أسعار الأسماك واللحوم اليوم 26 أبريل    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    مايكروسوف تتجاوز التوقعات وتسجل نموا قويا في المبيعات والأرباح    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    «هنصحى بدري ولا متأخر؟».. سؤال حير المواطنين مع تغيير توقيت الساعة    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    البنتاجون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ «ATACMS»    بلينكن ل نظيره الصيني: لا بديل عن الدبلوماسية وجهاً لوجه    عاجل - قوات الاحتلال تقتحم نابلس الفلسطينية    سيول جارفة وأتربة، تحذير شديد اللهجة من الأرصاد بشأن طقس اليوم الجمعة    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    سرقة أعضاء Live.. تفاصيل صادمة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    "أكسيوس": مباحثات سرية بين مصر والاحتلال لمناقشة خطة غزو رفح    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسر رزق يكتب: من لقاء «ناطحة السحاب» إلي جولة بسيارة يقودها قيصر روسيا المنتخب
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 19 - 10 - 2018


خبايا قمة السيسي وبوتين في ٢٤ ساعة
ماذا تحقق للتعاون المصري الروسي في اللقاء التاسع بين الصديقين
مع نسمات ليلية ندية، آتية من ساحل البحر الأسود، المشاطئ لمقر إقامة الرئيس الروسي في مدينة »سوتشي»‬ الروسية، افترق الرئيسان فلاديمير بوتين وعبدالفتاح السيسي الليلة قبل الماضية في ختام زيارة السيسي إلي روسيا، بمودة وإعزاز، مثلما اعتاد الصديقان في ثمانية لقاءات جمعت بينهما منذ فبراير عام ٢٠١٤.
هذه المرة.. لم يكن بوتين بحاجة لأن يؤكد للسيسي عند الوداع، وقوف روسيا بجانب مصر، أو مساندتها لها في جهودها لتحقيق التنمية، ولا لأن يعبر للسيسي عن تقديره الشخصي له واعتزازه بصداقته.
المواقف علي مدار السنوات الماضية جسدت الأقوال ولم تخاصمها.. وانطلقت العلاقات المصرية الروسية من مرحلة الاستشفاء وإعادة الإطلاق، إلي مرحلة عبور إلي المستقبل، علي حد قول مسئول روسي كبير.
لخص بوتين وهو يودع السيسي ليل الأربعاء نتائج قمة سوتشي واللقاء التاسع بينهما، قائلا: »‬إن كل طلبات مصر مجابة»، ثم أضاف »‬إنني اتطلع يا صديقي العزيز إلي لقاء جديد قادم بيننا». وقال له الرئيس: »‬إنني أتمني أن يكون ذلك اللقاء علي أرض مصر».
أوجه شبه عديدة تجمع القمة الأولي بين الزعيمين، واللقاء التاسع بينهما، في مكان الانعقاد وهو منتجع »‬سوتشي» الذي يعشقه الرئيس الروسي بوتين، بقدر عشقه لمسقط رأسه »‬سان بطرسبرج» - مدينة ليننجراد القديمة- ولعاصمة بلاده موسكو التاريخية، وربما أكثر. وكذلك في حجم الحفاوة التي أحاط بها بوتين صديقه وضيفه، استمراراً لحفاوة احتضنت الرئيس المصري منذ وصوله إلي موسكو يوم الاثنين الماضي، وصفها مسئولون ومحللون روس بأنها لم تحدث من قبل لأي زعيم.
أما وجه الشبه الأكثر وضوحاً، فهو قدر ساعات المباحثات واللقاءات والجولات التي جمعت الرئيسين في قمتي »‬سوتشي». ففي القمة الأولي ظلا معا لمدة ١٢ ساعة منذ الصباح وحتي الساعة الأولي من صباح يوم جديد.
وفي هذه القمة، لم يفترقا علي مدي ٢٤ ساعة، إلا في ساعات النوم.
• • •
منذ ٥٠ شهراً بالضبط، جرت مباحثات القمة الأولي بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
اختار بوتين مدينة »‬سوتشي» الرائعة الدافئة المطلة علي البحر الأسود، مكانا لهذه القمة بينه وبين السيسي، بعد شهرين من توليه منصب الرئيس، وبعد ستة أشهر من أول لقاء جمعهما معا في موسكو حينما كان السيسي وزيراً للدفاع.
