأدبية والسياسية والاجتماعية رؤية واسعة انعكست على لوحاته التشكيلية ورسوماته الصحفية باهتمامه الشديد بأناس البيئات الشعبية، معبراً عن الواقع الاجتماعي، وقد جمَّله بلمساته الفنية فى مشاهد لأحياء القاهرة القديمة ومساجدها ومقاهيها الشعبية. وظل اهتمامه الأكبر منصباً على المرأة العاملة فى الريف، بجمالها الفطرى وتحملها المسئولية، ودورها الكبير فى مجتمعها البسيط، وما تقوم به من مهام فى الدوَّار والحقل والسوق ودورها كبائعة للفاكهة والخضراوات لتكون وسيط نقل خيرات الريف إلى المدينة، فكانت لوحاته عن المرأة الريفية تمجيداً لها ولعملها الشاق الذى تؤديه فى صمود يميز نساء الريف المصريات لتعول نفسها وأسرتها ولتقف بجانب الزوج، ما جعل لها مكانة جمالية فى لوحاته كأنثى، ومكانة معنوية تعكس تميزها بالشموخ واعتزازها بقدراتها حتى وإن تجاهلت أنوثتها، فكانت للريفيات ولبنات البلد اهتمام كبير من الفنان فى معارضه الفنية مقدماً المرأة الحنون بألوانها الدافئة وشقاوة نظراتها الكحيلة المسكونة بالعاطفة والحب. واستطاع الفنان الراحل أن يبدع تشكيلياً فى رسم بورتريهات المرأة الريفية وبنت البلد مع تكرار رسمهن، وذلك لاهتمامه الكبير بالبعد الإنسانى للمرأة ككائن محرِّك للحياة، فكان الاهتمام الكبير بإبراز البورتريه للوجه الذى يكشف الشخصية بما يحمل من شجاعة تحمل المتاعب ومن أمل وصبر ومثابرة لكسب الرزق، لذلك لم يهتم كثيراً بخلفيات اللوحة بل عالجها بشكل بسيط بما يخدم الهدف من إبراز المرأة متصدرة مقدمة كل لوحاته. ولأنه يتعامل مع المرأة العاملة فى كيفية مواجهتها الحياة بتفاؤل، فقد اعتمد كلياً على ألوان الأمل والبهجة وإثراء اللون تدعيماً لوجودها فى الحياة، وعزَّز وجودها بالاهتمام بتفاصيل ملابسها المزركشة وألوانها وأكسسواراتها الشعبية المدهشة فى إجادة لونية دافئة أيا كانت الخامة التى يلوِّن بها من ألوان مائية أو زيتية أو أقلام ملونة. وقد كان الفنان الراحل يُكرم نساء لوحاته دائماً برسمهن وبإطلاق أسماء لوحاته بما يتفق وما يتصفن به فى بعض اللوحات، وما يفعلن بنوعية عملهن من بضاعة فى لوحات أخرى مثل: «سمرا»، و«الجلابية الحمرا»، و«فيونكه»، و«تحت التندة»، و«بائعة المشمش»، و«بائعة البرقوق»، و«القفص»، و«منديل أبيض»، و«قفص البط»، و«شوال»، و«ع الغيط». واستطاع بواقعية لوحاته وخصوصيتها الجمالية أن يجذب جمهور المعارض كما جذب قراء المجلات عبر أغلفتها، ليوازن بين ما يرسمه ل«الجاليرى» وما يرسمه لغلاف المجلة من حيث طبيعة الموضوعات. ولولا الصمم وفقدان البصر لاستمر عطاؤه فى السنوات الأخيرة من حياته.