الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
أسعار الفراخ في البورصة اليوم الجمعة 26 ديسمبر
كيف يؤثر قرار خفض الفائدة على أسعار الذهب؟.. «الغرف التجارية» توضح
لماذا ثار زيلينسكي غضبا في خطاب عيد الميلاد.. خبير فنلندي يوضح
6 مواجهات قوية بدوري الكرة النسائية اليوم الجمعة
وفاة كبير مساعدى زعيم كوريا الشمالية.. وكيم جونج يرسل إكليلا من الزهور للنعش
باحث أمريكي: كيف يمكن الحفاظ على استقرار العلاقات بين الصين واليابان؟
مستشفى العودة في جنوب غزة يعلن توقف خدماته الصحية بسبب نفاد الوقود (فيديو)
وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات
لاعب جنوب إفريقيا: أثق في قدرتنا على تحقيق الفوز أمام مصر
تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا
إذاعي وسيناريست ورسَّام، أوراق من حياة الدنجوان كمال الشناوي قبل الشهرة الفنية
الأرصاد تحذر من ضباب يغطي الطرق ويستمر حتى 10 صباحًا
الطرق المغلقة اليوم بسبب الشبورة.. تنبيه هام للسائقين
45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 26 ديسمبر 2025
ترامب: نفذنا ضربات قوية ضد «داعش» في نيجيريا
شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا
الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟
عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!
وداعا ل"تكميم المعدة"، اكتشاف جديد يحدث ثورة في الوقاية من السمنة وارتفاع الكوليسترول
ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا
انفجار قنبلة يدوية يهز مدينة الشيخ مسكين جنوب غربي سوريا
أمن الجزائر يحبط تهريب شحنات مخدرات كبيرة عبر ميناء بجاية
وزير العمل: الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ستوفر ملايين فرص العمل بشكل سهل وبسيط
ارتفاع حجم تداول الكهرباء الخضراء في الصين خلال العام الحالي
الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ
اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً
وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟
الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه
استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم
سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل
«الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية
حريق هائل في عزبة بخيت بمنشية ناصر بالقاهرة| صور
هشام يكن: مواجهة جنوب أفريقيا صعبة.. وصلاح قادر على صنع الفارق
أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان
«اللي من القلب بيروح للقلب».. مريم الباجوري تكشف كواليس مسلسل «ميدتيرم»
كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية
محمد فؤاد ومصطفى حجاج يتألقان في حفل جماهيري كبير لمجموعة طلعت مصطفى في «سيليا» بالعاصمة الإدارية
الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء
أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته
كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية
بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين
ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة
نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات
متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية
محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور
جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي
ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم
أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير
"التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير
واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع
40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم
فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم
تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب
جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام
"إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة
هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب
الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر
الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
فى رثاء الشاعر الأخير
البستان
أخبار الأدب
نشر في
بوابة أخبار اليوم
يوم 20 - 06 - 2021
جرجس شكرى
ما الشعر عند سعدى يوسف الذى أصدر ديوانه الأول عام 1953 وكتب الشعر منذ سبعة عقود، وفى السنوات الأخيرة كان يكتب فى بعض الأحيان كل يوم قصيدة ؟ ليتحول الشعر عنده إلى سيرة يومية يكتب من خلالها طفولة العالم، وأذكر حين سألته: كيف تكتب كل يوم هل هذا طبيعى؟ قال لى بحزم ومحبة ناصحاً إياى : اكتب كل يوم ولا تترك الشعر لحظة واحدة، فسعدى يرى العالم شعراً، فهو قادر على تحويل كل شىء فى هذه الدنيا إلى شعر، كل المواقف إلى لحظة شعرية، وكل الكائنات التى يلتقى بها إلى قصائد، فإذا قرأ فهو يقرأ الشعر وإذا ترجم يترجم الشعر وإذا كتب يكتب الشعر تقريبا، فقد كتب رواية واحدة امثلث الدائرةب ومجموعة قصصية انافذة فى المنزل المغربىب ومسرحية واحدة اعندما فى الأعالىب وثلاثة نصوص مسرحية قصيرة ا حانة سيدوري، الطريق إلى سمرقند، حانة الطرق الأربعب جاءت ضمن كتابه ا كل حانات العالمب وكتاب نقدي، ويوميات ومايزيد على خمسة وأربعين ديوانا شعرياً، وظنى أنه لا ينتظر الشعر أن يأتى فهو يذهب إليه أينما كان، فكل شيء يعرفه ويعيشه كتبه شعراً، بدءاً من قميصه وغرفته ووصولاً إلى عشرات المدن التى عاش فيها ومروراً بالنساء والأصدقاء والأحداث الكبرى والأحداث الصغرى، فلا شيء فى هذا العالم يستحيل على الشعر عنده !سعدى مثل أسلافه الشعراء العرب قبل الإسلام يتحدثون بالشعر، يبكون ويضحكون ويولدون ويموتون بالشعر، حيث كانت الكلمة العليا للخيال وكان المجاز يحكم القبيلة، وليس العقل ولا المنطق، بل البلاغة، فليس هناك دراما أو حكاية، هناك صورة شعرية فاذا مات أحدهم فالعزاء شعراً بالرثاء، وإذا غضب أحدهم فالرد شعراً بالهجاء والقلب يخفق شعراً بالغزل والشعور بالمودة والامتنان شعرا بالمديح، وهكذا البنية العميقة للأعراف والتقاليد لتفاصيل الحياة اليومية جوهرها الشعر وسعدى أحد هؤلاء ووريثهم الشرعى، فهو حفيد أمرئ القيس وعروة بن الورد، والمتنبى وسواهم، فإذا مر بالمقهى وغالبه الحنين للكرسى والطاولة كتب يبكى ويرثى هذه الأشياء، وإذا أعجبه القميص وقف أمام المرآة وشكر نسيجه وخيوطه والأرض التى جاء منها، ومدح القميص، وإذا أغضبه الرئيس هجاه !
وهذا الشاعرالذى ولد فى أبى الخصيب، قرب البصرة عام 1934 ليس شخصية واحدة كما تظنون. هناك شخصيات عديدة اسمها سعدى يوسف يقودها روح خفى يحمل هذا الاسم يتنقل بين المدن والحانات والشوارع والمقاهى والأيام، وأذكرأننى التقيت بهم جميعا منذ أن كتب الأخضر بن يوسف قصيدته الجديدة 1972 وصولاً إلى السونيت 2018، والقصائد المتفرقة التى كتبها فى العامين الماضيين قبل أن يتوقف عن الكتابة ويسكن مقبرة كارل ماركس فى لندن بعد أن فارق الحياة صباح الأحد 13 يونيه 2021 ! ولا أقصد بالوجوه المتعددة الشاعر والروائى والمترجم والمسرحي، والناقد بل سعدى الشاعر، فقط الشاعر الذى تخرج فى دار المعلمين عام 1955 ليتنقل بعد ذلك بين العديد من عواصم العالم، ليكون له فى كل مدينة قصيدة وفى كل حانة من حاناتها كأس ما زالت تتذكره وليال يعرفها ويحفظها كظهر يده.
