محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    وزيرتا "التعاون الدولي والتضامن" وسفير الاتحاد الأوروبي يتفقدون مشروع تأهيل السودانيين بأسوان    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    القيادة المركزية الأمريكية: تصدينا لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    عمرو أدهم: يجب محاسبة المسؤول عن قضية بوطيب.. وسنبشر جماهير الزمالك قريبا    الإسكواش، تأهل نور الشربيني ونوران جوهر لنصف نهائي بطولة الجونة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    في الجول يكشف موقف ياسر إبراهيم ومروان عطية من المشاركة أمام مازيمبي    إصابة 5 سائحين في انقلاب سيارة ملاكي بالطريق الصحراوي بأسوان    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    ثلاثة منتجات توابل مستوردة من الهند تسبب السرطان.. ما القصة؟    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    ارتفاع عدد ضحايا قصف الاحتلال لمنزل عائلة الجمل شرق رفح إلى 5 شهداء    عاجل.. تصريحات كلوب بعد الهزيمة من إيفرتون ونهاية حلم البريميرليج    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    حكايات النيل.. حملة لطلاب بإعلام القاهرة للحفاظ على المياه ومواجهة الظروف المناخية    واشنطن تطالب إسرائيل ب"إجابات" بشأن "المقابر الجماعية" في غزة    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول وفوز مانشستر يونايتد    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بنودى: فن الفسيفساء برؤية جديدة
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 21 - 01 - 2021


منى عبد الكريم
كيف يمكن لحدث رياضى أن يتحول لمثير فكرى وإبداعى ملهم للعالم وكذلك للفنان المتميز محمد بنوي، الذى ألهمه لاختيار عنوان معرضه الأخير «التعافى – ريمونتادا» أو العودة العظيمة الذى استضافه مؤخرا جاليرى آزاد بالزمالك، فريمونتادا تلك الكلمة الأسبانية التى تحمل موسيقى داخلية تدفعك لتعيدها على نفسك، وقد وجدت طريقها إلى العالم بعدما استخدمت على نطاق واسع بفوز فريق برشلونة الاستثنائى على فريق باريس سان جيرمان الفرنسى فى 2017 لتتحول الكلمة إلى شعار يثير الحماس والرغبة فى عبور الصعاب إذ تعنى التعاَّفى والعودة بقوة بعد الهزيمة.
يتوقف بنوى كثيرا أمام تلك الكلمة، تداعب أنامله القطع الصغيرة التى يصنعها بنفسه قبل أن يقوم برصها على مسطحه، مدققا فى كل التفاصيل قبل أن يكتمل العمل ويتساءل كيف يمكن لحضارتنا أن تحدث الريمونتادا الخاصة بها، إذ يقول: ريمونتادا هى توصيف ليس مقتصراً على تسجيل أهداف بارعة، بقدر ما هو عودة عظيمة.. ونحن.. بإمكاننا الحلم بريمونتادا لحضارتنا وتاريخنا العظيم وتطورنا الذى توقف بشكل غريب وغير مفهوم متنكراً لأى عودة أو تطور... ماذا لو قُدرَ لنا التواصل مجدداً مع حضارتنا؟
ربما يطرح بنوى بما يقدمه من أعمال فنية، إجابة شديدة الخصوصية لهذا السؤال، فمضامين أعماله الفكرية لا تبتعد أبدا عن الجذور إنما هى جسر للعبور بين الماضى والحاضر، حتى على مستوى الطرح البصري، فمع فرادة ما يقدمه بنوى فهو يعيد تقديم فن الفسيفساء القديم بمفهوم عصرى ولسان حاله يقول إن التعافى لا يعنى أبدا النقل المباشر أو الاستهلاك المستنزف للقديم وإنما هو تشرب واعى لمفردات الحضارة وهضمها جيدا وانفتاح على العالم وثقافته وتقديم الجديد المتفرد الأصيل فى الوقت ذاته، والحقيقة أن بنوى ربما يقدم نوع جديد من الفن هو مزيج بين الفسيفساء والتصوير والكولاج والنحت، إذ يوظف قطع صغيرة من مختلف الخامات كالرخام والأحجار والزجاج والخشب وغيرها على المسطح، توظيفا عير متكرر، فكل مجموعة من القطع منحوتة بعناية وبأشكال تختلف من عمل لآخر، قبل أن يعيد توزيعها على المسطح مانحا إياها الفرصة لتكتسب صفة جديدة فتارة بإمكانها أن توحى بكونها مبانى المدينة الفاضلة، وتارة هى تلك الشمسيات المتناثرة على الشاطئ من مشهد علوي، وتارة هى نحن البشر فى تلاحمنا وتفرقنا، الأهم أنه لا يقدم رؤية ثابتة للعمل، فمع تغيير زاوية الضوء وسقوطه على المسطح تتغير الظلال ومن ثم هناك عدد كبير من الرؤى التى يتيحها العمل ذاته، يصمت بنوى قليلا قبل أن يخبرني: كلنا لنا ظل وانطباع وجودنا مرتبط بظلنا، فمع الظل تعطى الأشياء انطباعات مختلفة، العمل متحرك والإضاءة متحركة والظل كذلك.
