خالد حمزة توسع فرنسا نفوذها فى أفريقيا كل يوم وتكسب أرضا جديدة، وهى فى قلق دائم من تورطها فى حروب محلية مفتوحة، لا يمكن لأحد التكهن بنهايتها، لكنها بالمقابل لا تُريد خسارتها بأى حال من الأحوال ومواجهة نفس المصير الأمريكى بالانسحاب من أفغانستان فى سبتمبر المقبل، مع ذكرى أحداث سبتمبر 2001. فرنسا تؤكد أن قواتها موجودة فى القارة السوداء، لمواجهة الإرهاب الإسلامى، على حد قولها، لكن الواقع على الأرض يؤكد أنها ذهبت لهناك ودفعت بالآلاف من خيرة جنودها، بحثا عن الثروات والنفوذ السياسى كقوة عظمى، يمكن أن تعيد مجدها الاستعمارى فى بعض البلدان الأفريقية، وتسد بها فراغا تركه انسحاب قوى لايستهان بها من القارة. وبعد رحيل الرئيس التشادى إدريس ديبى المفاجئ، وتواجد الرئيس الفرنسى ماكرون على رأس المشيعين له فى العاصمة إنجامينا، تم طرح السؤال لماذا كل هذا الاهتمام الفرنسى بالقارة العجوز؟ والإجابة أنه بالنسبة لبلد مثل تشاد، فإنها تستضيف مقر عملية بركان أو برخان كما يطلق عليها الفرنسيون، وهى قوة فرنسية تتكون من أكثر من 5000 آلاف جندى، ومهمتها المرسومة لها هى محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة والتى تنشط فى منطقة الساحل والصحراء، وتنتشر على امتداد القارة من شرقها لشمالها لوسطها لغربها، وتمتد مهمة تلك القوات فى منطقة تقدر بأنها أكبر من مساحة أوروبا كلها. كما تقود فرنسا أكبر قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة فى دولة مالى. كما أنها نشرت أكثر من ألف جندى لها فى النيجر، ضمن القوة المشتركة التى أنشأتها مجموعة دول الساحل لمواجهة الإرهاب، كما تدخلت قوات فرنسية فى مالى لصد زحف قبائل الطوارق المدعومين من جماعات مسلحة متطرفة على العاصمة باماكو منذ 8 سنوات، ودعمت قوات حكومية لصد هذه الجماعات أو جماعات متمردة عليها فى بوركينا فاسو والنيجر. وفى كل الأحوال، ترفض فرنسا إجراء أى مفاوضات مع تلك الجماعات المتطرفة أو الجهادية. وتطرح بالمقابل خيار الحرب وسحقها رغم إدراك بعض البلدان الأفريقية، بأن الدعم الفرنسى لها لن يستمر للأبد ومسارعتها بعقد اتفاقيات للسلام أو الهدنة أو المشاركة بالسلطة مع الجماعات المناوئة لها. والتدخل العسكرى الفرنسى فى أفريقيا كما تقول مجلة "بوليتكو الأمريكية" له أسبابه، ففرنسا تريد أولا أن تكون قريبة من المنافذ التجارية والبحرية للقارة خاصة بالبحر الأحمر وخليج غينيا ومنطقة الساحل والصحراء فى وسط وغرب القارة، وتريد ثانيا وضع يدها عن طريق شركاتها العملاقة أو متعددة الجنسيات على الثروات الطبيعية الأفريقية مثل البترول والغاز، وتكون صاحبة الامتياز الأول فى عمليات البحث والحفر والتصدير والاحتكار، وكذلك الحال بالنسبة للمعادن النفيسة كالذهب واليورانيوم المغذى لصناعتها العسكرية ولمواردها الكهربائية، وتريد ثالثا أن تحقق التواصل الدائم مع الأسواق الأفريقية الواعدة وتسويق منتجاتها ومبيعات السلاح إليها، وهو الأمر الذى يمنحها المزيد من النفوذ السياسى والاقتصادى وزيادة ثقلها الدولى كقوة عظمى، فى مواجهة الاتحاد الأوروبى وأمريكا والصين بوجه خاص. ولتحقيق ذلك، تقسم فرنسا أفريقيا إلى 4 مجموعات حسب أهميتها الاستراتيجية لها الأولى تضم مستعمراتها السابقة مثل الجابون والكاميرون والسنغال وكوت دى فوار. والثانية ذات الموارد الاقتصادية المبشرة إضافة لموقعها الاستراتيجى بالقارة مثل أفريقيا الوسطىوتشاد وموريتانيا. والثالثة هى دول بعيدة التأثير والجغرافيا مثل مدغشقر فى أقصى الجنوب الشرقى للقارة. أما الرابعة فتشمل دولا تحاول فرنسا سد الفراغ الذى نشأ فيها بعد انسحاب المستعمر الغربى منها مثل كينيا ونيجيريا. وفى معظم تلك البلدان، تحتفظ فرنسا بتواجد عسكرى بصورة أو بأخرى، إما بأفراد على الأرض أو بمستشارين أو مدربين عسكريين لضمان محاربة الجماعات المتطرفة كما تعلن، أو لإجلاء رعاياها المنتشرين بالقارة فى حال حدوث قلاقل أو تمرد أو انقلاب فى دولة من تلك الدول، أو لحماية مصالحها وشركاتها العاملة هناك إذا اقتضت الضرورة ذلك.