تلك القمة الأولي أعادت النبض إلي العلاقات المصرية الروسية وأنعشتها، بعد سنوات طويلة عانت فيها من الانزواء والجمود، حتي شارفت علي الموات أثناء الزيارة الكارثية للرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي إلي سوتشي، ولعلك لم تنس وقائعها!
١٢ ساعة كاملة، جمعت الرئيسين في مباحثات يوم ١٣ أغسطس عام ٢٠١٤، التي وصفتها يومئذ بأنها أطول مباحثات قمة في التاريخ.
في نهاية القمة الأولي ومع نسيم صباح جديد يتنفس، ودع بوتين صديقه السيسي الذي شجعه قبلها بنحو ستة أشهر علي اتخاذ قراره بخوض انتخابات الرئاسة استجابة لنداء جماهير شعبه.
يومها.. قال بوتين لصديقه وهو يشد علي يديه: »‬نحن معك، ندعم كل خطواتك، كنت أعرف بل كنت متأكداً أنك ستنجح في الانتخابات. إنني أعلم أن شعبك يعلق عليك أمله، وأنت كما سمعتك وعرفتك علي قدر هذا الأمل».
• • •
أيام مضت، وأسابيع، وسنوات أربع، علي القمة الأولي بين الزعيمين واللقاء الثاني بين الرجلين.. وتعددت اللقاءات بين السيسي وبوتين.
كان اللقاء الثالث في القاهرة خلال فبراير عام ٢٠١٥، حين رد السيسي حفاوة استقباله في سوتشي، باستقبال غير مسبوق لبوتين لم يشهده أي زعيم أجنبي من قبل في مصر، وكذلك بعشاء خاص في الطابق الأخير من »‬برج الجزيرة» أعلي مبني علي أرض مصر، وهو العشاء الذي أسست مداولاته لبناء جديد للعلاقات المصرية الروسية، يقوم علي صداقة لا تزعزعها أنواء وتواصلت اللقاءات في موسكو خلال مايو ٢٠١٥، أثناء احتفالات روسيا بالذكري السبعين لانتصارها في الحرب العالمية الثانية، ثم بعدها في أغسطس بالعاصمة الروسية أيضا في زيارة رسمية، ثم في سبتمبر ٢٠١٦ خلال قمة العشرين بمدينة هانغجو الصينية، ثم علي هامش قمة دول »‬البريكس» في مدينة »‬شيامن» الصينية في سبتمبر ٢٠١٧.
وانعقد اللقاء الثامن بالقاهرة في ديسمبر من العام الماضي، وكان جوهر قمة الزعيمين في هذا اللقاء هو توقيع اتفاق إنشاء المحطة النووية بالضبعة التي تعد أهم علامات الصداقة المصرية الروسية في القرن الحادي والعشرين، مثلما كان السد العالي أبرز علامات هذه العلاقات في القرن العشرين، والتي نحتفل هذه الأيام بمرور ٧٥ عاماً علي تدشينها في جانبها الدبلوماسي.
• • •
ظهر الاثنين الماضي، حطت طائرة الرئيس السيسي بموسكو، في مستهل زيارة رسمية له إلي روسيا بدعوة من بوتين. كان مقدراً لهذه الزيارة أن تستمر حتي مغرب يوم الأربعاء، ولكنها امتدت ثلاث ساعات.
»‬المرة الأولي».. كان عنوانا أحاط هذه الزيارة وظلل أنشطتها وفعالياتها.
فهي المرة الأولي التي يدعي فيها رئيس دولة لزيارة مدينتين روسيتين في نفس الزيارة.
وهي المرة الأولي التي يتحدث فيها زعيم أجنبي أمام البرلمان الروسي ويلقي كلمة في قاعة مجلس الفيدرالية »‬مجلس الاتحاد الروسي» وهو الغرفة الأعلي في البرلمان الذي يضم بجانب هذا المجلس مجلس نواب الشعب »‬الدوما».
وبرغم أن مجلس الفيدرالية كان في فترة الإجازة البرلمانية ولم يكن في حالة انعقاد، فقد دعي لحضور الجلسة والاستماع إلي كلمة الرئيس، رؤساء اللجان وأبرز النواب.
أيضا هي المرة الأولي التي يدعي فيها رئيس دولة إلي منزل رئيس وزراء روسي للتباحث معه والالتقاء في حفل غداء خاص. ورئيس الوزراء هنا ليس كأي رئيس حكومة في الدول الأخري. ذلك أن ميدفيديف هو طرف في ثنائية تميز حكم بوتين قيصر روسيا المنتخب، والرئيس المناوب - كما يوصف - لإحدي دولتين هما الأقوي عسكرياً في العالم.