التقيت الشاعرالثائر والمتمرد والعابر سعدى يوسف فى مطلع التسعينات للمرة الأولى وكنت أبحث عن الأخضر بن يوسف ومشاغله، أول ماقرأت وكنت ومازلت مبهوراً بهذه الشخصية، التى توالت عليها شخصيات عديدة بعد ذلك، وأذكر منذ سنوات قليلة التقينا فى القاهرة عام 2013 عبرت معه الشارع من المقهى إلى الحانة كنت مندهشاً وكان صامتاً وشارداً، أبحث عن الوجوه العديدة التى أعرفها، أبحث عن الأخضر ابن يوسف، الشيوعى الأخير فى بذلته الزرقاء، عن المناضل الثائر، العاشق وصاحب الإيروتيكا ووجوه عديدة هاجمتنى.. وبدأت بالنظر إلى الشاعر الذى مرت عليه سبعة أيام، وهو لايكتب. كان يقرأ حتى توجعه عيناه، فرفض أن يقلب سترته الأولى ورفض أن يسكن كلمات المنفى حين يضيق البيت وبينما هو هائم يتأمل وجوه المارة فى شارع سليمان باشا سألته عن السجن الرسمى وكيف سجله الضباط المليكيون شيوعياً.. كيف حوكمت يا سعدى فى تلك الأيام رغم قميصك الأسود وربطة العنق الصفراء.. كان لا يرد، ولكن ثمة صوت واهناً يهمس من بعيد ابذلة العامل الزرقاء / على مقاسى كانت البذلة/ حتى إننى لم أختبِرْها لحظةً فى غرفةِ التجريبِب وكلما تحدثت تتبعنا شخصيات تعرفه وتحاوره، الطريق من الحانة إلى المقهى قصير لكنه كان مزدحماً بالسنوات والذكريات والليالى الطويلة.. أوقفنا رجل فى ملابس رثة وأشار صارخا ا نبيّ يقاسمنى شقتى / يسكن الغرفة المستطيلة / وكل صباح يشاركنى قهوتى والحليب وسرالليالى الطويلة ا ضحكنا وانتابنا الخوف الطريق إلى المقهى طويل ولا ينتهي، فجأة.. تغير وجه سعدى، سألنى: فى الشارع حانة وحيدة أين ذهبت الحانات. كان جلجامش هنا بشعر طويل، وسيدورى تودعه وتنتظر عودته وقف سعدى وأشار ا قد مات عبدالله والأموات فى بلد السلامة يمضون كالأحياء فى صمت الدموع ا كل هذه المدن يا سعدى ماذا فعلت بك، أين هى هل تحملها على كاهلك أم تحملك... فى مدينة مالمو السويدية، وصلت متأخراً هل تتذكر ؟ وفى الصباح مبكراً قصدت مائدة الإفطار، كنت تجلس مرتديا معطفاً أسود يغطى رقبتك التى يحيطها سوار ذهبى ينتهى بالعراق ، قطعة من الذهب على هيئة خريطة الوطن، كنت شارداً تتكئ على الطاولة، تهتز ويهتز العراق، وأنا أتأمل المشهد حتى انتبهت. وهنا عرفت أن كل المدن التى عاشها سعدى كانت مجرد محطات عابرة، قال فى سياق كلامه عن البلاد لا أذكر البلاد التى هاجرت إليها وعشت فيها وأحتاج الآن إلى خريطة حتى أتذكرها.. وإنه كلما حاول تذكر البلاد التى ذهب إليها ينظر إلى خريطة العالم !سعدى الذى جمع قصائده عن حانات العالم من جلجامش إلى مراكش فى كتاب الحانات التى كان يرتادها الحانات التى يواصل فيها البشر رحلتهم الطويلة العجيبة ارحلة البحث عن مكان يلتقون فيه أحراراً، ويفترقون أحراراً، متمتعين، بألفة مستمدة من علائق المكان ذاته حيث تنبعث ذواتهم وتتألق باهرة، فى سياق اجتماعى مفتوحب، وقد خرج من العراق منتصف السبعينات قاصدا عشرات المدن.. رحت أتأمل هذا العجوز الذى يحمل فى رقبته سلسلة علّق فيها العراق وطنه، ويبدو أنه لا حيلة له سوى أن يحمل وطنه فى رقبته ويذهب به أينما شاء حتى إلى المقبرة، فبعد أن فقده تحول إلى مساحة من الذهب تمثل العراق على الخريطة، وقرأ سعدى فى مالمو مرتين، فى المرة الأولى قرأ من قصائده عن أمريكا، وراح الشاعر العجوز يغنى بالإنجليزية مثل طفل ويسب أمريكا وكأنه ينتقم من الأعداء الذين خربوا بلاده، وفى المرة الثانية تأكدت دهشتى فلم أكن سمعت سعدى يقرأ شعراً منذ زمن طويل.. راح يؤدى بهذه التلقائية الطفولية التى تليق بشاعر كبير مثله وقرأ قصيدة عنوانها الماندولين.. يقول فيها الا يمكن الكلام عن الماندولين إلا بلغة الماندولين، أعنى أن اللغة المعروفة، ليست أداة للكلام عن الماندولين، والسبب بسيط جداًب وراح يحكى قصته مع الماندولين الكائن الحى وبين الحين والحين يغنى الأغنية المصرية اآه يا زين، آه يا زين/ آه يا زين، آه يا زين العابدين/ يا ورد !يا ورد مفتح فى البساتينب بصوته الأجش الذى أرهقه التنقل بين المدن العربية كان يضبط اللحن بصعوبة ويرفع يديه عالياً كأنها يحاول أن يمسك بالموسيقى ولا يهرب منه اللحن، وطيلة أيام المهرجان أتأمل هذا العجوز الذى حمل أشعاره وكانت وطنه، أسس بهذه الكلمات وطناً هو شعر سعدى يوسف ولسعدى يوسف.
