أطل علينا «عيد الإعلاميين» الذي ارتبط بانطلاق أول إذاعة رسمية منذ اثنين وثمانين عاماً، وكان انطلاق هذه الإذاعة من «٤ شارع الشريفين» إيذاناً بإغلاق ملف «الإذاعات الأهلية» التي كانت قد انزلقت إلي مستنقع الفوضي والعشوائية، فماذا يقول لنا عيد الإعلاميين هذا العام؟؟ أو ماذا نقوله نحن للإعلام وقد صار قوة طاغية هائلة بما يمتلكه من أحدث ما أفرزته تكنولوجيا الاتصال. إنني: باسم الإعلاميين، بل باسم المستمعين والمشاهدين، بل باسم كل المواطنين في أنحاء مصرنا الغالية أقول للعيد الذي كان له وضع خاص، ومكانة خاصة: «بأية حال جئت يا عيدُ؟؟ بنفس الحال أم لأمر فيه تجديدُ؟؟» هل جئت لتعاتبنا علي ما أصاب الإعلام من تعثر وارتباك وانفلات؟ هل جئت لتذكرنا بمرحلة الإذاعات الأهلية التي كانت تنتشر في مصر قبل ٣١ مايو ١٩٣٤ وكانت لا يحكمها ميثاق شرف، ولا تُلزمها مهنية حقيقية لدرجة أنها كانت أبواقاً للملاسنات والمشاحنات ورخيص الدعايات، بل كانت تستغل أحياناً في ترويج المخدرات، فيقول المذيع: «يا فلان.. الدنيا غيم» وتلك هي «الشفرة» التي يُحذر بها تجار المخدرات من احتمال تعرضهم «لكبسة» الشرطة!! وبهذه المناسبة هل نفاجأ في أيامنا هذه بمن يذيع في إحدي الشاشات أو الإذاعات وهو يقول أيضاً «الدنيا غيم» ليحذر المتواطئين والمتربصين بمصر من اقتراب الشرطة والنيابة منهم؟! هذا - للأسف الشديد - هو حال الإعلام في هذه الأيام حيث انحدرت «التوك شوهات» وشاعت الملاسنات والمشاحنات علي الهواء مباشرة - ولعلك أيها الإعلام: «الظالم والمظلوم» نقلت بالأمس للأسف معركة حامية الوطيس من خلال «برنامج ملتهب» تبادل فيها الضيفان الاتهامات ثم اللعنات، ثم الصفعات، ثم اللكمات، والكارثة أنهما ينتميان للإعلام ما بين تقديم البرامج والتعليق علي المباريات!!.. وهذا الذي حدث مؤخراً جداً امتداد لما ظل يحدث هذا العام وما قبله، ويكفي أن نذكر كيف استدرج إعلامي السيدة «أم خالد» ليسجل لها حديثاً توجهه للسيدة «أم الشاب الايطالي ريجيني» قائلة لها: «ان الشرطة المصرية هي التي قتلت ابنك!!» ونذكر أيضاً كيف تجاهل الإعلام قيمة ونتائج الزيارة الحافلة التي قام بها «خادم الحرمين الملك سلمان» لمصر علي رأس وفد ضخم من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال وتم توقيع اتفاقيات تدفع اقتصادنا إلي الأمام، تجاهل الإعلام ذلك لكي يثير قضية «تيران وصنافير» قبل التأكد من حقيقتهما السعودية، وكان الهدف الخفي هو الحيلولة دون انطلاق مشاعر الأمل والتفاؤل والثقة، لتحل محلها مشاعر اليأس والإحباط. كثيرة هي الأخطاء والخطايا التي ارتكبها ويرتكبها الإعلام الذي حل عيده وقد بدأ البعض ينفضون عنه ويقاطعونه وقد يرتمون في أحضان «مواقع الاتصال» التي لا ضابط ولا رابط لها هي الأخري فتضاعف من ارتباك الرؤية، وتساهم في حالة «الانشقاق» الذي كاد يصيب الشارع.. بل الأسرة ذاتها. ولكن.. مثلما قلت وأقول للإعلام ما جعله عيده منصة للتحليل والاتهام، أقول له: لا تنزعج وتنزلق إلي هوة اليأس والفشل، لأنك - في النهاية - لا بديل عنك.. ولن تختفي من حياتنا لأنك من أعمدتها الرئيسية، ثم ها هي ذي بشري رائعة أزفها لك أيها الإعلام فلسوف يحل عيدك القادم بمشيئة الله وقد تم تبييض وجهك وإنقاذك مما أصابك من فوضي وانفلات، فخلال أسابيع أو أيام قليلة يصل مشروع «قانون نقابة الإعلاميين» إلي مجلس النواب بعد أن أقرته الحكومة وراجعته اللجنة التشريعية بمجلس الدولة، والمؤكد أن السادة النواب لن يدخروا جهداً في الإسراع بإصدار القانون المنشود، ومعني ذلك أن «نقابة الإعلاميين تحت تأسيس» الموجودة الآن سوف تأخذ صفتها الدستورية والقانونية وتبدأ علي الفور في ممارسة مهامها التي تنطلق من العمل علي الإرتقاء بمستوي المهنة الإعلامية وتطبيق ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني، بالتنسيق مع المجلس الموحد للإعلام والصحافة الذي يأخذ قانونه طريقه إلي مجلس الدولة ومنه إلي مجلس النواب. بذلك، وبذلك فقط نقول في العام القادم إن شاء الله عندما يحل عيد الإعلاميين، «لقد جئت أيها العيد.. بالأمر الجديد».. حيث يستعيد الإعلام دوره ورسالته دعماً وسنداً لمصرنا العزيزة مهما واجهت من الصعاب والمؤامرات والمخططات.