وإذا كانت هذه هي المرة الثانية التي يدعي فيها رئيس دولة إلي عشاء خاص في مكان عام مع الرئيس الروسي.. ففي المرة الأولي كان المدعو أيضا هو الرئيس السيسي وفي نفس المدينة »‬سوتشي».
• • •
غابة شجرية ذهبية اللون تحيط بالعاصمة موسكو التي تعد أكبر عاصمة في العالم من حيث المساحة، في هذا الوقت من العام.
شمس الخريف هذه السنة تعد الأكثر دفئاً منذ أعوام مضت، وأشعتها الصريحة المباشرة تلمع فوق أوراق الشجر الصفراء التي تتأهب للسقوط في محيط موسكو وداخل جنباتها، وأكسبتها لوناً ذهبياً في الشوارع والميادين، وعلي ضفتي نهر »‬موسكوفا» الذي يخترق العاصمة الروسية وأهداها اسمها.
في اليوم الأول للزيارة.. التقي الرئيس السيسي بمقر إقامته في فندق »‬لوتي»، مع تيجران سركسيان رئيس المفوضية الاقتصادية للاتحاد الأوراسي ورئيس وزراء أرمينيا الأسبق.
خلال اللقاء.. تقرر إجراء الجولة الأولي لمفاوضات انشاء منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الأوراسي في أقرب وقت.
الاتحاد الأوراسي هو تجمع اقتصادي يجمع روسيا وبيلاروس وأرمينيا وكازاخستان وقيرجيزيا.
اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وهذا الاتحاد، تعطي للصادرات المصرية دخولاً حرا وتدفقا واسعا إلي الدول الخمس مما يدفع بها ويزيد من حجمها بنسب عالية، كما يعطي لمنتجات هذه الدول ميزة كبري في دخول أسواق الدول الإفريقية، لاسيما الأعضاء في منطقة »‬الكوميسا».
استهل الرئيس صباح الثلاثاء في اليوم الثاني للزيارة، بإلقاء كلمته أمام مجلس الفيدرالية، عقب قيامه بوضع إكليل زهور علي قبر الجندي الروسي المجهول.
في ترحيبها بالرئيس السيسي.. قالت السيدة فالنتينا مدفينينكا رئيس المجلس وهي المسئول الثالث في سلم القيادة الروسية، للنواب الروس: »‬إنني أقدم لكم رجلا كرس حياته لقيادة بلاده وحظي بتأييد تام من جانب الشعب المصري. ومازلت أذكر نداءه في 26 مارس 2014 للشعب المصري حين قال: كنت جنديا وفيا يخدم وطنه وسأظل أخدم وطني عندما أنزع ردائي العسكري».
وفي أول إطلالة لرئيس أجنبي علي البرلمان الروسي.. قوطع الرئيس المصري بالتصفيق سبع مرات، وهو يلقي كلمته، بالذات وهو يتحدث عن العلاقات المصرية الروسية، ويقول إن مصر لن تنسي أبداً الدعم الروسي لها.
وكان في ذاكرة الحضور، ونحن نعيش أجواء الذكري الخامسة والأربعين لنصر أكتوبر، أن مصر خاضت الحرب بالسلاح الروسي وحققت به النصر.
ومن مقر مجلس الفيدرالية المطل علي نهر »‬موسكوفا»، إلي منزل رئيس الوزراء ميدفيديف في إحدي ضواحي موسكو.. توجه الرئيس والتقي ميدفيديف علي حفل غداء خاص، تركز خلاله النقاش علي علاقات التعاون الاقتصادي بين مصر وروسيا، بالأخص فيما يتعلق بإنشاء منطقة صناعية روسية في شرق بورسعيد باستثمارات ٦٫٧ مليار دولار، من المتوقع أن توفر 35 ألف فرصة عمل، والمنتظر أن تقوم جهات تابعة للحكومة الروسية بإقامة البنية الداخلية لهذه المنطقة وترويجها بين الشركات الخاصة في مجالات صناعية كالدواء والمركبات والمعدات الزراعية.
• • •
مساء يوم الثلاثاء.. وصل الرئيس السيسي إلي سوتشي، قادما بطائرته من موسكو.