الطريق بين المقهى والحانة لا ينتهي، عهدى به قصير فماذا حدث، يبتسم سعدى ويشير، انظر.. وجوه عديدة تطل على جانبى الطريق وجوهاً أعرفها فأشير لهم هذا هو سعدى من بينهم أونجارتى وكفافيس، يانيس رتسوس، أرثر رامبو، والت ويتمان، جارثيا لوركا وهنرى ميلر.. كانوا ينظرون إليه كل واحد فى يده كتاب ترجمه سعدي، يحاولون الوصول إليه ويحاول الوصول إليهم ، وكلما راح يركض تخونه قدماه فيضحك ويمسك بيدى سعدى يوسف شاعر قصيدة التفعيلة الأشهر والذى كان له تأثير كبير على شعراء قصيدة النثر، تأثيره أكبر من الأباء الروحيين لهذه القصيدة ! لأنه لا يعرف سوى الشعر، سعدى الذى كتب لغة طبيعية، لغة أقرب إلى براءة الأطفال ، لم يكن فقط الشيوعى الأخير بل أيضا الشاعر الأخير الذى عاش بلا وطن، وتنقّل بين مدن العالم عابراً وأقام فى مدن الشعرالتى أسسها فى قصائده.. فكل شعراء المنافى هاجروا ليستقروا فى مدينة أخرى بديلة للوطن أما سعدى فعاش فى كل الدنيا كوطن وبالفعل كان يحتاج إلى خريطة حتى يتذكر المدن التى عاش فيها والحانات التى كان يصارع فيها الزمن متمسكا بحريته حتى الرمق الأخير... كنا نحاول المرور أنا وهو، نحاول العبور إلى الحانة التى نقصدها، فلانصل و أيضاً لا نعود، وسعدى صامت وصوت يغنى من بعيد : طلعت الشميسة / على شعر عيشة / عيشة بنت الباشا / تلعب بالخرخاشة، وآخر من بعيد يصرخ فى ملابس الجنود امرة فى الحدود الهلام أردنا فلسطين بالبندقية، والآن شيء من الأمر لي، وشيء من الرمل لك هل يدور الفلك ؟ اوصوت يلهث من بعيد بعد أن أرهقه التجوال صارخا قدر استطاعتهب من بلدٍ ستدور إلى آخر / ومن امرأةٍ ستفرّ إلى امرأةٍ/ من صحراء إلى اخرى / لكن الخيط الممدود مع الطائرة الورقية / سيظل الخيط المشدود إلى النخلة / حيث ارتفعت طيارتك الأولىب أصوات ووجوه عديدة كلها وجوه سعدى يوسف وصوته، ولكن الصوت الأخير كان قاسياً، والطريق لا ينتهى ونحن لا نصل !
ولكن أين نصل يا سعدى ؟ حين تدهورت حالتك الصحية وجهه وزير الثقافة العراقى إلى السفارة العراقية فى لندن بشأن رعايتك وهذا أضعف الإيمان، لكن غضب بعض الرجعيين واحتجوا، وربما سقطت سراويلهم من هول الفضيلة التى يحملونها على أكتافهم ليل نهار، فقد أثار طلب رعاية الشاعر العظيم الكثير من الجدل فى العراق، فتراجع الوزير عن الطلب! وظنى أن دلالة هذا التراجع واحتجاج أصحاب الفضيلة يجسّد وبقوة موقف سعدى ومسار حياته مما دفعه مبكراً أن يحمل أشعاره وحريته ويغادر العراق فى سبعينات القرن الماضى ليطوف مدن الدنيا وشوارعها وحاناتها مدافعاً عن حريته، منتصراً للشعر والحياة، لينام الشيوعى الأخير بسلام هادئ البال فى مقبرة كارل ماركس الشيوعى الأول.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
الشاعر العراقى الكبير سعدى يوسف فى حوار الطلقات السريعة: لو كنت فى العراق لأحرقونى مع كتبى
مثقفون ينعون سعدي يوسف: عاش حياة وعرة
الغربة السياسية في شعر سعدي يوسف *
بعد "وشم" دينا مسعود.. أشهر 10 جمل شعرية أسىء فهمها.. أم كلثوم استجابت للجمهور وغيرت "إن الحظ شاء" وحلمى سالم ضبطه عمال "المطابع".. و"عائشة" سعدى يوسف دعت لإحراق كتبه
سقطات سعدي يوسف في القصيدة البصرية تغفرها ريادته
أبلغ عن إشهار غير لائق