كان الإعلان عن ميلاد دولة إسرائيل فى منتصف مايو 1948 نقطة تحول هامة وخطيرة فى تاريخ الأمة العربية والإسلامية والشرق الأوسط. حيث أعلن ديفيد بن جوريون ميلاد دولة إسرائيل وبعد إعلان ميلاد دولة فلسطين رسميا توالى الاعتراف الدولى بها وكانت الولاياتالمتحدة أول دولة تعترف بها والاتحاد السوفيتى الدولة الثانية. وبدأت أحداث الحرب بين الجيوش العربية وإسرائيل مباشرة. ودون الدخول فى أحداث الحرب. فإن من الواجب أن أذكر أن كلمة « إسرائيل « تعنى بالغة العبرية عبد - الله ( أسرا - أيل ). وقد أطلق لقب « بنى إسرائيل « على اليهود فى الكتب السماوية. القرآن الكريم والإنجيل والتوراة. إذن هو اسم دينى ويشير إلى أن الدولة هى دولة قائمة على أسس دينية بحتة وهى امتداد ل» بنى إسرائيل» الذى أطلق على اليهود من قبل وبالتالى فهى دولة لها توجه دينى أساسا وحدودها حددها كتابهم المقدس (التوراة) هى من « النيل إلى الفرات» وليس فلسطين فقط كما يعتقد البعض. على هذا الأساس فإن فهم جذور الصراع بين العرب ودولة إسرائيل كان من وجهة النظر الإسرائيلية هو صراع عقائدى فى المقام الأول. فهى دولة تجمع اليهود من أنحاء العالم على أساس أن فلسطين وهى جزء من أرض الميعاد لذا فهى لليهود وحدهم وأن الفلسطينيون استولوا عليها. لهذا فإن حربهم وعنفهم ضد فلسطين كان يعتبر حرب تحرير مقدسة ضد الفلسطينيين المعتدين الذين احتلوا هذه الأرض. وهذا يفسر ما نشاهده علنا من عنف مفرط من المستوطنين والجيش الإسرائيلى.هذا المفهوم غاب تماما عن الوعى العربى العام. وخاصة عند القيادات وأصحاب القرار. وتم الاستهانة تماما بهذا المفهوم الخطير الذى تقوم عليه دولة إسرائيل بل لا أبالغ إذا قلت إن معظم الزعماء العرب كانوا يتجاهلون هذه الحقيقة وحولوا مفهومهم عن الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سياسى وأن إسرائيل ظاهرة استعمارية ومسألة احتلالها لأراضٍ عربية وطرد وإبادة شعب فلسطين هو عمل سياسى استعمارى. وكان هذا تجاهلا تاما للحقيقة لأنهم لم يفرقوا بين الاستعمار بصورته التقليدية وبين الاستيطان وكان ذلك من أحد أسباب النتائج الخطيرة التى وصلنا إليها. وإذا نظرنا إلى مراحل إنشاء دولة إسرائيل نجد أن العنصرية كانت هى الأساس فى بنائها. لقد ولدت فكرة دولة لليهود فى نهاية القرن التاسع عشر كرد فعل للظلم الذى تعرض له اليهود فى أوروبا فى العصور الوسطى وكان كتاب « الدولة اليهودية « لتيودور هرتزل هو رد فعل لهذا الاضطهاد ومحاولة لإيجاد مخرج للشعب اليهودى الذى يعيش فى الشتات أى بعيدا أن عن وطنه الأصلى لأن مكانه الطبيعى فى تصورهم هو فى أرض الميعاد أى فلسطين ومن النيل إلى الفرات. وكان كتاب « دولة اليهود « هو مجرد فكرة لمشروع دولة طرح عام 1897 فى مؤتمر جمع القيادات اليهودية فى بازل سويسرا. وكان هذا الكتاب نقطة تحول خطيرة فى الفكر اليهودى المعاصر. والعجيب أن فكرة إنشاء دولة يهودية واجهت معارضة قوية من يهود أوروبا بصفة عامة واعتبروا تجميع اليهود فى دولة واحدة يعرضهم للخطر فهى فرصة لكى يتم القضاء عليهم من أى قوى معادية. انطلقت فكرة الدولة اليهودية وواجهت كثيرا من الصعاب إلى صدور وعد بلفور عام 1907 الذى عبر عن وجهة نظر بريطانيا كدولة عظمى فى العالم. وكان الوعد عبارة عن تأييد بريطانيا لفكرة الدولة اليهودية كحل جذرى لمشكلة اليهود فى العالم. اكتسب هذا الوعد أهمية قصوى. وفى ظل الاحتلال البريطانى لفلسطين ومعظم الدول العربية وفى ظل هذا الوعد البريطانى بدأت موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وبدأت فكرة إنشاء قلاع حصينة تسمى مستوطنات لتحميهم وتجمع بين التنمية والاستيطان والسيطرة المسلحة على مناطق فى فلسطين حسب خطة بعيدة المدى. وولدت المنظمات اليهودية المسلحة فى صورة قوى مستقلة تدافع عن المناطق التى تم احتلالها واغتصابها أو شراؤها. إذن وجود « إسرائيل « كدولة دينية أهدافها دينية محضة كان سببا مباشرا فى إيقاظ روح المقاومة والمعارضة لهذا الكيان الذى يسعى لإنشاء دولة عنصرية يهودية قائمة أساسا على إحلال اليهود المهاجرين من الخارج مكان أهل فلسطين من الفلسطينيين الذين يعيشون فيها منذ آلاف السنين سواء مسيحيين أو مسلمين. وقد اتخذت المنظمات شبة العسكرية اليهودية أسلوب العنف المفرط ضد أهل فلسطين المسالمين واعتبروا ذلك حرب تحرير مقدسة لوطنهم اليهودى من المغتصبين. ولهذا ظهرت قيادات داخل فلسطين تدعو لأول مرة للجهاد بالمفهوم الإسلامى ضد العدوان اليهودى على أرض فلسطين. وعلى المسجد الأقصى. يعنى حسب قراءة التاريخ بعقل واع. إن ظهور المقاومة الإسلامية فى أرض فلسطين ضد الاستيطان اليهودى كان رد فعل طبيعىا للتطرف والعنف الذى ارتكبته المنظمات اليهودية فى فلسطين. التى ارتكبت المذابح المروعة ضد الفلسطينيين الآمنين العزل من السلاح بغرض إرهابهم ودفعهم لترك أرضهم والهجرة إلى خارج فلسطين. وكلما زادت المنظمات الإرهابية اليهودية من عنفها ،بدأ الفلسطينيون بطريقة طبيعية اللجوء إلى الدين الذى يحميهم ويحمى وحدتهم ويقوى من عزيمتهم أمام هذا العدوان المفرط فى القسوة والذى كان يحميه الاحتلال البريطانى فى فلسطين.