يوصف منتجع »‬سوتشي» بأنه أكبر فندق في العالم، إذ يضم قري سياحية وفنادق تسع مائة ألف سائح في وقت واحد.
يحيط سوتشي من الشمال جبال القوقاز، بينما تطل من الجنوب علي البحر الأسود.
لا البحر الأسود أسود. ولا البحر الأبيض أبيض، ولا البحر الأحمر أحمر!
إذا مددت البصر إلي البحر الأسود في هذه الأيام من العام، ستجده أزرق اللون، يلمع زغب أمواجه تحت شمس صريحة وسماء صافية.
لا وجود لسحب الشتاء الداكنة والضباب الذي يحجب السماء عن الأرض في ذلك الفصل، والذي يضفي لونا داكنا علي صفحة البحر، ويكسبه اسمه: »‬الأسود».
• • •
من مطار »‬سوتشي» إلي شاطئ المدينة، توجه ركب الرئيس السيسي.
هناك.. كان الرئيس بوتين في انتظار الرئيس السيسي بترحاب ظاهر، وحفاوة تنطق بها مصافحة حارة، ومودة تفصح عنها قسمات الوجه.
أشياء كثيرة تجمع الرئيسين، منها الهيئة والقامة والمشية وحركات اليدين، كذلك الخبرة الأمنية/ المعلوماتية. فبوتين كان رئيسا لجهاز المخابرات الروسي بينما السيسي كان مديرا للمخابرات الحربية المصرية.
والسيسي تولي مصر في حال أمنية واقتصادية متردية، مثلما كان الوضع تقريبا في روسيا حين ترأسها بوتين.
وبوتين أعاد لروسيا مكانتها وهيبتها ودورها، مثلما يعيد السيسي لمصر مكانتها ودورها ويبني لها نهضة اقتصادية وعمرانية غير مسبوقة.
• • •
أمام شاطئ »‬سوتشي»، اصطحب بوتين صديقه العزيز، في جولة وسط المصطافين الروس والسياح الأجانب.. سأل بوتين، السيسي عن لقاءاته صباح نفس اليوم في موسكو، ثم قابل الزعيمان بعض المصطافين، وتبادلا معهم الحوارات وكان جانب منهم قد سبق له زيارة مصر.
ثم استضاف الرئيس الروسي صديقه السيسي في عشاء خاص لم يحضره إلا المترجمون، بمطعم »‬فيسوتا 5642» أو »‬ناطحة السحاب»، وهو من أرقي مطاعم الأسماك والمشويات في العالم، ويقدم طعامه علي الطريقة »‬القوقازية» حيث إن أصحابه من جمهورية »‬داغستان» الروسية ذات الأغلبية المسلمة.
لا أحد يستطيع الادعاء بمعرفة فحوي الحوارات التي دارت خلال العشاء، لكن مصادر روسية قالت إنه تطرق إلي جوانب في العلاقات الثنائية، وتركز أساسا علي قضايا إقليمية ودولية.
• • •
صباح اليوم التالي.. وقعت حادثة إطلاق النار والتفجير في كلية »‬البوليتيكنيك» بمدينة »‬كيرتش» الروسية في شبه جزيرة القرم والتي أسفرت عن سقوط أكثر من 50 بين قتيل وجريح.
برغم وقع هذا الحادث الدموي، علي روسيا والرئيس بوتين، إلا أن برنامج الزيارة لم يتغير، إلا في إلغاء حفل فني لفرقة من أبناء القوقاز، احتراما لضحايا الحادث.
كان لقاء العشاء، في الليلة السابقة، هو لقاء القمة المغلق بين الزعيمين.
أما لقاء قمة الأربعاء، فكان لقاء مصغراً حضره بعض أعضاء الوفدين، وتناول بشكل موسع موضوعات خاصة بالتعاون المصري الروسي، لاسيما ما يتعلق بمشروع إنشاء المحطة النووية في الضبعة التي قال لي الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء إنها ستبدأ العمل بعد ثماني سنوات. ودار الحديث عن تيسير اجراءات التمويل التي تم الاتفاق عليها والسداد علي 22 عاما بعد فترة سماح 13 عاما.