ولكن ليس هذا فحسب، بإمكاننا مشاهدة العمل معلقا على الحائط أو موضوعا على مسطح ، يثير الفنان خيالنا بمجموعة من الصور الفوتوغرافية لأعماله، ليفتح الباب أمام خيارات لا حصر لها فى الاقتراب من أعماله، وكأنها تقدم مفهوم اللانهائية والخلود، وهى مفاهيم لها علاقة بشكل أو بآخر بفكرة فرادة المصرى القديم فيما قدمه، فكلما اقتربت مما قدمه المصرى القديم تكتشف فكرة تعدد الخيارات طبقا لسقوط زاوية الضوء ولدرجة البروز. كما يجيد الفنان كذلك التلاعب بمختلف الأشكال الهندسية سواء فى مسطحه بالكامل أو حتى فى تفاصيل القطع وعلاقة المساحات اللونية بعضها ببعض، ليأخذنا إلى الفن الإسلامى، أو الفن المصرى القديم وغير ذلك.
أما قراءة أعمال بنوى بدلالتها الفكرية والفلسفية فهذا أمر أخر، إذ تستدعى كل مجموعة من أعماله دلالات أدبية وفلسفية وإنسانية، ففى مجموعة الرسائل مثلا يأخذنا بنوى إلى بيوتنا وإلى السطح وإلى أجهزة الاستقبال المتناثرة من أطباق الدش والإريال، هذه الأشياء تشكل وعينا وتلتقط الإرسال وتعيد تصديره لنستقبله، لكن كل ما يتم بثه هو محكوم تماما بوعينا، الأمر ليس بسيطا أبدا، فقد يقودنا لكيفية هيمنة دول على دول أخرى فكريا، أما مجموعة «رسائل الغفران» فعلى الرغم من أننا سنفكر على الفور فى رسالة أبى العلاء المعري، فإن رسالة الغفران هنا تتناول علاقة الإنسان بالسماء وأبواب الغفران وتسامح الإله مع أخطائنا، إذ يبدو العمل كرسالة مكتوبة، وتبدو القطع نفسها التى تشكل سطور الرسالة هى الأشخاص ذاتهم، فى حالة وجدانية طالبين الغفران من الله. أما فى عمله « العودة إلى السماء» يختار بنوى القارب مفردة أساسية للعبور، قائلا: وأنا صغير أردت أن يكون لى بيتا فى الماء، وأنا أعتبر القارب مثل البيت وليس مجرد وسيلة للانتقال، ولكننى هنا أعتبر القوارب حاملات الحضارة، وأنا الآن لا أريد أن أخذ قواربى وأنزل إلى الماء، بل أريد أن أخذها وأصعد بها إلى السماء وأعود إلى حياتنا الأولى، سنأخذ مركب ونعود إلى حضارتنا.
تعكس كثير من الأعمال علاقة وطيدة بالطبيعة.. بالماء والشمس والهواء ، وحين نفكر فى الماء فإننا نفكر فى النهر وفى حضارتنا ووادينا الطيب الذى نشأت عليه حضارتنا وهى الفكرة التى ألهمته العمل الذى قدمه فى بينالى فينيسيا الدولى للفنون فى دورته الخامسة والخمسين، وقد تم اختيار تلك الجدارية «الوادى» ضمن أفضل خمسة أعمال موزاييك على مستوى العالم، من قبل الجمعية البريطانية للفسيفساء المعاصرة فى 2013.
إن ما قدمه بنوى، المدرس بكلية الفنون الجميلة، فى معرضه الأخير، سبقه رحلة طويلة من الإبداع والتجريب، تتخللها محطات مهمة عديدة، منها على سبيل المثال حصوله على منحة جائزة الدولة للإبداع الفنى بمقر الأكاديمية المصرية للفنون بروما 2006، وقد أتاحت له المنحة فرصة للاطلاع على ثقافة الآخر، ذلك بخلاف تأثره بثورة يناير التى قدم عنها عملا اعتبره نقلة فى تجربته الفنية، كما حصل فى 2018 على جائزة الدولة التشجيعية فى التصوير الجداري، وهذا كله مجرد جانب صغير من سيرة فنية حافلة.
ولذا إن معرض «التعافى – ريمونتادا» هو أكثر من معرض واحد، فهو خلاصة تلك التجربة الممتدة ، ولذا فلكل مجموعة من الأعمال مذاق خاص تحمل بصمة بنوي، تتشارك فى السمات العامة وتختلف فى التفاصيل، تتنوع فى شكل المسطح الكلى وفى شكل القطع وتوزيعها ومدلولها. ولكن الخلاصة أن بنوى يجيد انتزاع الأشياء العادية من سياقها التقليدى ليقدم معانى ودلالات جديدة أما على مستوى التشكيل فقد قدم تجربة متميزة لا تكفيها قراءة واحدة أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.