سبحان الذى جعل الأمة الإسلامية من الحوادث والأحداث ما يجمعها ويوحدها - رغم أنف السياسة - أكثر مما يفرقها.. وجعل كتابه العزيز لها دستوراً - وإن تعددت فى بلدانها الدساتير، وبعث فيها نبياً رحمة للعالمين، وجعل من سيرته ومحبته عليه الصلاة والسلام من الحب والعبر روابط ما تزال تشّدُ إلى بعضها شدّاً، رغم كل محاولات الفرقة التى يحاول أعداؤها أن ينشروها، ورغم كل الفتن التى يحاولوا أن يزرعوها. فجعل الله تعالى يوم مولده الشريف روضة يتفيأ ظلالها كل العاشقين لنوره، وجعل يوم هجرته بداية لتاريخ مشرق جديد، وجعل يوم وفاته تأكيداً على أن الله حى لا يموت، وجعل يوم اسرائه ومعراجه موعداً مع مكافأة الصابرين، وتسرية لقلوب المؤمنين، ومحكاً للصادقين وفتنة للقوم الظالمين.. عليه صلوات ربى وملائكته وسلام الخلق أجمعين. وكانت الأحداث كما نعلم جميعاً قد تعاقبت على حبيب الله ومصطفاه عليه الصلاة والسلام، قبيل منحة الإسراء والمعراج الربانية، لرسول البشرية الأعظم وكانت الأزمات تتوالى واحدة إثر أخرى، فى وقت كان الحبيب يقاوم بصبر المؤمن وثقة العبد فى ربه الكريم عذاب وصلف كفار قريش، ومحاربتهم لدعوة الحق التى جاء بها بشيراً ونذيراً، وكانت القلة التى آمنت به إيماناً وتصديقاً تتحمل أعتى صنوف الأذى، وأبشع أنواع التعذيب.. والرسول يقول : اللهم إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى اشرقت له الظلمات هذا الإيمان الذى ملأ صدر نبى الله هوّن عليه كل تلك الأحداث التى لا يحتملها بشر. فقد عليه الصلاة والسلام عمه أبوطالب، ظهيره ، أبوطالب، الأخ الشقيق الوحيد لعبدالله والد النبى محمد عليه الصلاة والسلام، الذى رفض عرض قريش حين عرضوا عليه عمارة بن الوليد، وقالو له : يا أبا طالب خذه وأدفع إلينا هذا الفتى الذى خالف دينك ودين آبائك فنقتله فإنما هو رجل برجل.. فقال أبوطالب : بئس ما تسومونني، تعطونى ابنكم أربيه لكم وأعطيكم ابنى تقتلونه؟! أبوطالب الذى أنشد حين قال له النبى صلى الله عليه وسلم : والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فى طلبه. والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد فى التراب دفينا فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة أبشر وقر بذلك الإسراء والمعراج ثم ماتت خديجة بنت خويلد أولى أمهات المؤمنين وأم كل أولاد النبى صلى الله عليه وسلم ما عدا إبراهيم أبن مارية القبطية، ماتت الزوجة والحبيبة والمعينة والسند.. والتى كانت رضى الله عنها تستشعر بنبوة زوجها الأمين، فكانت تعتنى ببيتها وأبنائها، وتسيّر قوافلها التجارية، وتوفر للنبى مؤونته فى خلوته، عندما كان يتعبد ويعتكف فى غار حراء، ماتت أول من صدقه وآمن به عندما أنزل الله وحيه على النبى عليه الصلاة والسلام، ماتت أول من توضأ وصلى.. ماتت الصابرة المصابرة فى وجه قريش وتكذيبهم وبطشهم بالمسلمين، وحين دفع حصار قريش على بنى هاشم وبنى المطلب فى شعب أبى طالب، التحقت الزوجة الوفية المخلصة بزوجها فى الشعب، وآثرت أن تعانى ما عاناه وأهله من جوع ومرض مدة ثلاث سنين، وما لبثت رضى الله عنها بعد فك الحصار أن مرضت وتوفيت بعد وفاة عم النبى أبى طالب بثلاثة أيام فى شهر رمضان.. يا ألله أى عام هذا إنه فعلاً كان عام الحزن... فجاء إنعام الله وإكرامه لرسوله وحبيبه عليه الصلاة والسلام، معجزة كبرى، تطييباً لنفسه الشريفة وتسرية لروحه الطاهرة العفيفة. لقد كان الإسراء والمعراج خرقاً لطبيعة الأشياء التى تعود عليها الناس، فقد كانوا يسافرون من مكة إلى الشام فى شهر ويعودون فى مثله، فأسرىّ بالصادق الأمين فى جزء من يوم، وكان أمراً خارقاً وشيئاً مذهلاً اختصّ به المولى عز وجل رسوله الكريم وحده دون سواه من البشر، بل ومن الملائكة.. وكان امتحانا للذين آمنوا بالله ورسوله، ليمحص الله ما فى قلوبهم، وليختبر إيمانهم، ففاز أصحاب الإيمان القوى، وخاب ضعافه، لأن الله يريد أن يُعدّ أصحاب النبى للقادم من الأحداث من هجرة وغزوات وفتح مبين، لتكون صفوفهم حينها الشكيمة، راسخة العزيمة، صلبة الإرادة سهلة القيادة الإلهية التى أبدعت وصنعت كل ما فى هذا الكون الفسيح، الأرض مرة أخرى.. وليتأكد أهل الدين الخاتم وأصحاب النبى العظيم عليه صلوات ربى وملائكته وسلام الناس أجمعين أن الله هو القدير القادر على صنع ما يشاء فهو الذى وضع قوانين التنفس والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة، وهو وحده القادر على استبدالها بغيرها كيفما يشاء وحينما يشاء سبحانه إذا قضى أمراً أن يقول له كن فيكون. فصعد صلى الله عليه وسلم يقطع مقاماً بعد مقام وحجاباً إثر حجاب، حتى إنتهى إلى مقام تخلف عنه الأمين جبريل عليه السلام قائلاً : يا محمد ما منا إلا له مقام معلوم ولو دنوت أنملة لاحترقت. وكما قال الله عز وجل : «ثم دنى» أى النبى «فتدنى» أى سجد لله تعالى.. ولذا قال عليه الصلاة والسلام : «أقرب ما يكون العبد من ربه أن يكون ساجداً « وحين سئل عليه الصلاة والسلام : هل رأيت ربك ؟ قال : بفؤادى، ولم أره بعينى.. ولقد قرأت السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها حين سئلت ذات السؤال، قول الله تعالى : «لا تدركه الأبصار»، وفى هذا تأكيد لما اعتبرته فى مؤسسة اقرأ للسنة النبوية وتدقيق الأحاديث الشريفة، أو المعايير وهو أن لا حديث صحيح يخالف آية فى كتاب الله.