وتناولت المباحثات اتخاذ إجراءات إنشاء المنطقة الصناعية الروسية شرق بورسعيد، كذلك اتفاق توريد وتصنيع 1300 عربة قطار بتكلفة ١٫٢ مليار يورو، وأوضح لي الدكتور هشام عرفات وزير النقل أن الاتفاق الذي وقع مع كونسورتيوم روسي- مجري يشمل تصنيع بعض المكونات والعربات في مصنع »‬200 الحربي» ويستهدف أيضا الوصول إلي الأسواق الإفريقية. كما تطرقت المباحثات إلي سبل زيادة التبادل التجاري الذي بلغ حجمه ٦٫٧ مليار دولار، وفي هذا الصدد جرت مناقشة آفاق التعاون بعد التوقيع المرتقب علي اتفاق التجارة الحرة بين مصر ودول الاتحاد الأوراسي.
كان هناك أيضا الاتفاق علي اعتبار عام 2020 عاما للتبادل الثقافي والإنساني وأعلن بوتين عن قرب استئناف الرحلات الجوية بين روسيا وكل من شرم الشيخ والغردقة.
علي طاولة اللقاء المصغر الذي استغرق ساعتين، تناول الزعيمان بالتفصيل الأزمة الليبية والجهود المصرية المبذولة لتوحيد الجيش الليبي.
واستعرض الرئيس جهود مصر الناجحة في القضاء علي الإرهاب من خلال العملية الشاملة »‬سيناء 2018».
• • •
عقب لقاء القمة المصغر، ألقي الرئيسان بيانين صحفيين عن نتائج المباحثات أمام الإعلام المصري والروسي.
واستهل الرئيس الروسي بيانه بالحديث عن حادث القرم، بينما استهل الرئيس المصري بيانه بتقديم العزاء إلي روسيا في ضحايا الحادث.
شمل البيانان سردا شاملا تفصيليا لمجريات المباحثات ونتائجها، خاصة بعد أن وقع الرئيسان في مطلع اللقاء الصحفي علي اتفاقية بين البلدين بشأن الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي.
ووصف بوتين العلاقات المصرية الروسية بأنها علاقات صداقة واحترام متبادل تقوم علي المصالح المشتركة.
وأكد السيسي متانة العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، وتطلع البلدين لمواصلة العمل بما يلبي طموحات الشعبين.
علي مدي ساعة جرت وقائع اللقاء الصحفي بحضور أعضاء الوفدين، وظهر من بين الوفد الروسي سيرجي لافروف وزير الخارجية وسيرجي شويجو وزير الدفاع.
وضم الوفد المصري وزير الخارجية سامح شكري واللواء مصطفي شريف رئيس ديوان رئيس الجمهورية والدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والدكتور هشام عرفات وزير النقل والدكتور عمرو نصار وزير التجارة والصناعة. كما ضم الوفد اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة واللواء محسن عبدالنبي مدير مكتب رئيس الجمهورية، والدكتور أحمد كوجك نائب وزير المالية والسفير إيهاب نصر سفير مصر في بكين والسفير بسام راضي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية.
• • •
امتدت المباحثات بعد ذلك، علي غداء عمل أقامه الرئيس بوتين تكريما للرئيس السيسي والوفد المرافق له.
وخلال الغداء.. تطرق الرئيسان للتركيز علي الأزمة السورية، وأطلع بوتين الرئيس السيسي علي الجهود الروسية المبذولة في هذا الصدد. واتفقا علي تبادل المعلومات في مجال التصدي للإرهاب والحيلولة دون انتقال العناصر الإرهابية من سوريا إلي مناطق أخري، بالتعاون مع المنظمات الدولية والدول المعنية.
عقب الغداء.. اصطحب الرئيس بوتين صديقه العزيز بسيارة روسية الصنع من طراز »‬أوروس» إلي معرض للسيارات حيث يقام سباق »‬الفورميولا-1» الروسي، وقدم وزير الصناعة والتجارة الروسي شرحا لفئات أخري من السيارات من هذا الطراز الذي يجري انتاجه ضمن مشروع سيارات »‬كورتيج» الروسية الذي يرعاه الرئيس الروسي.
قبيل مغادرة الرئيس السيسي »‬سوتشي» عائدا إلي القاهرة.. سألت وزير الخارجية سامح شكري عن نتائج المباحثات، قال: إنها أظهرت اتفاقا واسعا في وجهات النظر، بل تطابقا في الرؤي تجاه قضايا إقليمية ودولية.
وقلت للواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة.. هل حققنا ما نريد من هذه الزيارة؟.. قال: الحمد لله، كانت زيارة ناجحة للغاية، وحققنا ما هو متوقع وأكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.